الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خصال رجاء النقاش

صبحي حديدي

2005 / 3 / 1
الادب والفن


الدراسات الشكسبيرية في التأليف العربي نادرة شحيحة، لكي لا نقول إنها شبه منعدمة، وذلك بالرغم من توفّر معظم أعمال شكسبير الأساسية مترجمة إلى العربية، وأحياناً في أكثر من ترجمة واحدة. وقد يقول قائل إنّ هذه الحال الفقيرة في ميدان الدراسات تشمل أيضاً الغالبية الساحقة من كبار أدباء الغرب، فضلاً عن آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وأنّ طور الخمسينيات والستينيات الذي شهد الاشتغال النشيط على الآداب والنظرية النقدية الغربية كان طفرة واحدة، عابرة واستثنائية.
ولهذا فإنّ من المبهج أن يصدر كتاب بعنوان "نساء شكسبير"، دار شرقيات ـ القاهرة، يتناول هذا الجانب الأساسي في تراث أديب لا تغيب المرأة أبداً عن مسرحياته وقصائده، حتى أنّ المرء لا يمكن أن يفكّر في شكسبير بمعزل عن شخصياته النسائية الخالدة. مبهج كذلك، أن يكون الكتاب بتوقيع الناقد المصري المخضرم رجاء النقاش، خصوصاً وأنّ هذا العمل يبرهن مرّة أخرى على أنّ اهتمامات الرجل ليست محلية مصرية أو عربية "عروبية" دائماً وأبداً!
والحال أنّ كتابات النقاش النقدية كانت، منذ الخمسينيات، علامة حيّة وحارّة على أمرَين:
1 ـ إدارة الصراع (في جبهة الأدب) بين اليمين واليسار عموماً، وبين المدافعين عن عروبة مصر ودعاة انتمائها إلى أصول أخرى شعوبية. وفي هذا الصدد تندرج سجالاته ضدّ توفيق الحكيم ولويس عوض ومَن أسماهم بـ "الإنعزاليين"، ودفاعه عن طه حسين وأنور المعداوي، وتمييزه بين اتجاهات اليمين واليسار عند عباس محمود العقاد، وتشخيصه للظواهر السياسية وراء أزمة الثقافة المصرية.
2 ـ تقديم المواهب الأدبية الجديدة، والسباحة عكس التيّار في الدفاع عن حقّها في احتلال الموقع المناسب. وهكذا كان رجاء النقاش بين أوائل الذين قدّموا الروائي السوداني الطيّب صالح، فرحّب بروايته "موسم الهجرة إلي الشمال"، واعتبر أنّ صدور هذه الرواية يدلّ على أنّ الروائي المصري الكبير نجيب محفوظ لم يعد عقبة في وجه تطوّر الأسماء الشابة. كذلك قدّم النقاش لمجموعة أحمد عبد المعطي حجازي الأساسية "مدينة بلا قلب"، 1958، وكان أوّل المبادرين إلي تقديم محمود درويش، وذلك حتى قبل أن يغادر درويش الأرض المحتلة، ورغم حساسية الحديث (آنذاك!) عن شاعر فلسطيني يحمل الجنسية الإسرائيلية.
وفي الجانب السجالي خاض النقاش عشرات المعارك دفاعاً عن قناعاته (ولعلّ هذا هو بعض السبب في إفراط الحماس لديه)، وخاض عشرات المعارك الأخرى دفاعاً عن الآخرين (سواء أكانوا من النقّاد أو الأدباء). وكان يصيب في معظم الأحيان، ويخطيء في أحيان أخرى، خصوصاً حين يطغى التأويل السياسي للنصّ أو الإنتماء العقائدي لصاحب النصّ على الخصائص الفنّية للنصّ ذاته. وفي الجانب العملي تولّى النقاش رئاسة تحرير دوريات عربية أساسية (مثل "الهلال" و"كتاب الهلال" الشهري، و"الدوحة" القطرية)، وكانت هذه المهامّ بمثابة اختبار عملي لمواقفه المنحازة إلى الحداثة والتجديد، وتسامحه مع النزعات التجريبية لدى الأدباء الشباب.
لكنّه كان ــ وما يزال في الواقع ــ شديد الميل إلى إسقاط السياسة (بمعناها المباشر والعقائدي والحزبي) على الظواهر الإبداعية، وإلى شطب جزء كبير من حقوق الإبداع إذا أخلّت هذه بحقوق السياسة. وأن تأتي ممارسة كهذه من ناقد كبير ومتمرّس ورائد أمر يتجاوز حدود العثرة، لأنه في الواقع ينمّ عن استعداد للتضحية باستقلالية العملية الإبداعية لصالح تكريس السياسة. ولعلّ جوهر هذا الموقف تختصره الكلمة التي نُشرت على الغلاف الأخير لكتاب النقّاش "ثلاثون عاماً مع الشعر والشعراء"، حيث جاء فيها: "وقد وقف المؤلف بوضوح وصراحة مع حركات التجديد الأصيلة ورموزها المختلفة، كما وقف ضدّ حركات التجديد المبنية على عداء حضاري وقومي للأمّة العربية واللغة العربية وآدابها. ولم يتردّد المؤلف في معارضة حركات التجديد القائمة على سوء النيّة القومية، والإستهانة بالتراث الحضاري العربي بهدف تمزيق العرب فكرياً وثقافياً ووجدانياً".
والحقّ أنّ أحداً لا يستطيع الزعم الأكيد بأنّ دعوة تجديدية ما في الأدب، هي في الآن ذاته حالة "عداء حضاري وقومي للأمّة العربية"، لأنّ تجدّد الأساليب والأشكال والمدارس ظاهرة إبداعية واجتماعية ـ ثقافية عميقة حتى إذا انطلقت من أساس سياسي أو فلسفي. وهكذا برهنت السنوات اللاحقة أنّ حركة التجديد التي قادت إلي تكريس قصيدة النثر في الشعر العربي منذ أواخر الخمسينيات لم تكن حركة سياسية قادها "شعراء أعضاء في الحزب السوري القومي الإجتماعي" وشجّعتها "أوساط الإستشراق الغربية"، بل هي حركة تجديد عميقة في المحتوى والأسلوب والشكل، بدليل أنها الإتجاه الأعمّ في الشعر العربي المعاصر، ويمارس كتابتها شعراء قوميون وماركسيون وإسلاميون!
وصدور "نساء شكسبير" مناسبة لتحيّة ناقد رائد يظلّ قدوة صالحة في ميدان ممارسة النقد التطبيقي، وفي الحرص على متابعة الظواهر الخلافية، وإثارة النقاش حولها، والتنبّه إلى الأصوات الجديدة والشابة، والمجازفة بتقديمها ووضعها ضمن سياقات المشهد الأدبي الأعرض. هي كذلك مناسبة نتذكّر فيها أنّ النقد العربي المعاصر استقال، إجمالاً، من هذه الخصال ـ الواجبات!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لما تعزم الكراش على سينما الصبح ??


.. موسيقى وأجواء بهجة في أول أيام العام الدراسى بجامعة القاهرة




.. بتكلفة 22 مليون جنيه.. قصر ثقافة الزعيم جمال عبد الناصر يخلد


.. الكلب رامبو بقى نجم سينمائي بس عايز ينام ?? في استوديو #معكم




.. الحب بين أبطال فيلم السيد رامبو -الصحاب- ?