الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشعوب ام الحكومات

جواد الحسون

2012 / 9 / 29
الصحافة والاعلام


يبدو أنني ألج موضوعة يستحيل جمعها أو لملمتها في مقال أو قصة قصيرة أو حتى رواية ، انه بعض من رذاذ تاريخنا المعاصر ، التاريخ الذي لم تهدأ عواصفه ولا أمواجه العاتية ولو لوهلة من الوقت تتيح لنا لحظة للتأمل أو التفكير ، نار مضرمة لا تلبث أن تهدأ في مكان حتى تستعر في مكان أخر حاملة معها عناوين مرعبة ومضامين غاية في التداخل والتعقيد .
تأريخنا محشو حتى أذنيه بتناقضات العصر ، ثورات وانقلابات ، حروب عسكرية وأهلية ، مؤامرات وانتفاضات ، غزوات واحتلال، هزائم ونكسات ، سجون ومقابر ، أحزاب وتحالفات ، حقد وتناحر وصراعات ، جهل وتخلف وضياع ، ومقابل كل هذا هناك أمم راقية تتقدم ، تفكر وتتأمل ، تكتشف وتخترع ، تتآلف وتتحد ، تبني وتعمر وتجتهد ، أمم تتسامح وتغفر ، أمم تحب ، أمم تعرف كيف تستمتع بحاضرها وتتجاوز وتنسى مآسي وهموم ماضيها ، أمم تفكر بمستقبل أجيالها ، أمم تحترم مبدعيها وأطفالها ونسائها وقوانينها ، ونحن عالقون في الوصف ، ما قبل وما بعد ، تأريخنا ليس سوى تدوين لصور ما قبل الكارثة وما بعدها ، لا نعرف من المسؤول عما حصل وما يحصل الآن وما سيحصل بعد ، نحن نستمع ونصفق فحسب ، وعواصف التغيير الجامحة مستمرة على مدار الوقت ، نحن نعرف كيف نسكت على الظلم ونغفو في سبات طويل أمام تسلطه وتجبره ، ففي عرفنا الشائع ان الحكومات لا تخطئ ، إنها معصومة عن ارتكاب الرذائل والأخطاء ، نحن من يخطئ ، الشعوب وحدها من يرتكب الأخطاء والمعاصي والرذائل ، وفي عرفنا إن جميع الذوات وأصحاب المقامات لا تنالهم مخالب القانون ، الأعراف عندنا لا تجيز إدانة السلطات وأصحاب المقامات العليا ، فان للكرامة هنا شأن ، وان إبداء الرأي وقول الحق يعد انتقاصا وقذفا وتشهيرا يناله القانون الكيفي ، وفي العرف أيضا أيقنا بان القانون أحول وحدوات أصفاده قد فصلت على مقاس معاصم الفقراء ممن تستأنس بهم منصات القضاء الأحدب ، حيث ان الحول لم يعد يصيب العيون فقط بل تجاوزه ليصيب العقول والنفوس والأفكار، نحن مجبولون على أداء مراسيم التبجيل والتملق والتصفيق والإذلال والانحناء حتى تقوست ظهورنا ، نحن نهضم كل شئ وما نلبث ان نتقيأ كل شئ ، نحن ضعفاء أمام القوانين العرجاء المصابة بالعشو ، نحن لا نطالب بل نستجدي ، نحن نتراقص فرحا بما يلقى لنا من فتات وفضلات السلطات والثروات ، نحن نشجب ونعارض وننتقد من تحت أغطيتنا ، نحن نتفاخر بأوهامنا وخيبتنا وهزائمنا وجبننا ، وأيضا في خرافاتنا وتخلفنا ، نحن لا نستقرأ ولا نستنبط ولا نتعظ من أخطاء ما كان قبل ولا مما يكون بعد ، نحن نرمي بعجزنا فوق شماعة القدر المحتوم ، ونرتدي عباءة المقسوم والمكتوب لنداري فشلنا وقصورنا وتقصيرنا ، نحن لا نؤمن ولا نثق بقدراتنا ، نحن نموت ولا نعترف بأخطائنا ولا بإبداع غيرنا ولا نتحمل مسؤولية أفعالنا واقوالنا ، نحن نغدق بالكذب والغضب على بعضنا ، نحن شحيحين بعطفنا ورفقنا وشفقتنا وصدقنا وتواضعنا وباحترامنا ، نحن نستأسد على نسائنا وأطفالنا وأشباهنا من الضعفاء بقسوة وهمجية بالغة ، نحن نسرف في مكرنا ومكابرتنا ، نحن نؤيد ونعارض بلا دراية ، نحن نشي ببعضنا وننم على بعضنا ، نحن نتكئ على عجزنا وعدم مبالاتنا ، نحن نهرول دائما مع الريح أيا كانت وجهتها ، نحن لا نمهل ولا نتمهل ، نحن نسلك جميع طرق الخطايا ونرتكب أبشع الذنوب للحصول على أدنى المناصب وأتفه المكاسب ، نحن نسرق جهود غيرنا واوقات عملنا ، نحن نبحث في الطرق الملتوية عن الجاه والوجاهة والثراء ، نحن ننتحل صفات ديننا ونرائي بأيماننا .
وأخيرا فنحن بهذا الوضع ما كنا ولا سوف نكون ، وبعد كل تلك الصور المريعة يدور في خلدنا التساؤل المثير للجدل وهو ، من المسؤول عن إشعال جذوة الانهيار ؟ الشعوب أم الحكومات. ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو يتسبب بإقالة سفير بريطانيا لدى #المكسيك #سوشال_سكاي


.. فيديو متداول لطرد السفير الإسرائيلي من قبل الطلاب في جامعة #




.. نشرة إيجاز - مقترح إسرائيلي أعلنه بايدن لوقف الحرب في غزة


.. سلاح -إنفيديا- للسيطرة على سوق الذكاء الاصطناعي




.. -العربية- توثق استخدام منزل بـ-أم درمان- لتنفيذ إعدامات خلال