الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صدَّرنا الروحانيات للغرب، ولم نترك شيئاً للاستهلاك المحلي

غازي أبو ريا

2005 / 3 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


يتبجح شرقنا السعيد بجهله زاعماً ان الغرب غارق في الماديات، وان الغرب ودَّع الاخلاق والقيم، وكل منظومة الشعارات التي يرفعها شرقنا السعيد باميته..
ويسرح الشرق في الخيال سعيداً بما يزعم من روحانيات لديه، ومن كنز اخلاقي مكنون.. فما ان تخلع قبعتك وتحني هامتك للحضارة الغربية التي تبدع كل يوم الف معجزة.. وتطارد المستحيلات على الارض وفي الفضاء.. ما ان توشك على اي تعبير يدل على اعجابك بها، حتى يستل شرقيّ كتاباً في الاخلاق، او يسحب شعاراً من القرن الالف قبل بدء الخليقة..
هذا الشرق متعب بما بلغه من افلاس، فكل الروحانيات التي يزعم اختصاصه بها.. والتصاقه بتلابيبها.. هذه نفسها، تفضحه في اول تجربة له معها.. هذا الشرقي القاعد في خيمة صحراوية، يسخر من قطار الزمان.. يهزأ من كل علم وفن.. اخترع لنفسه مكيفاً روحانياً موهوماً يحميه قرّ الحضارة الغربية وقيض حسده لها.. يتدفأ على روحانيات ويروي عطشه سراباً..
اية روحانيات في الشرق؟! اهذه العصبية الطائفية نسميها روحانيات؟! ان الكثير من دلائل بعدنا عن الروحانيات تطمسها انظمة الشرق الشمولية.. وهاكم العراق مثلاً! كان الديكتاتور ظالماً للجميع بمساواة كاملة.. كل الطوائف لديه سواسية لا فرق لديه بين طائفة كبيرة واخرى صغيرة.. كل الشعب مقموع وما أن طار غطاء "طنجرة الضغط"، وولى القامع.. حتى كشر المقموع عن انيابه. ومارس كل مقموع سابق حريته، مارس عملية الانتخاب.. واذا بكل فرد يصوت لقبيلته، لطائفته.. اما الاحزاب التي رأت في العراق وطناً للجميع.. فقد عاقبها الشعب عقاباً عسيراً...
هذه الروحانيات التي تباهى بها العرب!! ولو فرضنا جدلاً، بأنه لا سمح الله وقدر- ان النظام السوري مسه شيء من جنون، وقرر انه ضجر من ان يكون قامعاً، وملّ الديكتاتورية، وتحولت سوريا الى دولة ديمقراطية.. لا سمح الله!! فهل يحسب احد ان سوريا ستختلف عن العراق في شيء؟! كان الدارسون فقط يعرفون تركيبة الشعب العراقي. ولما "تنحى" صدام حسين عن الحكم!! تعرفنا جميعاً على التركيبة القومية والطائفية والقبلية لما يسمى شعب العراق.. وهذا ما سيحدث لو "تنحى" بشار الاسد عن القمع والحكم "بمساعدة" امريكية، عندها سنكتشف الروحانيات في سوريا..
روحانيات الشرق موجودة في كتب الشرق وليس في صدور الشرقيين اليهودية تؤكد ان من قتل نفساً كمن قتل الناس جميعاً.. والممارسة العملية للشعب اليهودي تقول عكس ذلك تماماً.. والاسلام يدعو الشعوب والقبائل الى التعارف وليس الى التناحر. والمسيحية تضرب مثالاً اعلى في التسامح.. والبوذية كذلك . وكل ديانات الشرق ملآى بالروحانيات التي تجعل الانسان محباً لكل الناس...
كل الاديان الهامة والروحانيات نشأت في الشرق. ولا نصيب للغرب فيها.. والشرق صدرها الى الغرب.. وكارثة الشرق انه صدّر اخلاقيات اديانه وروحانياته للغرب، ولم يترك منها شيئاً للاستهلاك المحلي..
صدرنا الصدق وقول الحقيقة للغرب.. لم نترك لانفسنا بعض كيلوغرامات نستعملها لوقت الحاجة.. فاصبح الكذب ضيفاً مزمناً على كل قلم ولسان.. بعنا كل اصناف التسامح للغرب.. ولم نحفظ شيئاً منها كاكتفاء ذاتي مع الاخ والجار!!!
لا بّد ان نعترف بأننا في الشرق نعيش على وهم كاذب.. نحصن شعوبنا وبيوتنا من حضارة الغرب "الفاسدة" في خيالنا المريض وننسىان الغرب يفوقنا ليس علماً فحسب.. بل يفوقنا بالذات روحانياً واخلاقيا..
وكل فصل بين الماديات والورحانيات مجرد حماقة او على اقل تقدير بعض جهل لان الفقر لا يخلق مناخاً للتسامح والمحبة والعبادة الصادقة. الفقر مفتاح للحقد والحسد وحب الانتقام والفساد الاخلاقي.. والفقر يكون اكثر فساداً وعنفاً اذا رافقه الجهل وآخاه.
اماحياة برخاء مع علم فهي الطريق الى استقرار نفسي وسلوك سوي.. وارجو ان لا يستل احد حالة شاذة عن فقير فعل ذا وكذا في ميادين الخير.. وعن متعلم فعل كذا وكذا في ساحات الفساد. لأن الحالات الشاذة.. تبقى دائماً خارج القاعدة.
بعض شعوب الشرق اعادت حساباتها من جديد.. اليابان، الصين، الهند، ماليزيا، سنغافورة، كوريا.. وغيرها. واكتشفت ان كرامة الانسان.. والمحافظة على التراث الروحاني.. واحترام الفرد لنفسه وللاخرين، هذه كلها تحتاج الى علم ورخاء.. كل العالم، كل شعوب العالم ادركت ان العلم يدعم الرخاء ويدعم منظومة الاخلاق.. والجهل ليس الا بطاقة دعوة مفتوحة للفقر وفساد الاخلاق.
ومن مصائب الشرق العربي بالذات، بانه حصر فساد الاخلاق في النساء، تخصص في المرأة.. وانتبه اليها، حدق فيها.. وجعل جسد المرأة صراع الحياة.. شعرها ان بان هو الهزة الارضية.. وان ظهرت مساحات اخرى من جسدها يغرق الشرق العربي كله في عفن اخلاقي لا احد يدرك عواقبه!! اما الطائفية، الكذب، العصبية، النميمة، وما الى ذلك من مزايا يمقتها الغرب "اللاروحاني" فهي ساحات شاسعة المساحات في الشرق نصول فيها ونجول. هذا الشرق العربي، اصبح نكرة في العالم، وليس ذلك بسب الحكام فقط.. بل بفضل الشعوب اولاً.. شرقنا العربي يعاني من مطامع الاخرين. لكن معاناته الحقيقية تكمن في السوس الذي ينخر عظامه.. السوس الطائفي.. سوس الجهل.. سوس الوهم باننا نفوق الاخرين بالروحانيات والاخلاق.. والحقيقة المرة باننا في القاع علمياً، وفي الحضيض روحانياً.. اما في الاخلاق.. اقول بصراحة.. لقد تجاوزنا كل الخطوط الحمراء..
ومشكلة الشرق العربي ليست صعبة.. بل قابلة للحل.. والشرق العربي قادر على النهوض سريعاً، لكنه يحتاج الى الاعتراف بأمرين، اولهما، ان الغرب يتفوق علمياً علينا.. وهذا يقر به شرقنا.. لكن الذي يجب ان نعترف به.. بأن الغرب يتفوق علينا ايضاً بالروحانيات والاخلاق.. وحين نعترف بأن اخلاقياتنا تحتاج الى ترميم.. قد نحترم العلم اكثر.. وان احترمنا العلم اكثر.. نصبح محترمين اكثر في هذا العالم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سرايا القدس: أسقطنا طائرة إسرائيلية من نوع -سكاي لارك- وسيطر


.. بالخريطة التفاعلية.. جيش الاحتلال يعود لمخيم جباليا ويكثف غا




.. صرخات فتاة فلسطينية على وقع القصف الإسرائيلي على قطاع غزة


.. رسميا.. مبابي يغادر باريس سان جيرمان نهاية الموسم الحالي




.. نٌقلوا للمستشفى.. دبابير تلدغ جنودا إسرائيليين في غزة بعدما