الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من البنية التبيعية إلى البنية العبودية

الكبير الداديسي
ناقد وروائي

(Lekbir Eddadissi)

2012 / 10 / 1
ملف حول المنتدى الاجتماعي العالمي، ودور الحركات الاجتماعية والتقدمية في العالم العربي.


من البنية التبعية إلى البنية العبودية
ذ.الكبير الداديسي
أن تموقع العالم العربي في وسط خريطة العالم جعله يعيش في بؤرة الأحداث العالمية مند القديم ، وقدر له أن يدفع ثمن الصراع بين الفرس والروم قديما وبين الشرق والغرب حديثا وأن تمكن في مرحلة تاريخية من إضعاف طرفي الصراع فكاد يتسيد العالم وكاد يوحد طرفي المعادلة ، بعد أن شكل حلقة وصل واكتفى بلعب دور الوسيط لعقود طويلة دون أن يتمكن من بناء بنية اقتصادية تجعله يجابه الهزات الاقتصادية والسياسية، لذلك ما أن جعلت النهضة والثورة الصناعية و اكتشاف العالم الجديد ... الغرب في غنى عن وساطة العربي حتى أصبح العالم العربي لقمة سائغة بين فكي الحركات الاستعمارية ، وأرضا مؤهلة لتقبل أي استعمار ، ومع ذلك توسل الغرب بكل الوسائل (التنصير، الاستشراق ،الماركونتيلية ...) لاتخاذ الاحتياط اللازم واستهداف مواطن الضعف ... لقد كان الصراع عاما والمعركة شاملة و أمام عجز الواقع العربي اقتصاديا ،عسكريا وسياسيا تم توجيهه نحو الصراع الإيديولوجي فقط ، فحصر دفتي الصراع بين الاسلام والمسيحية وما تفرع عن هذه القضية من مشاكل القيم والتراث ومحاولة دحض فكرة أن التراث العربي ليس سوى نسخة للتراث اليوناني ، فوجد نفسه في موقف المدافع عن تراثه وقيمه ، بعد أن تغلغل الاستعمار ، ونهبت الثروات ، وصار العالم العربي حلقة تابعة لبنية مركزية متحكمة في الإنتاج والغذاء والتقنية والعلم ... مع خلاف كبير بين بنية مركزية الانتاج عندها وليد الحاجة ، العلم والتقنية ورأس المال في خدمة الإنسان ، وبنية تبعية مستهلكة يفرض عليها الإنتاج ، فتم تقسيم العمل العالمي على أساس هاتين البنيتين تحت شعار ( لنا العلم والتقنية ولكم الفلاحة السياحة والمواد الأولية ) . ولما اكتشفت بعض الدول خطورة تقسيم العمل وحاولت الخروج عن البنية التبعية ، لجأ الغرب إلى سياسيات مثل الاحتواء ، الضرب العسكري و التفتيت ( تقسيم منطقة الشام إلى أربع دول ، وفصل السودان عن مصر ...)
فطنت الفئات المثقفة للمأزق لكنها اختلفت في تحديد الأولويات للتخلص من التبعية ؛ بين من يحدد الأولوية في المشكل السياسي فاتجه إلى تنظيم الأحزاب وتأسيس النقابات وقلب الأنظمة في مزج واضح للسياسي بالوطني ...وبين من يحدد الأولوية في محاربة التخلف الفكري من خلال محاربة الأمية ونشر التعليم في خلط للسياسي بالديني ...
و لما كان طريق الإصلاح والتخلص من التبيعة طويلا في مجتمع يسود فيه النمط الزراعي دون أن يحقق الاكتفاء الذاتي لأبنائه ، وترتفع فيه نسبة الأمية لتحطم الأرقام العالمية ، إضافة إلى ارتفاع نسبة الإعالة وضعف العمالة ، لم يجد أبناء هذه الأوطان طريقا مفتوحا أمامهم للتخلص من هذه التبعية سوى الهجرة الجماعية نحو الغرب ، أو التزلف إلى المستفيدين من التبعية وحراس مصالح الغرب ... وعندما تم تضييق منافذ الهجرة ، وضاقت حاشية الحكام بالقلة المستفيدة ، كان لا بد من التغيير ( فالضغط يولد الإنفجار ) ، فكان الانفجار ربيعا انطلقت نسائمه مع ياسمين تونس، وانتشرت روائحه مع فل مصر قبل أن تتطاير دماء عشتار على شقائق نعمان ليبيا واليمن ... وهي تحمل شعارات رافضة للتبعية ، ومنددة بالأخر وحلفائه في الداخل ...
وفي ظل الحماس ، وبعد سنوات القمع ، وحنينا إلى ماضي براق ، وتحت شعارات مدغدغة للحواس والمشاعر ، وبعد تهاوي أنظمة كان يعتقد أنها عتيدة ، وبعد فشل تجربة اليسار المعتدل في بعض البلدان العربية كانت الطريقة معبدة للتيار الإسلامي ، باعتبار الأقرب من حيث الشعار السياسي إلى فكرة التخلص من التبعية ، في محاولة الاستفادة من تجربة اليسار والمجتمع المدني ..
لكن المجتمع المدني في الوطن العربي غير مهيكل و وهو مجتمع مشتت بين جمعيات تتسول ، همها الوحيد هو إشكالية التمويل ، وقد تعددت اهتماماتها بين كم هائل من الجمعيات ، لدرجة تكاد تكون لفئة جمعية مع تناسل الجمعيات التي تهتم بالفئات الهشة كالأمراض المزمنة ( السكري ، السيدا ، السرطان ....، ، وقضايا المرأة المعنفة والمطلقة ، والأم العازبة .. وأطفال الشوارع ،و ضحايا الاعتداء والتحرش الجنسي ... ، وجمعيات البيئة ... فأمام ضعف الموارد المالية ، وقلة تجربة الموارد البشرية اصبحت جمعيات المجتمع المدني في أوطاننا عبئا على الدول بدل أن تكون مساعدا لها ،
وإذا كانت هذه حال المجتمع المدني فإن حال اليسار العربي أكثر قتامة !!! فهو أكثر تشتتا بعدما اتسعت الهوة بين اليسار المعتدل الذي أصبح يصنف ضمن التيار الخائن ، واليسار الراديكالي الذي فقد جماهيره واعتزل كبار مفكريه الساحة ، فغدا لا يقوى على المجاهرة بمواقفه ، ويخاف من مجابهة خصومه ، فترك مفاهيم الاشتراكية يعلوها الصدأ ، وأصبحت في نظر العامة متجاوزة ...
كل ذلك جعل التيار الإسلامي وحيد في الساحة لكنه تيار لا يتوفر على الكفاءات المتخصصة الكافية في كل المجالات ، فليس كل من يحفظ جزءا من القرآن وقادرا على التظاهر بمقدوره تسيير دولة ، في ظل تحكم ثالوث الفقر الجهل والمرض بأغلبية أفراد الشعوب العربية ...
الأكيد ان نجاح التيارات الإسلامية بعد الربيع العربي ، لن تخرج العالم العربي من تبعيته في ظل اقتصاد هش ، وبطالة عالية وأمية متفشية ، ومجتمع مدني مشتت ، ومعارضة يسارية غائبة ، وتخوف غربي من أي سلوك أرعن غير محسوب العواقب ....
لقد كان العدو بالنسبة للجماهير واضحا ، وآليات الصراع محددة ،أما بصعود الإسلامية فقد أصبح العدو هلاميا وآليات الصراع ملتبسة ، وحتى أن كان لبعض الدول في هذه البنية التبعية موارد مالية هامة ( دول الخليج) فإن تنمية المال ليس كافية لتنمية الإنسان ، ولن تؤهلها ا الأموال وحدها لتجد لها مكانا ضمن المتحكمين في التوازن الدولي ، إلا إذا قبلت أن تكون أداة مسخرة لمصالح الغرب وإن لضرب إخوانها
إن العالم العربي اليوم مؤهل أكثر من أي وقت مضى للتخلص من التبعية ، لكن لكي ينتقل إلى وضع أدني حيت يصبح بنية عبودية ، تسقطب الصناعات الغربية تعفيها من الضرائب وتقدم لها التسهيلات وتقدم لها يد عاملة بأثمان زهيدة ، وتكون مقبرة لنفاياتها ، ومقيدة بسلاسل ديونها ، وقواعد لجيوشها ، ومنفذ لأوامرها وشروطها .... وهذه إذن هي قوانين الليبراية المتوحشة ، مما ينبئ بأن فكرة (علم أخر ممكن) هي الآن أبعد بالنسبة للعالم العربي مما كانت عليه قبل الربيع العربي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد قضية -طفل شبرا- الصادمة بمصر.. إليكم ما نعرفه عن -الدارك


.. رئيسي: صمود الحراك الجامعي الغربي سيخلق حالة من الردع الفعال




.. بايدن يتهم الهند واليابان برهاب الأجانب.. فما ردهما؟


.. -كمبيوتر عملاق- يتنبأ بموعد انقراض البشرية: الأرض لن تكون صا




.. آلاف الفلسطينيين يغادرون أطراف رفح باتجاه مناطق في وسط غزة