الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حين نتنازل عن عقولنا

داود روفائيل خشبة

2012 / 10 / 1
الادب والفن



فى عدد الأسبوع الماضى (23 سبتمبر 2012) نشرت "أخبار الأدب" فى باطن صفحة الغلاف أقوالا منسوبة لعدد من المفكرين تحت عنوان "محمد رسول الله فى عيون مفكرى الشرق والغرب". وليس بالشىء المستغرب أن الكثيرين على مدى التاريخ الإنسانى، لدواعى مختلفة ومن وجهات نظر مختلفة، قد وجدوا فى نبى الإسلام، جوانب أو سمات حازت إعجابهم ورأوها جديرة بالثناء والتقريظ. وبديهى أن الكشف عما فى مثل هذه الأقوال من قيمة إيجابية يستوجب (1) أن نلتزم الأمانة والدقة فى نقل النص الأصلى، (2) أن نضع النص فى سياقه المتكامل، (3) أن نأخذ فى الاعتبار مجمل فكر وموقف صاحب القول. وأنا هنا لست بصدد تمحيص أو تقييم مجموعة الأقوال هذه، إنما أود فقط أن أتقدّم بملاحظتين هامشيّتين.
كان بين الأقوال التى وردت بتلك الصفحة قول منسوب لـ كارل ماركس تحت عنوان "رسالته علم ونور ومعرفة" نصّه كالآتى:
"هذا النبى افتتح برسالته عصرا للعلم والنور والمعرفة. حرى أن تدون أقواله وأفعاله بطريقة علمية خاصة. وبما أن هذه التعاليم التى قام بها هى وحى فقد كان عليه أن يمحو ما كان متراكما من الرسالات السابقة من التبديل والتحوير ... جدير بكل ذى عقل أن يعترف بنبوته وأنه رسول من السماء إلى الأرض".
وبصرف النظر عن أن العبارة بصياغتها هذه تكشف فى جلاء لـ "كل ذى عقل" ما فيها من زيف، إلا أنى لن أعلق على العبارة ذاتها، إنما يتجه تعليقى إلى ما نشره مجدى العفيفى (الذى خلف الأديبة المتميزة عبلة الروينى فى رئاسة تحرير "أخبار الأدب") فى ذيل مقاله الافتتاحى فى العدد الأخير (30 سبتمبر 2012). وفيما يلى نص ما كتبه مجدى العفيفى تحت عنوان "إجابة تبحث عن سؤال!"، أنقله كما جاء حتى بما فيه من أخطاء إملائية وشكلية:
"إلى الأخوة الماركسيين الذين يتساءلون عن مصدر مقولة كارل ماركس عن سيدنا محمد "صلى الله عليه وسلم"، وملائكته أقول لهم ان رؤيته الدينية قد نشرها المفكر الراحل د. رشدى فكار فى حديث له لصفحة أخبار الأدب عام 1980 أجرته الكاتبة الصحفية "حسن شاه" تحت عنوان "ماركس عاد إلى الله فى آخر حياته" وهو نفس المعنى المسجل على موقع د. يوسف القرضاوى كما ان رأى ماركس موجود فى عشرات المواقع الإلكترونية وفى العديد من الدراسات والبحوث، لمن أراد أن يقرأ بحيادية وموضوعية.
"لكن تشبعهم بـ "نبى" الماركسية (!!!) يحول بينهم وبين الحقيقة .. مع أننا لسنا فى حاجة إلى شهادة أحد، أى أحد، فأنا قوى بفكرى وثقافتى وفى مواجهة أعتى العواصف فلماذا التهافت؟ وتهافت التهافت للأفكار!."
فى شأن الفقرة الأولى من رد مجدى العفيفى أكتفى بالقول بأن من كان لديه أدنى فكرة عن أصول البحث العلمى والبحث الأدبى يستطيع أن يحكم على الفور بهزال وضحالة وغيمومة الفكر الذى أملى هذه العبارة. أهكذا يكون تأصيل نص منسوب لمفكر قريب العهد من زماننا، كـُتـُبه ورسائله، وسيرة حياته، كلها فى متناولنا؟ هذه فضيحة ثقافية جدير بـ مجدى العفيفى أن يخجل منها. أما الفقرة الثانية فلا يمكن وصفها إلا بالغوغائية والتهريج. ترى، من يظن هذا الكاتب أنه يخاطب؟ إن من يظن أن هذا السخف يمكن أن يكون مستساغا عند قراء "أخبار الأدب" يستخفّ بعقول القراء ويوجه لهم من الإهانة ما يجيز لهم أن يقاضوه، وأن يكتب رئيس تحرير جريدة أدبية هذاالهراء معناه أننا قد انحدرنا إلى درك سحيق.
أنتقل إلى نقطتى الثانية، وأقدّمها فى إيجاز شديد. كان بين الأقوال التى أوردت فى صفحة "محمد رسول الله فى عيون مفكرى الشرق والغرب" ما قاله الكاتب الأمريكى مايكل هارت فى مقدمة كتابه "مائة". كانت الكلمة "مائة" هى كل عنوان الكتاب الذى أورد فيه مايكل هارت نبذات مختصرة عن مائة من الشخصيات التى كان لها تأثير كبير فى حياة الناس قديما أو حديثا. وأوضح الكاتب أن معياره الوحيد فى اختيار المائة وفى ترتيبهم هو اتساع مدى تأثيرهم، سواء كان التأثير فى مجال الخير أو فى مجال الشر. ليس الكتاب بين يدى الآن، فأنا أكتب اعتمادا على الذاكرة، لكن على ما أظن فإنه كان بين من اختارهم هتلر وغيره ممن تسببوا فى شقاء الملايين من البشر. لست أريد التعليق على النص المنسوب للكاتب لأن الأصل ليس فى متناولى ولأنه على أى حال لا يحتوى ما يتطلب التعليق. إنما أردت أن أذكر أن الكتاب ترجمه أنيس منصور فجعل عنوانه فى الصيغة العربية: "العظماء مائة أعظمهم محمد صلى الله عليه وسلم" (مرة أخرى أعتمد على الذاكرة) ولم يكن فى هذا شىء من الأمانة، فالمؤلف لم يقل عن محمد إنه أعظم المائة بل أبعدهم مدى فى التأثير. كان لأنيس منصور ما أراد من رواج للكتاب، وقد لا نرى ضيرا فى هذا، لكن العشرات وربما المئات من الناس قد استشهدوا بالعنوان العربى للكتاب وكأنه شهادة موضوعية. ومرة أخرى فإننا لا نغمط الناس حقـّهم فى أن يجدوا ما يعزّز فخرهم وزهوهم بما يعتزون به. لكننا نقول إن اعتياد خداع النفس والرضى به يبقينا محبوسين فى أوهامنا ويعوقنا عن التقدّم إلى الأمام.
يا ناس، إن تنازلنا عن عقولنا نتنازل عن إنسانيتنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - النبي
بلبل عبد النهد ( 2012 / 10 / 1 - 14:51 )
لنفرض ان محمد ارسله الله ليشرح دينه للناس ادا هو مجرد حامل رسالة تنتهي مهمته بمجرد تسليمها لمن يعنيهم الامر فلماذ اصبح شريكا لله في كل شئ بل هو احب للمسلمين من الله فعندما يسب احد الله وهذا يقع ملايين المرات في اليوم فلا ينتفض احد وعندما يتعلق الامر ب محمد يثور الجميع ولماذا يبحث المسلمون دائما على ما يثبت على ان محمد هو نبي حقا ما هو نبي وخلاص لكن لو استخدم احد عقله بعيدا عن اي تعصب وعاطفية لوجد ان محمد ومن عاشروه من مدعين للنبوة مثل امية بن الصلت او مسيلمه كلهم سوا سية الفرق ان محمد كان اذكى منهم وامكر فازاحهم من طريقه واسس دينه المقيت هذا


2 - لاتلوموا محمدا
Ali Ahmed ( 2012 / 10 / 1 - 16:00 )
يا إخوان رسالة نبينا محمد هي تكملة لباقي الرسالات قبله
والفهم الخاطيء والتطبيق الخاطيء لبعض مضامين هاي الرسالة من قبل البعض لايشوه الرسالة
فهية رسالة جمعت كل الأوامر والأحكام الي انزلت على الانبياء من قبله لجميع الملل
ولهذا يجب على المشككين ان يراجعوا جميع الأحكام النبوية لكل ملة
وسيجدوا ان رسالة محمد لم تأتي بجديد يضر احد
بل هي قاموس الأحكام لخدمة البشرية جمعاء
فلا تلوموا محمدا بل لوموا اتباعه الخاطئين


اخر الافلام

.. الرباط تستضيف مهرجان موسيقى الجاز بمشاركة فنانين عالميين


.. فيلم السرب لأحمد السقا يحصد 22.4 مليون جنيه خلال 10 أيام عرض




.. ريم بسيوني: الرواية التاريخية تحررني والصوفية ساهمت بانتشار


.. قبل انطلاق نهائيات اليوروفيجن.. الآلاف يتظاهرون ضد المشاركة




.. سكرين شوت | الـAI في الإنتاج الموسيقي والقانون: تنظيم وتوازن