الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سؤال عن الطموح القطري..والتناقض

فريد يحي

2012 / 9 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


الدول الخليجية الصغيرة الغنية وعلى رأسهم قطر تسعى لتبني دورا قياديا في العالم العربي ، حتى وان قامت بتعديل سياستها الخارجية في أعقاب الربيع العربي،إلا انها تحاول جاهدة بالتمسك بإستراتيجيتها السابقة في الحفاظ على علاقات طيبة مع الجميع،في ظل دعم الاخوان المسلمين،والجماعات الاسلامية المعارضة،حيث قدمت لهم الملاذ منذ العام 1990.

دول الخليج هذه،كانت لها تحركات كبيرة وواسعة قبل حصول "ابوشاقور" على الحكومة،الكل حاول أن يجذب اطراف اللعبة له،وما حدث في الكواليس لشيء يدعو الي الغضب قبل الحزن،فقد انهالت العروض من كل صوب وحدب ،صكوك على بياض،ووعود لها أول وليس لها أخر،لتصير ليبيا ساحة لتصفية الخصومات بين الاخوة الاعداء"قطر،السعودية،والإمارات" ،ونسأل نحن لماذا ليبيا بالذات؟...الامر لا يحتاج الي عمق تفكير الان، فنظرة واحدة على الخريطة،سيفهم الجميع...لماذا ليبيا.
الدعم القطري لليبيا تمثل في مساعدة ثوارها بمبالغ مالية، وصلت حتى 400 مليون دولار ، كما انها ساعدت المجلس الانتقالي في تسويق النفط الليبي ، وإقامة محطة تلفزيونية لهم بالدوحة، وأنشئت معسكرات تدريب في بنغازي ،وفي جبال نفوسة ،ويقال ان بعض وحدات قواتها الخاصة ساعدت في قيادة الهجوم لتحرير العاصمة.
ولكن في الواقع، المعركة من أجل ليبيا هي واحدة فقط من عدة انتفاضات عربية هذا العام ،انفردت قطر فيها بلعب الدور الاستفزازي. في كل من تونس ومصر واليمن ،وذلك عن طريق الانترنت وقناة الجزيرة صاحبة الصيت الشعبي ، وعلى الرغم من علاقات قطر الجيدة مع نظام الأسد قبل الانتفاضة السورية ،إلا انها من اولى دول الخليج التي عملت على اغلاق سفارتها في دمشق.

صارت قطر ،حديث كل لسان ،ومحل اتهام مفاده انها تعمل عل اثارة ، المتاعب ضد الأنظمة الراسخة في الشرق الأوسط، حتى صار تقريبا، كل بلد عضو في الجامعة العربية يقدم احتجاجا رسميا ضد التغطية الاعلامية السلبية لقناة الجزيرة، كما أن ما لا يقل عن ستة دول أعضاء " الأردن، السعودية، الكويت، تونس، ليبيا، المغرب" قد وصلت الي مرحلة سحب سفرائها من الدوحة،لينعكس هذا الامر على تصريح أمير قطر" الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، لصحيفة فاينانشال تايمز خلال مقابلة العام الماضي،عندما قال بان الكثير من قادة العالم العربي لا يريدون التحدث اليه، الا انه تزامنا مع هذا الدور القطري ،ففي الوقت نفسه ،كانت لقطر أيضا شطحات دبلوماسية في الشرق الاوسط منذ العام 2010،طبعت بنوع من التصميم،حتى في حضور الفشل وغياب النجاح،من خلال الاخذ على عاتقها بلعب دور الوسيط كطرف ثالث في كل مكان من لبنان إلى إسرائيل ودارفور وأفغانستان، بالإضافة الي أن قطر ساعدت على عقد سلسلة من الاجتماعات بين المسئولين الغربيين وممثلين من طالبان،حتى وصل الامر الي وجود تكهنات كبيرة بأن طالبان قد تفتح مكتبا لها في الدوحة. كما أنه في منتصف يونيو ، نشرت ويكيلياكس برقية عن وزارة الخارجية الأمريكية تبين مدى تورط قطر في السياسة الإقليمية،حيث انها تمكنت من تهيج مصر مبارك، والتي يبلغ عدد سكانها الأصليين نحو 300 مرة اكثر من قطر، هذه الدولة التي تمثل أكبر حقل للغاز الطبيعي في العالم.و التي تشكل الابهام في شبه جزيرة بالخليج العربي،بين رائدة المد السني"السعودية"،وزعيمة المد الشيعي "ايران"...مع اني اكره هذا التصنيف" اصبحت توصف حاليا على انها مرتع للتحريض السياسي.

مثل معظم جيرانها ، نظام الحكم في قطر هو ملكي وراثي، فهي حكمت من قبل عائلة واحدة منذ القرن التاسع عشر، (أعطيت الكلمة الافتتاحية لمؤتمر الديمقراطية لولي عهد دولة قطر، صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني) ولا يوجد فيها سلطة تشريعية مستقلة ،كما تحظر فيها الأحزاب السياسية،وتغيب فيها تقريبا جماعات المجتمع المدني المشكلة خارج اطار الدولة ،وهي الدولة الوحيدة بالإضافة الي السعودية ،والتي كان يهيمن عليها المذهب الوهابي المتمثل في الإسلام السني المحافظ، ويستند نظامها القانوني في جزء منه على الشريعة الإسلامية،و بسبب الطلب الحاد في البلاد على اليد العاملة، فإن أكثر من 85 في المئة من 7 مليون نسمة الذين يعيشون في قطر، ويمثلون ٪ 90 من القوى العاملة، هم من العمال الأجانب من دون حقوق سياسية،فعدد السكان الأصليين هو 225 الف نسمة.

قطر تشكل الآن أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال ، على مدى العقد الماضي، فلقد تحولت نتيجة سرعة الطلب المتزايد على الغاز الطبيعي المسال الي أغنى دولة في العالم إذا ما قيست بالناتج المحلي الإجمالي للفرد، والتي تقدره وكالة المخابرات المركزية بـــ 179.000 دولار، مما سمح للإمارة أن تتطور بسرعة قياسية.

و على الرغم من أن قطر تضم مقر القيادة الرئيسي للجيش الامريكي ،إلا اننا نجد شيئا من النقيض ،الذي لربما يحتاج الي تفسير ،عندما نعرف ان قطر تساعد حماس بالأموال ، مما جعل السيناتور جون كيري يبدي امتعاضه من وجهي قطر المزدوج في السياسة الدولية ،أيضا الصحافة الاسرائيلية كشفت بان وزارة الخارجية الإسرائيلية بصدد اتخاذ خطوات للحد من النفوذ القطري في المناطق الفلسطينية بسبب دعمها المتواصل لحماس ،والذي يشكل عداوة لإسرائيل وعلى مدى عقود، كانت قطر المنزل للمنفي المصري البارز الشيخ المعتدل يوسف القرضاوي رجل الدين الذي له صلات عميقة مع الاخوان المسلمين،والذي دعم الثورات في شمال أفريقيا وبلاد الشام ، حتى وان هي لم تتوان عن اعتناق الليبرالية. على مدى العقد الماضي، عبر استأجرها للمؤسسة الفكرية الامريكية "راند"، كي تعمل على اصلاح نظامها التعليمي "كي 12 "،على أسس غربي معاصر، كما انها سلطت الاضواء على الجهود التي قامت بها نائب رئيس جامعة قطر، الشيخة بنت جبر آل ثاني،والتي وصفت بأنها "تعليم الناس لكيفية التفكير" بإنشاء كيان تموله الحكومة سمي" مؤسسة قطر"، والذي أخذ على عاتقه بناء بما يسمى "بالمدينة التعليمية" على ارض مساحتها تقريبا الف هكتار ،لتتواجد فيها اشهر الكليات على مستوى العالم ،امثال كلية طب وايل كورنيل، مدرسة جورج تاون للخدمة الخارجية، مدرسة نورث وسترن في ميديل للصحافة، أم أند أي تكساس للهندسة، ،كما أن الدوحة أيضا أنشئت فرعا لدار النشر البريطانية بلومزبري، ومركز حرية الإعلام، حيث تعرض فيه المناقشات السياسية التي تبثها هيئة الإذاعة البريطانية، والتي يتجادل المشاركين فيها على الهواء مباشرة حول مواضيع كانت من المحرمات مثل مساءلة الحكومة ، والإسلام السياسي، ووضع المرأة في العالم العربي.

كل هذا جعل من قطر أن تكون موضعا للتساؤل ،في حضور التناقض ،ما هو بالضبط الذي تريده قطر؟ فعندما جاء الشيخ حمد الى السلطة في العام 1995 ،نتيجة خلع والده الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني، كانت قطر دولة خليجية ملكية،لا يكاد يعرفها أحد من الخارج ،بالرغم ان الشيخ خليفة جعل منها دولة للرفاهية السخية خلال الطفرة النفطية في العام 1970، حيث كان جزء كبير من الثروة ،يأتي من الغوص لصيد اللؤلؤ ،فقد شكلت هذه المهنة الدعامة الأساسية للاقتصاد القطري، حتى انهيار هذه الصناعة في العام 1930،واصفين اياها على انها احدى الدول المحافظة حسب المقاييس الخليجية،فلم يسمح للنساء فيها بقيادة السيارات،هذا ان امكن رؤيتهن على الصعيد العام اصلا ،لترتبط حينها ،هذه الجزيرة ذات الكثافة السكانية المنخفضة بعلاقة تاريخية مع المملكة العربية السعودية،غير أن في وقت مبكر من العام 1990 ،تدخل هذه الدولة في نزاع حدودي مع جارتها الكبرى، وإزاء هذه الخلفية، أحس الشيخ حمد بأن للبلاد فرصة كي تعيد تعريف نفسها،مؤسسا في العام 1996 قناة الجزيرة، والتي سرعان ما أصبحت أول محطة عربية بارزة تقدم،وبقوة التطورات الطارئة في منطقة الشرق الأوسط، لتصل في نفس العام الي الدوحة، البعثة التجارية الاسرائيلية ،مشكلة حدثا غير مسبوق في منطقة الخليج ،ناهيك عن زيارة شيمون بيريز لها لاحقا. ليبدأ الأمير بعد فترة وجيزة، في بناء قاعدة جوية للجيش الامريكي ،بلغت تكلفة انشائها مليار دولار.كل هذه التحركات المختلفة تحفز الي تعزيز شرعية الامارة الصغيرة كدولة مستقلة،حسب اعتقاد مستشار الأمير، وزير الخارجية (ورئيس الوزراء منذ العام 2007) الشيخ حمد بن جاسم بن جابر آل ثاني،مشيرا الي أن قطر تسير على متابعة استراتيجية مستقلة ،ولن تكون مجرد زر تحت الإبهام السعودي".

في الوقت نفسه ،وفي الداخل،سمحت الدولة بحرية الصحافة، وفي الوقت نفسه، سرعان ما أعلنت سلسلة من الإصلاحات السياسية بعيدة المدى ،والتي شملت إنشاء مجلس بلدي منتخب في العاصمة القطرية، وصياغة دستور جديد، مشروط بالاستفتاء عليه ، بالإضافة الي إعطاء المرأة الحق في التصويت والترشح للمناصب البلدية ،ولربما أيضا تداول الحديث عن برلمان منتخب،عبر تشجيع من زوجة الأمير الشيخة موزة، التي تترأس مؤسسة قطر، المؤثرة بتأثير بارز في الإصلاحات الداخلية، فلقد بدأت المرأة القطرية بجرأة متزايدة في تحدي النظام الأبوي ، حتى ان معدلات الطلاق، هي الآن من بين أعلى المعدلات في الشرق الأوسط.

العديد من الإصلاحات السياسية تعثرت ،حيث تأجلت الانتخابات البرلمانية،إلى أجل غير مسمى ، على الرغم من أحاديث الشيخ حمد بشأن هذه الانتخابات، والبلد لا يزال تحت نظام أميري ديكتاتوري، غير خاضع للمساءلة ،في ظل كل القرارات الرئيسية تقريبا،التي تصدر عن الديوان الأميري، ومكتب الأمير،هذا الامر جعل بعض المحللين يشكون في نوايا الامير لسلوك النهج الديمقراطي،فالاصلاحات ما هي الا وسيلة من وسائل الامير لتأمين الدعم الدولي،والنظام السياسي الديمقراطي...ربما لا يبدو ممكنا حتى على المدى البعيد.

ومع هذا يمكن للموقف القطري أن يوضع في خانة "من الصعب قراءته، ففي العام 2006، على سبيل المثال، بعد الاجتياح الاسرائيلي في لبنان، أشاد الأمير القطري "بنصر" حزب الله على الاسرائيليين، مقدما ملايين الدولارات لمساعدة حزب الله في إعادة بناء أربع قرى ،تعرضت لقصف شديد،ولكن بعد بضعة أشهر فقط في وقت لاحق دعت قطر وزيرة الخارجية الاسرائيلية "تسيبي ليفني" لحضور المؤتمر الدولي السادس للديمقراطيات الجديدة أو المستعادة، الذي ترعاه الأمم المتحدة،وسط رفض الوزيرة لهذه الدعوة.

ان عبقرية الشيخ حمد على ما يبدو ،وعلى وجه الخصوص، تتمثل في تعزيز دور قطر باعتبارها واحدة من أكثر المجتمعات تطورا وانفتاحا في منطقة الخليج العربي، في حين أن باقي دول هذه المنطقة،هي ممالك تقليدية، تحرص على نظام مغلق في الشأن السياسي والاجتماعي والديني .ولكن الدور البارز ،والاهم الذي يقوم به قادة قطر ونخبتها ،راغبين لها أن تلعب دورا اكبر بكثير منها،،حتى وان كان غير متبلور ،بالاعتماد في هذا الدور على العمل كمترجم ودليل ووسيط لحلفائها الذين يسعون للوصول الي المنطقة ،ولعل هذا الامر يكاد يتضح جليا وواضحا في ليبيا...يجعل مني أن أسأل السؤال التالي، ما نسبة النجاح لهذا الخيار السياسي، في تنامي الدبلوماسية والنفوذ الاقتصادي لهذه الدولة...برأي حتى وان استثناء،لطموح بعض النجاح،إلا أن من الناحية الاستراتيجية،لا يمكن لهذا النجاح أن يدوم ،ان لم يطول، فقطر لا تزال ،وستبقى بلدا صغيرا في جزء غير مستقر من المنطقة المضطربة...وليبيا ستبقى استثناء ،وخاصرة في وسط العالم،يفيق العالم على صباحها،وينام على ليلها.عذرا لهذه الشوفينية الضيقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرة ترفع شعار -الخلافة هي الحل- تثير مخاوف عرب ومسلمين في


.. جامعة كولومبيا: عبر النوافذ والأبواب الخلفية.. شرطة نيوريورك




.. تصريحات لإرضاء المتطرفين في الحكومة للبقاء في السلطة؟.. ماذا


.. هل أصبح نتنياهو عبئا على واشنطن؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. طبيبة أردنية أشرفت على مئات عمليات الولادة في غزة خلال الحرب