الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفن سلاحنا العابر للقارات

محمد أبوعبيد

2012 / 10 / 3
الادب والفن


عوضاً عن أن نكون منفعلين تجاه أحداث معينة، علينا أن نكون فاعلين، خصوصاً في ظل ما شهدناه في السنوات الأخيرة من إساءات من بعض الغربيين لديننا ورموزنا، وآخرها الفيلم المسيء للرسول صلى الله عليه وسلم، والذي ما كان لينتشر ويشتهر لولا ردات فعلنا غير المدروسة.

لا ريب في أن ثمة أموراً ليس بمقدورنا أن نكون فاعلين بخصوصها نظراً لبعض العوامل الموضوعية، منها مثلاً، عدم قدرتنا على تصنيع أسلحة تتكافأ قي قوتها ومفعولها مع الأسلحة في الدول الغربية المصنِّعة لها، لذلك نبتاعها منهم. لكننا، وبلا ريب، قادرون على صناعة فنية تكون عابرة للقارات، ونستطيع من خلالها أن نصل إلى أكبر شريحة ديموغرافية ممكنة من الغرب. ولعلنا اليوم في أمس الحاجة إليها، ليس فقط بسبب الإساءات التي تلقيناها من بعض الأطراف، إنما بسبب شكوانا الدائمة من مسألة الغز الثقافي والفني لأصقاعنا ومجتمعاتنا، فحبسنا أنفسنا رهينة الشكوى بدلاً من مواجهة الغز بالغزو، فذلك خير من أن نقلب لغزوهم ظهر المجن.
إننا، كشرقيين، بتنا نعرف الكثير عن ثقافة صناع الفن في الغرب، لدرجة أنهم لم يعرّفونا فقط بشخصياتهم التاريخية، إنما اخترعوا شخصيات من الهيولى وجعلوها أبطالاً في خلايا الدراما بكل مشتقاتها، وما هي إلا شخصيات خيالية، ومع ذلك تأثر بها كبيرنا وصغيرنا. وما كان ذلك لينجح لولا أنهم خططوا، ورصدوا الأموال، ونفذوا، ثم روجوا.

أما نحن، فتاريخنا حافل بالأحداث وأبطال تلك الأحداث، بدءاً من الرسول صلى الله عليه وسلم، مروراً بالصحابة رضوان الله عليهم، وانتهاء بالعلماء والمفكرين والأدباء والثوار. فعلى سبيل المثال أكاد أجزم أن قلة منا تذكرت أن الخامس من سيبتمبر هو ذكرى مولد العالم الأوزبكي المسلم أبو الريحان البيروني، والذي اعتبره الغرب قبل الشرق أنه أحد أعظم العقول البشرية التي عرفها التاريخ، فهو أول من قال إن الكرة الأرضية تدور حول محورها، وهو من أشار إلى الجاذبية الأرضية، ما فتح الآفاق أمام نيوتن ليضع قانون الجاذبية. اللافت أن غوغل غير العربية هي التي ذكّرت بهذه الذكرى.

إن الأعمال الفنية المنجزة حول بعض شخصياتنا التاريخية شحيحة للغاية، وهي موجهة للعرب والمسلمين، والكثير منا يعرف الأحداث مسبقاً إما بسبب وجودها في المناهج الدراسية، أو بسبب القراءة الطوعية. لكن من الأهمية بمكان أن نعرّف الغرب على ما يزخر به تاريخنا من أحداث وأسماء نفخر بها، وأيضا تجعلنا نشعر بالخجل لأننا لم نواصل سيرتها ومسيرتها.

إن ما يجب إنجازه على صعيد السلاح الفني تتوافر عناصره، والشيء الوحيد المنعدم هو الخطة التي تتطلب عصف الأفكار لوضع أسس صناعة فنية موجهة هذه المرة إلى الغرب، خصوصاً أنها صناعة من السهل ان تصل إليهم قانونياً، أو تسللاً، لسببين، الأول ثورة تكنولوجيا الإتصال والتواصل، والثاني أن حرية التعبير عندهم تيسّر الطريق لنا للوصول إليهم فنياً حتى لو حاولت بعض الأطراف عندهم عرقلة طريقنا الفنية.

أتخيل هنا مسلسل "عمر" رضي الله عنه، وهو العمل الأضخم في تاريخ الدراما العربية، ومن أهم الأعمال، أتخيله مدبلجاً بلغات أخرى، أو مترجماً، وكيف أن ملايين الأنفس الغربية تشاهده وتتعرف على قيمة إنسانية حملت قيماً إسلامية نفخر بها جميعاً. حينها نكون عرفنا الآخرين لماذا يعتز ويفخر المسلمون، عرباً وغير عرب، بعبقرية هذا الخليفة الراشدي، فكيف، إذنْ، لو عرّفناهم بسيرة الرسول المصطفى- عليه الصلاة والسلام-، وعرّفناهم لماذا لا يسمح المسلمون بأية إساءة له.
إنّ من زاد من جهل غيرنا بتاريخنا وديننا وشخصياتنا هم نحن، لأننا تركناهم في جهلهم بنا ولم نكلف أنفسنا عناء الإفصاح عن تاريخنا بكل محتوياته، بينما هم اخترعوا شخصيات وأحداثاً خيالية خلناها حقيقية بفعل نجاحهم في التخطيط والتنفيذ.
ما أحوجنا، إذن، إلى تغيير لغة خطابنا، وردّات فعلنا. فبدلاً من العنف، وعوضاً عن تجاوز الآية الكريمة "ولا تزر وازرة وزر أخرى"، علينا البدء فوراً في صناعة فنية راقية ومسؤولة نتوجه بها إلى من لم يعرفونا. فالأموال متوافرة، والفنانون موجودون، وعلاقاتنا العامة حاضرة، والواجب يحتم علينا أن نعرفهم أننا أهل سلم وتسامح ومحبة ولسنا أجساداً مفخخة لا تبقي ولا تذر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس


.. بحضور شيوخ الأزهر والفنانين.. احتفال الكنيسة الإنجيليّة بعيد




.. مهندس الكلمة.. محطات في حياة الأمير الشاعر الراحل بدر بن عبد


.. كيف نجح الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن طوال نصف قرن في تخليد




.. عمرو يوسف: أحمد فهمي قدم شخصيته بشكل مميز واتمني يشارك في ا