الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انتهى درس الحداثة الاستعمارية يا غبي

ثائر دوري

2005 / 3 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


رغم كل الدروس التاريخية المكررة و المعادة إلى حد الملل ما زال هناك من يجادل أن الاستعمار يمكن أن يجلب الحداثة .
لقد أبيدت شعوب قارتي أمريكا و استراليا عن بكرة أبيها على يد الغربيين الذين أتوا ليحضروا هذه الشعوب!! و أفرغت أفريقيا من سكانها الذين شحنوا على البواخر ليصيروا عبيداً في مزارع القطن و قصب السكر بعد أن هلك ثلثهم على الأقل في الطريق عبر الأطلسي . و أبيد من أبيد من عرب الأندلس ، هذا الكنز الحضاري الهائل ، و هُجر الباقي أو أجبر على ترك دينه ، و لحقت بهم أعداد هائلة من العرب و المسلمين في جنوب شرق آسيا و كل ذلك في عرف الغربيين أضرار هامشية لانتشار الحضارة ........!! .
و خلال التاريخ الاستعماري الذي صار عمره اليوم أكثر من خمسة قرون لم تحصد شعوب آسيا و أفريقيا و أمريكا و استراليا سوى الإبادة و العبودية و الدمار و الفقر و التخلف .
ينقل تشومسكي في كتابه القيم (( الغزو مستمر )) عن نهرو قوله :
(( إن الحقيقة المهمة البارزة ان تلك الأجزاء من الهند التي عاشت أطول من غيرها تحت الحكم البريطاني هي الأفقر اليوم ........ و بالحقيقة يمكن رسم خريطة تبين الصلة الوثقى بين طول مدة الحكم البريطاني ، و النمو الشديد للفقر ))
و يتابع تشومسكي :
(( في أواسط القرن الثامن عشر كانت الهند متطور بالمعايير النسبية ، و لم يكن ذلك في صناعة النسيج فقط (( كانت صناعة بناء السفن مزدهرة ، و كانت واحدة من سفن القيادة التابعة لأحد أدميرالات بريطانيا خلال الحروب النابليونية قد بنيت في الهند من قبل شركة هندية )) لم تتهاو صناعة النسيج وحدها تحت حكم بريطانيا بل صناعات أخرى مؤسسة جيداً ، كبناء السفن ، أشغال المعادن ، الزجاج ، الورق ، و كثير من الحرف ))) ، كلها انهارت تحت حكم بريطانيا و اوقف تطور الهند ، و سد طريق نمو صناعات جديدة ، و صارت الهند مستعمرة زراعية لإنكلترا الصناعية . و بينما تمدنت اوربا كانت الهند تتريف بسرعة مع زيادة كبيرة في نسبة السكان المعتمدين على الزراعة (( و هو السبب الحقيقي ، و الأساسي للفقر المرعب للشعب الهندي )) ، كما كتب نهرو
. كما يلاحظ أن البنغال كانت تسبق مانشستر بصناعة النسيج ، عماد الثورة الصناعية ، عندما احتلها الإنكليز . لكن مجموعة معقدة من الإجراءات الاقتصادية المتحيزة لصالح مانشستر ، و المفروضة بقوة السلاح سببت انهيار صناعة النسيج في خليج البنغال و ازدهارها في مانشستر . لنصل إلى الوضع المأساوي الذي يعيشه هذا الخليج اليوم كأفقر بقعة من بقاع الدنيا . يقول تشومسكي :
(( يظهر مصير البنغال العناصر الأساسية لغزو العالم ، إن كالكوتا و بنغلادش هما اليوم رمز للبؤس و الشقاء ، بينما كان المحاربون الأوربيون قد رأوا في البنغال واحدة من اعمق اللقى في العالم و قد وصفها زائر انكليزي مبكر بأنها (( أرض راقية ، لا تستطيع الحروب و لا الأوبئة و لا القمع تدميرها ))* .
و هذه الملاحظات ترمي إلى المزابل كل ما قيل عن الدور التحضيري التقدمي للاستعمار ، و تُلحق بها التنظيرات السخيفة عن (( نمط الإنتاج الآسيوي )) . و تعلن بوضوح لا لبس فيه أن قصة الفقر تتلخص ، إن بشراً يملكون البنادق و آخرين لا يملكونها ...........
و يأتي احتلال العراق ليبدد من جديد أوهام المعتقدين بالحداثة الاستعمارية . فأول شيء قام المستعمرون به هو محاولة تفكيك المجتمع لبناه لأولى ، رغم قولهم إنهم جاءوا لنشر الحداثة و لتمكين المرأة و نشر الديمقراطية....الخ . فحاولوا إحياء كل ما يخطر و ما لا يخطر على البال من البنى المتأخرة و التي تتنافى مع بناء مجتمع حديث ، من القبلية و العشائرية إلى الطائفية و المناطقية .......الخ . و انقضوا على ما اكتسبته المرأة من حقوق خلال أكثر من نصف قرن من تطور العراق ، محاولين صياغة قانون رجعي يضع المرأة تحت مجموعة من الوصايات المتخلفة .
و لعل الانتخابات الأخيرة خير مثال على ذلك . فالعراق الذي عرف الحياة الحزبية الحديثة ، التي لا تميز بين القوميات و الطوائف ، و امتلك تجربة قل نظيرها في الحياة الحزبية الحديثة في العالم الثالث ، ففي العراق نشأ أكبر الأحزاب الشيوعية العربية قاطبة ، و ما يعنيه ذلك من خطاب متجاوز للبنى الطائفية و العشائرية و حتى القومية . و فيه تجذر حزب البعث الذي دعا إلى إقامة دولة عربية واحدة و تبنى الفكرة القومية التي تعني أيضاً تجاوزاً للبنى العشائرية و الطائفية و القطرية . و ما بين الحزبين عشرات من الأحزاب الليبرالية و القطرية ، التي تخاطب العراقيين جميعاً بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية و العشائرية . و بدل أن يتم تصحيح ما حدث من أخطاء في تجارب الأحزاب السابقة و البناء عليها وصولاً إلى أفق حضاري حديث، بدل ذلك شاهدنا الاستعمار الأمريكي ، الذي ادعى انه جاء لتحضير المجتمع العراقي عبر نشر الديمقراطية ، يدوس على كل المنجزات الوطنية و القومية و الإنسانية و يحاول أن يفكك المجتمع إلى أجزاء صغيرة متصارعة متنافرة ، مما يعني في النهاية استحالة بناء حداثة ادعى المستعمر أنه جاء من أجلها ......
إن تجربة الانتخابات الأخيرة خير تعبير على ذلك فقد شاهدنا الساحة مليئة بأحزاب مناطقية و أخرى طائفية كل منها اختص بمنطقة أو طائفة دون أن يعنيه العراق إلا بمنظور منطقته أو طائفته .
و لعل أغرب المفارقات هي نتيجة هذه الانتخابات . فمن المعلوم أن الخطاب الأمريكي قبل الغزو حاول تبرير الغزو بذريعتي أسلحة الدمار الشامل علاقة النظام السابق بالقاعدة و الإرهاب الدولي . و عندما انهارت هذه الذرائع قفز بخطابه كالبهلوان و صار يتحدث عن رغبته بتحديث المجتمع العراقي عبر نشر الديمقراطية ، و ترافق مع ذلك حملة تخويف هائلة من الزرقاوي و غيره ، بحيث صار منطوق الأمريكان غير المعلن ، إما نحن أو دولة دينية . و وجد هذا التخويف السخيف صداه في شرائح من المثقفين العرب خارج العراق ، فصرنا نسمع هواجس و مخاوف عن احتمال انتصار المقاومة و هزيمة الأمريكان لأن ذلك يعني قيام دولة دينية . و تشدد البعض بأن انحاز إلى صف الأمريكان خشية أن يحكمهم الزرقاوي ، كما قالوا . و آخرون كانوا أقل مغالاة فأعلنوا حيادهم بين طرفي النزاع ، لأنهم لا يجدون مكاناً لهم في معركة تدور بين طرفين متشابهين أو وجهين لعملة واحدة ، كما قالوا .
و بالطبع لن نناقش مدى صحة هذا الكلام و مدى انطباقه على الواقع لكننا نشير إلى إيماننا بأن المقاومة هي الحل الأكيد لكل المشاكل ، و إن مسار المقاومة و إن وجد به بعض الهفوات و الأخطاء و المبالغات هنا و هناك لكنه كفيل بتصحيح ذاته مع الوقت . ...و هذا ليس موضوعاً لحديثنا اليوم . لكن ما نتحدث عنه هو العجب العجاب الذي شاهدناه في هذه الانتخابات فبعبع حكم رجال الدين ، الذي كان الأمريكان يلوحون به للمثقفين و العلمانيين و اليساريين كي ينضووا تحت الراية الأمريكية ، أو على الأقل كي يبقوا على الحياد في المعركة الدائرة ، رأيناه يتحقق تحت ظل الأمريكان فها هو حزب طائفي يدعو لقيام دولة دينية طائفية ، و هاهو متدين يوشك أن يصير رئيساً للوزراء بموافقة و رضا نغروبونتي
و كأن الأمريكان يمدون لسانهم لجميع من صدق أن الحداثة قد تأتي على دبابات الاحتلال . و لسان حالهم يقول :
- انتهى الدرس يا غبي .
[email protected]
*الغزو مستمر -نعوم تشومسكي – ترجمة مي النبهان – دار المدى 1996








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يرفض ضغوط عضو مجلس الحرب بيني غانتس لتقديم خطة واضحة


.. ولي العهد السعودي يستقبل مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سو




.. جامعة أمريكية تفرض رسائل اعتذار على الطلاب الحراك المؤيد لفل


.. سعيد زياد: الخلافات الداخلية في إسرائيل تعمقها ضربات المقاوم




.. مخيم تضامني مع غزة في حرم جامعة بون الألمانية