الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذكرياتي في اليمن - الحلقة الخامسة

عصام عبد العزيز المعموري

2012 / 10 / 1
سيرة ذاتية


ذكرياتي في اليمن ( الحلقة الخامسة )
الأستاذ المساعد الدكتور عصام عبد العزيز المعموري – معهد إعداد المعلمين – بعقوبة – العراق
..........................................................................................................
كثيرة هي العناصر المشتركة بين الشعبين اليماني والسوداني وأهم ما يجمعهم هو بساطة العيش وعدم التكلف فترى الفرد اليماني لا يجد حرجا" في أن يرتدي مئزرا"(وزرة)يسمونها (فوطة) وغالبا" ماتكون مصنوعة في اندونيسيا ونعالا" (أبو الإصبع ) ويقابل أكبر مسؤول في الدولة وفي يوم جاءنا مدرس الرياضيات اليماني ( العلهي ) وهو في ملابس رثة وهو يرتدي مئزرا "ونعالا"(أبو الاصبع) يسمونه ( صندل) يعلوه التراب فقلت له : لا يليق بك هذا المظهر فأنت مدرس رياضيات مقتدر وتدرّس صفا" للبنات .. والبنات في مرحلة المراهقة وغيرها يعجبن بالرجل الأنيق .. فقال : انتظر بعد قليل ماذا سأعمل ... وماهي الا لحظات وأسمعه ينادي : أين أنت ياعراقي ؟ فقلت له : تفضل ماذا تريد ؟ قال : شاهد ماذا سأفعل ؟ وقام برمي نعاله في ساحة المدرسة وقال : سأدرّس البنات وأنا حافي القدمين وشتان بينه وبين حافية القدمين ملهمة (كاظم الساهر ) في أغنيته المعروفة .
ذهبت مع زميلي السوداني الى العاصمة صنعاء لمتابعة شأن راتبنا الذي اقتطع منه الكثير حيث أنهم احتسبوا لنا الراتب ابتداء" من تاريخ المباشرة وليس من تاريخ دخول البلاد وفي ذلك إجحاف كبير لنا ولم نحصل على أية نتيجة فموظف الحسابات أو المسؤول عن الرواتب لا يؤثر عليه أي مسؤول سوى مزاجه وإياك أن تبدي له تذمرا" وان أبدى لك تعاونا" فلا بد أن يكون لذلك مقابل يسمونه ( حق القات ) وهو الاسم اليماني للرشوة ، وهنالك نكتة يتداولها الأخوة اليمانيون تقول : ان خبراء الاقتصاد العالميين جاءوا الى اليمن للاستفادة من خبراتهم فكيف للفرد اليماني أن يكتفي براتبه بالرغم من أن كل أفراد عائلته يتناولون القات يوميا" حيث أنه الوجبة الرابعة في اليمن ؟ وجاء خبراء الاقتصاد لدراسة الظاهرة اليمانية !! وتقول النكتة بأن اليمانيين سحرة لأنهم يعرفون كيف يتدبرون أمر القات ومصروفاتها !
حين تسأل أي يماني : كيف تحل لي المعادلة الآتية : راتبك الشهري 10آلاف أو 20 ألف ريال ومصروفك الشهري أنت وعائلتك على( القات ) وحدها يفوق ذلك الرقم بكثير ... فكيف تتدبر ذلك ؟ يأتيك الجواب تلقائيا" : انه رزق القات .
ما يميز الفرد اليماني عن السوداني من وجهة نظري هو أن الفرد اليماني يتسم ببرود الأعصاب ولا شيء لديه في الحياة يستحق الغضب ولا أستطيع التعميم ، أما الفرد السوداني فانه سريع الغضب وخاصة إذا شعر بالغبن أو الظلم .
رجعنا أنا وزميلي السوداني من صنعاء بخفي حنين وركبنا في مقدمة السيارة التي تقلنا إلى عدن محطتنا الأولى إلى أبين وفضّلنا المقدمة لكي نتجنب حديث الآخرين وتطفلهم وهم يمضغون نبتة القات بلذة لاتدانيها لذة .
بين الفينة والفينة ينهض أحد الجالسين في مؤخرة السيارة وهو يتجاوز خانته التي يجلس فيها ويملأ شدقيه بنبتة القات ليلكزني في خاصرتي ليسألني دون سابق معرفة : أستاذ كم هو راتبك وهل تتقاضاه بالدولار أم بالريال ؟ فأجيبه عن تساؤله ، وماهي إلا لحظات وإذا به يلكزني ثانية ويسأل : أستاذ هل أنت متزوج ؟ وكم عدد أطفالك ؟ فأجيبه عن تساؤله ، وتتوالى الأسئلة التي لا يبدو أن لها نهاية .. يريد أن يعرف كل التفاصيل عني ولا يعتبر ذلك تطفلا" أو تدخلا" في شأن الآخرين وهذه الصفة لاحظتها عند الكثيرين .
كان الغضب قد أخذ من زميلي السوداني مأخذه وكان الدم يغلي في عروقه وأراد أن ينهي سيل الأسئلة المتدفقة من الركاب والتي يبدو أنها لا تنتهي والتفت الى مصدر الأسئلة بغضب يتطاير منه الشرر وقال لهم : اسمعوا أنا سوداني أتقاضى راتبي بالدولار وأدرّس اللغة العربية في أبين ومتزوج ولي خمسة أطفال وأ....ك مراتي سبع مرات في الاسبوع واياكم ياحيوانات أن تسألوني سؤالا" واحدا" بعد الآن .
ساد الصمت في أرجاء السيارة واستغرب الركاب من سر غضب زميلي السوداني فهم اعتادوا أن يسألوا الآخرين كل ما يروق لهم من أسئلة .. فلماذا يغضب هذا السوداني ؟
للعراقي قيمة لا تفوقها قيمة لدى الأخوة اليمانيين ويكنّون له كل الاحترام فأينما تحل فأنت ضيف عزيز وينسبون للعراقي بطولات لم أسمعها من قبل ويعتقدون بأن العراقي أسطورة وقادر على كل شيء وأينما تذهب فعليك الحذر حيث أنك تتعرض لاختبار من قبلهم للتأكد من موالاتك أو معارضتك للرئيس العراقي آنذاك ( صدام ) فإذا استنتجوا بأنك موال لصدام فأنت المدلل أما إذا عرفوا عكس ذلك فانك تتعرض للمهانة وربما الضرب وخاصة في الشطر الشمالي من اليمن .
يروي لي زميلي المدرس اليماني من محافظة تعز بأن مدرسا" عراقيا" يدرّس في محافظتهم تعرض للسرقة فذهب إلى مركز الشرطة ليبلّغ عن سرقته فسأله الضابط وكان برتبة نقيب : ما جنسيتك ؟ فقال له : عراقي ، فقال الضابط : كلامك غير معقول فاليماني لا يسرق العراقي على الإطلاق ، فاندهش المدرس العراقي قائلا" : وهل أن اللصوص شرفاء الى هذه الدرجة ؟ فقال له الضابط : أنا متأكد من كلامي وإنهم سرقوك لأنهم يظنون بأنك مصري لأن شعرك مجعد وتشبههم في الهيئة والملامح .. وبالفعل ما هي الا أيام واذا بالمال المسروق يسلّم الى مركز الشرطة بعد أن تأكد السارق بأن المبلغ يعود لمدرس عراقي وتعرف على ذلك من هويته الموجودة في المحفظة مع المبلغ .. وكان يدّعي بأنه عثر عليه في مكان ما .
ويروي لي حادثة أخرى حدثت في إحدى قرى محافظة ( تعز ) التي تعتبر من أفضل محافظات البلاد تمدنا" بعد حضرموت بفضل سفرهم الدائم واطلاعهم على تجارب الآخرين وممارستهم للتجارة .
خلاصة هذه الحادثة هي أن طفلين من أطفال هذه القرية كانا يلعبان لعبة اسمها ( صدام وبوش) وكان كل طفل منهما يحمل مسدسا" حقيقيا" فأطلق الطفل الذي أسمى نفسه ( صدام ) طلقة من مسدسه باتجاه الطفل الذي أسمى نفسه ( بوش ) فأرداه قتيلا" على الفور وشعر بنشوة عارمة جراء عمله هذا دون النظر الى عواقب هذه الجناية وكان هذا الحادث أيام دخول العراق للكويت وفي إثناء ما يسمى بحرب الخليج الثانية .
وكان كل طفل من قبيلة فاجتمع شيخا قبيلتي الطفلين لتدارك حيثيات الحادثة ونظرا" لحب أفراد القبيلتين للعراق فقرر شيخ قبيلة الطفل المقتول وبمباركة من والده أن ينتظروا نتيجة الحملة الأمريكية على العراق آنذاك فإذا خرج العراق منها منتصرا" فعفى الله عما سلف ولا دية للطفل المقتول .. وما هي إلا شهر والعراق يتعرض إلى ضربة قاصمة ألقى فيها الأمريكيون حمم قنابلهم عليه .. ورغم ذلك اعتبر شيخا القبيلتين أن العراق منتصر لأنه استطاع الصمود بوجه هذا العدوان على حد قولهم .. ومن الحب ما قتل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سائقة تفقد السيطرة على شاحنة وتتدلى من جسر بعد اصطدام سيارة


.. خطة إسرائيل بشأن -ممر نتساريم- تكشف عن مشروع لإعادة تشكيل غز




.. واشنطن: بدء تسليم المساعدات الإنسانية انطلاقاً من الرصيف الب


.. مراسل الجزيرة: استشهاد فلسطينيين اثنين بقصف إسرائيلي استهدف




.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش إرهاق وإجهاد الجنود وعودة حماس إ