الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدين والطوائف والشعب

مالوم ابو رغيف

2012 / 9 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


في الدول ذات الأنظمة الدكتاتورية أو تلك التي تحكم وفق نظام ديني أو دستور الهي، كذلك في بعض ثوار ما أطلق عليه اصطلاحا بالربيع العربي، حيث يعلن من ينصبون أنفسهم ممثلين شرعيين لـ فئة أو طائفة أو مكون بأنهم الشعب، أو أنهم يمثلون رأيه وتوجهه ومصالحه، فيصادرون الوطن والناس والثروات ويضعونهما تحت تصرفهم، متجاهلين بالكامل الملايين من المواطنين الآخرين الذين لا ينتمون لهم لا طائفيا ولا دينيا ولا سياسيا، في هذه الدول وفي هذه الهبات الثورية لا يعني مفهوم الشعب شيئا، إذ يصبح كالطبل أجوف فارغ من الداخل وان كان إيقاعه يرقص السامعين.
مصطلح الشعب في بلدان العروبة والإسلام اسم يبحث عن مسمى، شانه شان بقية المصطلحات التي ما إن تدخل في دائرة تداول السياسية العربية والإسلامية حتى تضيع نفسها، تفقد صورتها وملامحها ولا يبقى منه سوى الاسم، مثله مثل شخص تعيس لكن اسمه سعيد.
ولأنها كذلك، أي المفاهيم، وحتى لا ينتبه الناس إلى خواءها وفراغها الفكري، يجتهد زبانية الحكام الجدد، وخاصة الإسلاميين على إبداع صيغ واليات أخرى، قد تكون أي شيء، لكن لا يمكن إن تكون تعبيرا صادقا عن تلك المفاهيم التي عرفت طريقها إلى الشرق عن طريق الصدفة أو عن طريق التقليد أو بسياسة أتمسكن حتى أتمكن.
فمفاهيم الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة والمجتمع المدني ومنظماته، من حيث اللفظ الدال على المعنى لا تختلف عن مثيلاتها في الدول الغربية، لكن من حيث الجوهر تختلف اختلافا يصل حد التناقض التام مع المفهوم الأصل.

الشعب كمفهوم كما توحي به خطب الحكام وبيانات الأحزاب ومقالات الجرائد هو مجموع السكان، لكن السكن لا يعني الوجود في المكان والزمان، فلو امضي إنسان العمر كله في مكان دون إن يحصل على وثيقة انتماء لا يعتبر من الشعب. وثيقة الانتماء التي قد تسمى الجنسية أو شهادة الجنسية لا تشير إلى انتماء قبلي أو قومي أو لغوي أو ديني أو سياسي أو مكاني بل تشير إلى انتماء لدولة: فان غابت أو انحلت الدولة غاب الشعب وتشت طوائف وقوميات وعشائر واديان ومذاهب متصارعة. إذ لا وجود لشعب من دون دولة. من دون دولة، توجد عشيرة أو قبيلة أو قومية أو طائفة ولا يوجد شعب.
لكن ما هو مفهوم الدولة عند العرب ؟
الدولة عند العرب هي الحاكم - الملك- الرئيس- الأمير. لا يوجد فصل في الذهنية العربية بين الاثنين، بين الحكومة وبين الدولة. عدم الفصل هذا، بين الحكومة وبين الدولة ليس بسبب قصور فكري أو خطأ في الفهم، بل هو موروث تاريخي قد اقترن بالعقاب والقمع لفرض الطاعة واعتبرت أي مطالبة بالحقوق هي تمرد وعدم ولاء. فنقول الدولة الأموية والدولة العباسية والدولة العثمانية والدولة الهاشمية والدولة السعودية. هذه الدول لا تشير إلى نظام سياسي أو نظام حقوقي بقدر ما تشير إلى هيمنة قبيلة أو عائلة على الأرض وعلى سكانها، فان سقطت العائلة سقطت الأرض وانتهى إن يكون سكان تلك الأرض شعبا رغم حقيقة وجودهم عليها. الغريب إن المسلمين لا زالوا يتعاركون حول هذه الدول المنقرضة ويحمل هذا الطرف أو ذاك مسؤولية سقوطها، بل يحددون أصالتهم القومية والدينية وفق الانتماء إليها.
مفهوم الدولة في الذهنية العربية مرتبط بالحاكم، بالولاء له. في شبه جزيرة العرب ، أو ما يسمى تعسفا السعودية، لا يُعتبر الشيعة أو الاسماعيليين من الشعب، فهم خونة الولاء للوطن، إذن إن الوطن والدولة هو الملك والدين الوهابي. كذلك كان الحال في العراق فسكان جنوب العراق ليس من الشعب لأنهم لا يوالون صدام، بينما اليوم ينظر إلى السنة العراقيين بعين الشك والريبة ويطعن في ولائهم، في سوريا يرفع ما يسمى بالثوار السنة شعار الانتقام من العلويين والشيعة والدروز والمسيحيين فهؤلاء ليس من الشعب.
المواطن في الدول العربية والإسلامية من الشعب طالما أعلن عن ولائه المطلق للحاكم، للحزب، للثورة، إعلان الولاء لا يفترض الكلام إلزاما، بل السكوت عن جميع الفضائع والفضائح وعدم المطالبة بالحقوق. فأنت مواطن مخلص طالما رضيت بعبوديتك لرجل الدين، ولسلطة للثورة او لم تعترض على نزق الحاكم. هذه الفكرة حملها اللاجئون معهم إلى بلدان المهجر واللجوء فتصوروا إن امتداح الأنظمة والحكومات والرضي الكلي عن نوعية الحياة وعن النظام الرأسمالي هو ولاء للدولة التي منحتهم الإقامة. فهم ورثة لتراث يعتقد إن الحقوق منة الحاكم على المحكوم وليست صفة أساسية للشعب الذي أصبح منه. هؤلاء عبيد في بلاد الحرية.
الانتماء للدولة – الحكومة في الذهنية العربية الإسلامية ليس انتماء حقوقي، بل انتماء عرفيا، والقانون الموروث يفرض حق الحاكم ويتجاهل حق المحكوم: فأين حق المواطن بالسكن بالعمل بالتعليم بالحرية بالتظاهر بالاحتجاج باختيار العقيدة والدين بل أين حقه في البقاء على قيد الحياة!! وهذا ما يفسر لنا التدمير والتخريب المتعمد للمنشئات والمؤسسات والمرافق العامة، إذ إن الناس لا تحس أنها لها وتحت تصرفها.

الدولة العربية نشأت على ضوء المفهوم الديني الإسلامي، حيث لا حق للإنسان على الإله وما على الإنسان إلا الطاعة، والله لا يقدم شيئا نضير هذه الطاعة، كما انه لا يسأل تفسيرا عن تدميره اللاواعي للناس وللطبيعة بالهزات الأرضية أو بكوارث الفيضانات وانتشار الإمراض والأوبئة أو بإحلال الجفاف في الأراضي الشاسعة، الجواب الوحيد لإعمال الله الطائشة هو أن عباده قد عصوه فحق عليهم العقاب.
هذه الفكرة موجودة بشكل أو بآخر في دول الهوان العربي: غضب الدولة أو الحاكم ليس له تفسير آخر سوى انه يرى إن طاعة الناس له ليست بتلك الدرجة التي يرتضيها. وانتقام الحاكم قد لا يكون هزة أرضية أو صعقة كهربائية، قد يكون اغتيال بمسدس كاتم للصوت أو عبوة ناسفة أو قتلة مأجورين أو بحادثة سير أو بموت مفاجئ دائما كما يفسر بالسكتة القلبية.

الشعب وان كان هو مجموع السكان ضمن حدود دولة معينة، إلا إن الميزة الرئيسية له ليس مكان سكنه وليس لغته، بل نوعية وماهية حقوقه وليس انتمائه الديني أو القومي أو القبلي.
الحقوق الكاملة للناس المؤكدة بالقوانين والتي تصبح فيما بعد بديهية ولازمة للحياة كالماء والهواء، والمساواة الكاملة بين الرجل والمرأة هي التي تعطي تعريف لهذا الشعب وليس قوميته أو لغته أو دينه. الحقوق توحد الشعب بينما عداها تساهم في تفرقته أو في شتاته وتضارب مصالحه.
قد تبدو المهمة الملحة الآن والتي لا تقبل التأجيل هو إعادة تشكيل الشعوب وفق فهم الحقوق المدنية، إذ إن الشعوب أصبحت كالخرق التي تقطعت أو توشك على التمزق، فخيوطها الرابطة التي تجعل منها قطعة قماش واحدة، قد قدمت وبلت وافتقدت القدرة على تماسك القماش الذي بهت لونه وأصبح مرقعا بالطوائف والمكونات والأديان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نفس الشعوب
احمد خورشيد ( 2012 / 9 / 30 - 00:10 )
حتى بالامس القريب كنا نظن ان مشاكلنا تكمن في سيطرة هذة الايدلوجية او ذاك الحزب او التنظيم على مقدرات هذه الشعوب سواء كان ذلك عن طريق حكام نصبوا انفسهم او انقلابات عسكرية مدعومة من اطراف اقليمية ودولية لكن بعد ما يسمى بالربيع العربي المشؤوم اثبت شعوبنا انها غير جديرة بالديمقراطية على الاقل في الوقت الحاضر ودليللنا هو اعتلاء قوى الاسلام الظلامي سدة الحكم بواسطة هذه الشعوب نفسها وعن طريق صناديق الاقتراع وفي كل هذه الدول وهي نفس الشعوب التي كانت تصرخ وتئن تحت حكم الاستبداد والدكتاتورية وتسلم مقدراتها ومصيرها لاستبداد اشنع وافضع الا وهو الاستبداد الاسلامي الظلامي. الحديث عن اصلاح واقع هذه الشعوب يعد ضرب من الخيال في ظل سطوة الدين على كل شئ والخطوة الاولى في طريق الاصلاح تبدا باقصاء الدين لانها منبع الشرور والكوارث وهذه هي الخطوة الاولى في الاصلاح وليس صناديق اقتراع تاتى بالسلفية الى الحكم


2 - الاخ احمد خورشيد: الثورة الفاسدة
مالوم ابو رغيف ( 2012 / 9 / 30 - 10:34 )
اتفق معك تماما بما تدعوا اليه في الفقرة التالية:ـ

الخطوة الاولى في طريق الاصلاح تبدا باقصاء الدين لانها منبع الشرور والكوارث وهذه هي الخطوة الاولى في الاصلاح

الاخ خورشيد
هذه الشعوب لم تتربى قانونيا ولا حقوقيا، بل تربت ونشأت دينيا وعرفيا، والعرف الذي اقصده هو العرف الديني والعرف الاجتماعي الذي ياخذ قيمه واخلاقة من العشيرة ومن الدين .هذه الشعوب تجهل حقوققها ومستحقاتها وما يلزم للحكومة تجاهها
اتسائل كثيرا حول لماذا يموت المسلم دفاعا عن الله او عن محمد او عن الدين ولا يموت دفاعا عن حقوقه وحقوق اولاده وحقوق مجتمعه؟
اعتقد ان السبب هو انه لا يعرفها، فالكثير منا قد يكونوا مثقفين دينيا او سياسيا، لكنهم جهلاء حقوقيا وقانونيا، في الدول المتخلفة لا توجد ثقافة قانونية اطلاقا
لو كانت هناك ثقافة قانونية لما اصبح الدين وازلامه مسيطرين على الشعوب، لان الدين ضد القانون بالفطرة، فالقانون من وضع الانسان بينما الدين من وضع الله، اي انه يمثل مصالح الاله ولا يمثل مصالح الانسان.ـ
وعن الربيع العربي، اقول عندما تكون السعودية وقطر والجزيرة والعربية في اية ثورة فلك ان تقول ان تلك الثورة فاسدة تماما
تحياتي

اخر الافلام

.. الحكومة الأردنية تقر نظاما يحد من مدة الإجازات بدون راتب لمو


.. حرب غزة.. هل يجد ما ورد في خطاب بايدن طريقه إلى التطبيق العم




.. حملة ترامب تجمع 53 مليون دولار من التبرعات عقب قرار إدانته ف


.. علاء #مبارك يهاجم #محمد_صلاح بسبب #غزة #سوشال_سكاي




.. عبر الخريطة التفاعلية.. كيف وقع كمين جباليا؟