الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كسيّدٍ غيرِ مهذَّبٍ هو الحنين

خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال

(Khaled Juma)

2012 / 9 / 29
الادب والفن


ـ1ـ ]مرَّ[
في جيبِهِ قصبةُ نايٍ خام، ونهرُ صمتٍ في كيسِهِ الغريب، أولادٌ يتدلّونَ من الشجرِ كسعادينَ ناضجةْ، يتخاطفونَ الحكاياتِ من يدِهِ الكريمةِ وهو يبتسمُ كضيفٍ سَحَرَتْ مضيفَهُ هداياه.

ـ2ـ ]الحنين[
سيقطعني الحنينُ كرحّالةٍ، سيظلُّ مشهد بيتنا يملأُ فكرتي عن البيوت، وستظلُّ ابنة الجيران فكرتي الأولى عن النساء، وسيأتيني الأصدقاءُ الذين سقطوا ليلقوا التحية في الشوارع التي مشيناها، ستظلُّ كلُّ حبّةِ برتقالٍ ترسمُ وجه أبي في الهواء، سيظلُّ الحنينُ بلؤمِ قطّةٍ تعرفُ جمالها، وتعرف أن صاحبها لا قلبَ له لينهرها كي تقومَ عن ركبتِهِ، كسيِّدٍ غير مهذّب هو الحنين، هو القلق، يلبسُ حنجرةَ غناءٍ أو طلقةَ رصاصٍ أو إحدى الذكريات، لا فرق، تماماً كما هو اللافرق بين قلبي وتلك البرتقالة الوحيدة على الشجرة
.
ـ3ـ ]بنت[
بنتٌ بلونِ النار، ذاتُ وجهٍ مدوَّرٍ وابتسامةٍ لا تظهرُ بكاملِ بهائها إلا في الليل، كانت لديها أمنية بالطيران، أغمضت عينيها، وعلى عكس ما يحدث عادةً، بقيت الأمنية على الأرض وراحت البنت تصعد وتصعد، من يومها ظهرَ قمرٌ في السماء، وظهرت الأمنيات على الأرض.

ـ4ـ ]ولد[
ولداً كانَ، لم يقفز بعدُ حاجزَ المعرفةِ الأوّل، أشجارُهُ دونَ خِبرَةٍ وعصافيرُهُ بزغَبٍ في طريقِ الرّيش، كيفَ يبكي غصنٌ من نُحاسٍ على ولدٍ ميِّتٍ؟ ولماذا يشدُّ الشَّيخُ عباءَتَهُ على وجهِهِ فيما الريحُ ـ بعدُ ـ لم تكُن قد أجازَتْ رائحةَ الدَّم؟ وماذا يفعلُ قمرٌ بنفسجيٌّ في خِزانتي؟

ـ5ـ ]قمر[
كنتُ طفلاً، أنظرُ إلى القمر، وأحرِّكُ الكرسيَّ إلى المساحة غير المسقوفة في البيت، وأصعدُ إلى حافّتِهِ، وأشبُّ على أطرافِ أصابعي وأمدُّ يدي إلى آخرِها كي أمسكَ به، وأحياناً أحسُّهُ قريباً بما يكفي لأمسكَهُ لو قفزتُ، فأقفز، لكنَّهُ يفرُّ من يدي وأقعُ على الأرضِ مع رضَّةٍ جديدةٍ في كلِّ مرة، ومن كثرةِ ما أشفقَ أبي عليَّ، أتى بإناءٍ كبيرٍ ذات ليلة، وملأه بالماء، وناداني وقال: انظر، هذا قمركَ قد نزلَ هنا، نظرتُ بِحَيرةٍ إلى الإناء، ثم إلى السماء، ثم إلى الإناء، ثم إلى السماء، وقلت بحروفي المرتبكة وأنا أعبث في ماء الإناء مخربشاً صورةَ القمر: أريد القمرَ العالي لا القمر الذي يصيده الماء.

ـ6ـ ]خنجر[
سأعلِّقُ الربيعَ على مسمارٍ في الغرفةِ المهملة في زاوية البيت، وأحبس الشتاء في غرفة الخزين، والصيف سأهديه لأحد أصدقائي، وأضعُ الخريفَ في الألبومِ جوارَ صورِ طفولتي، وسأحدِّقُ في الخنجرِ وهو يقترب، سأحدِّقُ في تفاصيل حدِّهِ، في لمعانِ نصلِهِ، في زخرفة مقبضِهِ... إلخ، ولن أمنحَ القاتلَ نظرةً واحدة، لا نظرةَ خوفٍ، ولا نظرةَ استهتار، ولا حتى نظرةَ شفقة، سأحدق في الخنجر، فقط في الخنجر.

ـ7ـ ]أنا[
أنا طائرٌ شديد التعب، أوهموني بأني نايُ البلاد، وخبأوا آذانهم في غربة النهر حين بدأتُ الغناء، ومع كلّ ريشةٍ من صوتي، كان الشجرُ يحبسُ أوراقه عن الخريف، وأسقطُ في غوايتي مثلَ صرخةٍ في الفضاء، أعلِّمُ زغاليلَ الغيمِ كيفَ تصنعُ ناياً من حزنِها، وأميلُ إلى الوَحدةِ بعدَ كلِّ أغنية، وحاولتُ أن أعرف، لكنه لم يكن جرحاً، ولا موالاً حزيناً ولا دمعةَ ثكلى، كل ما في الأمرِ، أنني طائرٌ شديدُ التعب.


التاسع والعشرون من أيلول 2012








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع