الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قنصليات البؤس: قنصلية ألميرية نموذجا 2

عذري مازغ

2012 / 10 / 1
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


تنتشر في جميع انحاء إقليم الميريا احياء للصفيح (أكواخ بلاستيكية ) يقطنها في الغالب المجلل مهاجرون مغاربة، وعلى بعد عشرات الكلمترات من قنصلية المغرب يوجد بمنطقة تييرا دي ألميرية التابعة لبلدية إلخيدو حي راقي متميز بديناميته (أكثر من ستين كوخ عامر) حي زارته كل صحافة العالم، زارته دور السينما من إسبانيا السويد ودول أخرى لا أذكرها بالتحديد (وطبعا لم يزره يوما ولو مخرج مغربي واحد من أولئك الذين أبدعوا في إخراج الهزل التاراجيدي حول ظاهرة الهجرة التي ينفرد بها المغرب من وجوه متعددة)، وطبعا زارته وفود من الإتحاد الأوربي كما يزوره كل باحث في علم السوسيولوجيا لدعم بحثه او تقريره، ليبقى شهادة حية لمعالم التهميش الذي تزخر به أوربا الموحدة، هذا الحي يعرف منذ بداية هذه السنة حركة زاخرة لزيارات متعددة ومتنوعة المرامي من نوع آخر، فألميريا الغنية بمواردها الفلاحية تريد إعادة تلميع صورتها التنموية تجاه السوق الأوربية، وباختصار شديد تريد أن تقول بأن كل شيء في ألميريا هو على ما يرام، المنتجون العمال وأرباب المشاتل وكذا دورة السوق، وأن تظهر أن ليست هناك مشاكل، الإنتاج الفلاحي ينحو أن يكون إنتاجا إكولوجيا أو بيولوجيا، العمال ينعمون بكل مناحي الحياة الكريمة في الأجور والسكن والعيش لذلك لايلبث حي الأكواخ البلاستيكية يعرف إنزالات بوليسية متنوعة طيلة شهر 6 و7 و8 لتتوج في يوم 26 من شهر سبتمبر بإنزال واقتحام وهدم أكواخ على أهلها من المغاربة والمغربيات دون إعلان مسبق ودون إشعار بالإفراغ القانوني او ما يشبه ذلك، هذه الأحداث تملأ صفحات الجرائد المحلية والإقليمية وقنوات كنال سور وكنال الزحت ايضا، وغيرها بما يكفي لتصل إلى مسامع السلحفات المغاربة، ومع ذلك لم نرى مسؤولا واحدا فك حزام ربطة عنقه ليزور هؤلاء المغاربة والمغربيات من باب المعروف وصلة الرحم، ولا نحن سمعنا عن المغرب أن يخرج رسميا ولو ببيان صامت ومؤدب يآيات الحس الديبلوماسي الذي يتقن المغرب بروتوكوله، لم تخرج الحكومة المغربية ولو ببيان إستنكارا لهذا الميز الخاص تجاه مهاجرين مغاربة. وحين يتكلم الإعلام المغربي بعفاريت التنمية في المهجر لا يذكر في حسه هذه النواميس (ج ناموسة في اللغة المغربية، تعني حشرة) هؤلاء المغاربة الرائعون والكريمون بمساعدة أقربائهم من الفقراء في المغرب، هم من يبعث كل شهر جزءا من أجره اليومي لذويه في المغرب، والحصيلة ليس عفاريت التنمية في المهجر هم من يحملون العملة الصعبة إلى المغرب، بل هؤلاء النواميس، هؤلاء العمال الفقراء الذين يعينون اهلهم في المغرب هم من يحملون هذه العملات العجيبة التي تضحك وتفرح قريحة العجب البطوطية لإعلام الدوخة التنموية، هؤلاء بالتحديد الذين يتلقون ميزا خاصا في التعامل، في المهجر وفي البلد أيضا هم حقا من يملؤون خزينة الدولة بالسيولة الأجنبية، هؤلاء المغاربة الذين تربطهم صلة الرحم الحقيقية بالأهل في الوطن وتربطهم تبعا لذلك صلة المواطنة التي تنتفي في البرجوازية الوطنية حين تهرب اموالها إلى أبناك سويسرا وقطر ودول الحيض في الخليج العربي. لم نسمع ولو تحركا، جعجعة قط إن شئتم من القنصلية المغربية بألميريا احتجاجا على سوء تصرف رجال الحرس المدني الإسباني ورجال الشرطة المحلية التي تتدخل في هدم اكواخ المهاجرين بدون أي سند قانوني (orden de un juisio) وبدون إنظار قانوني، وعادة هناك ظاهرة نفسية في أن يتحمل المهاجر العامل مستوى العيش في الكوخ بدل البحث الصعب والشاق عن شقة للكراء، وشخصيا أعرف مهاجرين يتحملون عبء المشاق في حياتهم في المهجر ليوفروا بعض المال لإرساله لذويهم في المغرب (يتحملون كل الحياة القاسية ليعيس أهلهم)، وهذا العبء الكبير (المولد للسيولة طبعا) هو ما لا يدخل في فخر الإعلام المغربي الذي في الغالب يهتم بخرافات تنموية لمغاربة في المهجر، وهي صورة تعكس نمط الفهم الخاص لكائنات مغربية مستثمرة في الخارج، تصبح هي المقدسة إعلاميا ويصبح العامل الفقير مجرد نفاية حضارية: هذه النظرة من ازدواج الشخصية التي تسم حتى ما نسميه البرجوازية الوطنية، بشكل تظهر هؤلاء الذين يستمرون أموالهم في الخارج بالوطنيين، على مستوى الإعلام، إبراز اهمية الإعتزاز بالعبقرية المغربية في الخارج، مغربي فعل كذا وله كذا في بلاد النصارى، في الصراع القومي: شلح سوسي فعل كذا، أمازيغي، ريفي غرباوي، كذا، وبشكل عام هذا الذي يبهر ذاكرتنا الجمعية في الوطن: "هجرة العباقرة" كعنوان عريض، هؤلاء هم في الحقيقة ما يمكن تسميته بشكل جلي وبسطر فضي كما يعشقون، هم في الحقيقة القصوى، يمثلون هجرة الخونة، ولا يجب هنا أن تخوننا الخدعة الإعلامية حين تشير بالأصبع إلى عالم في الخرافات الفيزيائية والرياضية او عبقري في خلق المعادلات، هناك فرق شاسع طبعا بين من يهاجر لأجل عيش وعيش ذويه، وبين من يهاجر ليدخل كمعادلة في سياق خلق الرعب التفوقي للدول الرأسمالية كيما تحكم سيطرتها الأبدية على فقراء العالم). في سياق الأحداث بتييرا دي ألميرة ، لم تقم القنصلية المغربية حتى بما يعيد لها اعتبارها في التأسيس الذي كان على خلفية أحداث إلخيدو سنة 2000 ، وهي لأنها لا تعرف خلفيات تأسيسها أصلا، بسبب من ذلك التجدد للقناصلة كل أربع سنوات، وهو تجدد كما اشرت في سياق مقالي الأول، هو إعادة تزكيم الأنوف بأن شيئا مغربيا هنا بهذا الإقليم، هو التذكير بعفونة الإدارة المغربية (لقد سبق أن نصحت مواطنينا الأعزاء بارتداء قفازات واقنعة واقية حين يتوجب عليهم الذهاب إلى هذه المؤسسات) ومن باب الأمانة فقط سأعيد الإعتبار إلى القنصل المغربي في فترة 2004 و2008، لأقول بأنه هو القنصل الوحيد الذي فك حزام ربطة عنقه ليزور تييرا دي ألميريا حيث أكواخ البلاستيك المغربية بها، وكانت عادة مثيرة حقا للإنتباه، وربما كانت تعبر عن طيبة إنسانية وإحساس إنساني بالإنتماء أكثر منه كان يزور هذه الأماكن بحس سياسي، وكان الأمر أيضا خارج السياق الديبلوماسي، في يوم أمن أيام الآحاد على ما أعتقد.
في الثقافة الجديدة، يبدوا رباط العنق مميزا جدا، حاجز نفسي يمنع من الإختلاط ب"الأوباش" وهي عادة بدأت تثير الكثير من الأسئلة، تصوروا راخوي رئيس الحكومة الإسبانية التي تزكمها الازمات، هو ايضا صاحب رزمات لربطات العنق من فئة PP زرقاء، ويتساءل الإسبان عادة، ومنذ توليه رئاسة الحكومة، لماذا لم يخرج راخوي في كل هذه المدة ليخاطب الأمة بخطاب مباشر عبر الإعلام العمومي، بل كل خطاباته كان يلقيها في الغالب الأعم في الإجتماعات الحزبية او استجوابات في قنوات أجنبية، وعندما خرج في ألمانيا، ليشرح معتقداته الخارقة في علم الإقتصاد، سيلجأ إلى جريدة صفراء تحفل باجساد المومسات ليضيف لنفسه بذلك باقات من صور تقزز تلزم الإسبانيين أيضا بالعمل بنصيحة نيتشة، إن راخوي مربوط بربطة عنق إلى مربط حزبه، وينهق كعادة الحمير حين تنشق رائحة عتية آتية من الآفاق، لقد عمدت للحديث عن راخوي لآتيكم بشيء جديد، لأستدل لكم على ظاهرة ربطة العنق، عن رئيس حكومة مبتلي بها بحجم راخوي. فما بالكم بكائناتنا القنصلية الذين يجهلون لماذا أصلا تأسست مزبلتهم القنصلية؟ يتمسك الموظف في القنصلية في ألميرية بربطة عنقه هي هويته، هي الجدار والحضور وكأس بن في الصباح دون أن يعكر مواطن مغربي (مواطن من الأوباش طبعا) خلوته بكأسه أثناء العمل: حين يشرب الموظف المغربي كأس بن أثناء عمله لا يجب أن يعكر جوه (في المقابل، في إسبانيا يشرب الموظف بنه في وقت فراغ قانوني تؤطره قوانين الشغل، وخارج مكتبه، والمواطن طبعا لن يمانع في فطور موظف بالقول لقد خرج لتناول فطوره وهو ربع ساعة في العادة القصوى محددة بالساعة والدقيقة، في القنصلية، الأمر تابع لمزاج الموظف).
من العيب مقارنة قنصلية متنقلة لدولة متخلفة كمالي بقنصلية المغرب حيث دولة مالي المنهارة تتقدم لتطلب مقر نقابي لنقابة اندلسية لتنجز وثائق مواطنيها، تحمل إلى المقر النقابي هذا كل معدات الإنجاز، أجهزة إلكترونية في ضبط البصمات، كامرات لتوثيق الصور، ومنح وثائق الهوية بناء عليها دون اللجوء إلى عتمات البيروقراطية وخرافة الشيخ والمقدم في الوطن الأم، لقد اكتشفت مالي فجأة هذه الأهمية القصوى للتكنولوجيا الرقمية ووظفتها بدون تردد ولا خلفيات بيروقراطية، لقد تحررت فجأة دولة تسعى أن تكون في مستوى معطيات العصر باعتماد هذه التكنولوجية المتاحة رغم كونها تعد من أفقر البلدان الإفريقية. دولة تستند إلى البصمات وليس إلى الإنتماء العرقي وخرافة الشرف للمواطنين. وسأمنع نفسي عن التحدث عن سفارة الإكوادور التي فعلت الشيء المالي (من دولة مالي) نفسه مع مواطنيها حتى لا نكثر في الحجج في اساليب التعامل في المقارنة بين قنصليات لبلدان متخلفة مع قنصليتنا المجيدة. كما نمنع نفسنا ايضا أن نقارن إجحافا بين قنصليات أوربية وقنصلياتنا السجينة في ربطة عنق، لأن المسافة تاريخية وساحقة كما هي تعد بالسنين الضوئية.
في الأربعاء القادم، لنا لقاء مع عامل إقليم ألميريا الذي ينفي أي مسؤولية له لما حدث لمغاربة الأكواخ، لقاء تستشف منه هيأة (plata forma) مكونة من أصحاب الضمير الإنساني وجمعيات نقابية وخيرية، البحث معه في حل مشكلة السكن اللالائق، وكذا بحث أمر التهجمات البوليسية والامنية التي تعرض لها هؤلاء المغاربة مع غياب تام لوجود حس وطني من قنصلية الميرية، كما نخبر المهاجرين المغاربة بأن هناك شكايات قدمت في الأمر لدى المحكمة المحلية بإلخيدو تتطلب المؤازرة أثناء جلسات الحكم، وسنعلن في بيانات خاصة عبر الإعلام المحلي عن أوقاتها.
سأنهي هذا الجزء من هذه السلسلة الشيقة بالطبع، بدليل انطباعات القراء حولها في الفايسبوك، بحكمة اليوم: إذا رأيتم كائنا بشريا مربوطا إلى مكتبه بربطة عنق، في أية إدارة شئتم، فاعتبرو أنه يمثل حمارا مؤسساتيا مقيدا ببيئته الإدارية ومن حوله بقايا روثه وأوراق علفه. وعليه لا يجب أن تخدعنا المظاهر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ألميريا
رعد الحافظ ( 2012 / 10 / 1 - 14:58 )
كم تروقني كتاباتكَ في الأونة الأخيرة أخي عُذري مازغ , خصوصاً وأنتَ تضع ليس إصبعاً واحداً بل أصابعكَ العشرة على عشرة مشاكل حيّة على سطح الأرض باحثاً لها عن حلّ إنساني
لم أكن أعرف عن ألميريا الإسبانيّة سوى إسم ناديها لكرة القدم الذي يلعب كما أظنّ في الدرجة الثانية
لكن مشاكل وبؤس المهاجرين المغاربة , وتطنيش القنصليّة المغربية , وحُبّ أؤلئك المهاجرين لبلدهم الاُم وتضحيتهم بجزء عزيز من مواردهم ليرسلوها لأهلهم في الوطن
بينما حيتان السياسة والأحزاب الفاسدون يسرقون أضعافها ليودعونها في البنوك السويسرية ... مشاكل يشيب لها الرأس تماماً
أخي عذري إسمح لي بتهنئتكَ من جهة وتمنياتي لكَ بالنجاح في مسعاك لجلب الإنتباه لهذا الواقع المرير
و لي سؤال وحيد لن أخشى طرحهُ عليك
هل تعتقد أن ثقافة العمل / حبّهِ أو كرههِ تُساهم بشكل أو بآخر في تلك الحالة ؟
تحياتي لكَ


2 - الأخ رعد
عذري مازغ ( 2012 / 10 / 2 - 18:31 )
قرأت تعليقك أمس ولم أستطع الرد، بداية أشكر لك انطباعك العام على مقالاتي الأخيرة، ثم أنتقل لأقول بأني لم أكن أعرف أن فريق ألميريا نزل إلى القسم الثاني إلا عندما أشرت إليه، حينها سألت زميلا من متتبعي الكلاسيك الإسباني فأخبرني بصحة الأمر
بحصوص سؤالك اعتبر أن ممارسة العمل في ذاتها هي ممارسة تثقيفية، إذا كنت تقصد عمل الكائنات البروقراطية في عالمنا فهذه ظاهرة تستحق البحث، فالكثير من الموظفين في الإدارات تعتمد بروتوكولا خاصا هو في عملية تأثير الشخصية على المواطن وهذا الأمر له علاقة بالتكوين أقصد مدارس علم التدبير ويمكن تحليلها انطلاقا من ظاهرة عينية : مكتب مدير مثلا، ويمكن هنا اعتماد تشريح الأكسسوار في المسرح، هذا الجانب يأخذ من الموظف كل وقته ليتهمش موضوع عمله، وهو موضوع يتسع لو أردنا بحثا فيه
شكرا لمرورك

اخر الافلام

.. دمار في -مجمع سيد الشهداء- بالضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنان


.. انفجارات تهز بيروت مع تصاعد الغارات الإسرائيلية على الضاحية




.. عسكريا.. ماذا تحقق إسرائيل من قصف ضاحية بيروت الجنوبية؟


.. الدويري: إسرائيل تحاول فصل البقاع عن الليطاني لإجبار حزب الل




.. نيران وكرات لهب تتصاعد في السماء بعد غارات عنيفة استهدفت الض