الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما تغضب مصر ضد حكامها وشيوخها

رفعت السعيد

2012 / 10 / 3
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


وإذ يتضاعف الظلم والقهر والقسوة المملوكية تتفتح بوادر الغضب المصري عبر النكتة والقفشات والأسماء المثيرة للضحك فأسمو فيما بينهم أحد الأمراء «فار الشقوق» وأسمو آخر «سم الموت» وثالث «حداية» لأنه كان يخطف أي شيء حتي عمائم الفقراء.. أما ناير بك فقد أسموه «خاين بك» وبعد النكتة والقفشات التي تتمادي في أيامنا الحالية عبر الفيس بوك وغيره من الأدوات الشبكية فتأتي بوادر الغضب المصري.

وتقرأ للجبرتي «وفي شهر جمادي الأولي سنة 1218هـ، أرادوا عمل فردة وأشيع بين الناس ذلك فانزعجوا، هذا مع توالي الكف والمغارم حتي خربت الكثير من القري وجلا أهلها عنها، وفي منتصف هذا الشهر نقص النيل نقصا فاحشا، فانزعج الناس وازدحموا علي مشتري الغلال وزاد سعرها فمنع الغني من شراء ما يزيد علي الإردب ونصف الإردب، أما الفقير فلا يأخذ إلا ويبة ويمنعون الكيل بعد ساعتين بينما كان الأمراء والكبار يأخذون المراكب المحملة بالغلال قهرا عن أصحابها ويخزنونها لأنفسهم.

وقل الخبز في الأسواق والطوابير، وفزع المصريون إلي المشايخ في الأزهر الشريف، وأراد البعض تلهية الناس عن غضبهم فطالبوا بإقامة صلاة الاستسقاء لكن أحد مشايخ الأزهر صاح قائلا إن الشرع حدد شروط قبول صلاة الاستسقاء وهي رفع المظالم والتوبة عن الذنوب وذهب المشايخ إلي الحاكم المملوكي إبراهيم بك فأجابهم «الصلاة نعم، أما شروطها فهذا أمر لا يمكن ولا يتصور ولا أقدر عليهم، فصاح المشايخ مهددين إذن سنهاجر جميعا من مصر ونتركها فرد عليهم الأمير الماكر وأنا أهاجر معكم» ثم «وذات يوم ركب حسين بك بجنوده إلي الحسينية فداهم منزل متولي رياسة دراويش الشيخ البيومي ونهب كل ما فيه حتي مصاغ النساء والفرائس وثار المصريون،

وفي صبحها ثارت جماعة من الأهالي وحضروا إلي الجامع الأزهر ومعهم طبول والتف عليهم عديد من العامة بأيديهم نبابيت فخرج معهم الشيخ الدردير وأغلقوا أبواب الجامع وصعدت جماعة علي المآذن يصيحون ويدقون الطبول وأغلقت الحوانيت وصاح الشيخ الدردير «غدا نجمع أهالي الأطراف والحارات وبولاق ومصر القديمة وأركب معكم وننهب بيوتهم كما ينهبون بيوتنا ونموت شهداء أو ينصرنا الله عليهم»، وارتعب أمراء المماليك فذهب سليم أغا مستحفظان ومحمد كنخدا أرناؤوط إلي الشيخ الدردير وقالا له اكتب قائمة بالمنهوبات ونأتي لك بها من محل ما تكون، واتفقوا علي ذلك وقرأوا الفاتحة،

لكن الجماهير الغاضبة لم ترض بذلك فضغطوا علي الشيخ الدردير وساروا إلي إبراهيم بك طالبين إحضار حسين بك لمحاسبته، وحضر حسين بك وصاح فيه إبراهيم بك «عيب يا بك تنهب أموال متولي رياسة الدراويش فانفجر حسين بك في وجهه قائلا «انت يا إبراهيم بك تنهب ومراد بك ينهب وأنا أنهب، كلنا نهابون» وأدرك الدردير الحقيقة كلهم نهابون فنادي في الناس باستمرار المناداة من فوق المآذن وإغلاق الحوانيت ورفعت البضائع من الأسواق، وصارت المماليك في رعب شديد وخافوا أن ينزلوا إلي الشارع.. فحضر مرة أخري سليم أغا مستحفظان ومحمد كتخدا وصالحا الشيخ الدردير ووعداه بالكف عن المظالم» ثم يستخدم الجبرتي تعبيرا جميلا فيقول «وبردت المسألة».

لكن العامة وبعد فترة هدوء ما لبثوا أن تفجروا من جديد وذهبوا إلي قيادة أزهرية أكثر صلابة هي الشيخ عمر مكرم وتجمعوا حول قيادات شعبية شجاعة منها حجاج الخضري زعيم فتوات بولاق، وابن شمعة شيخ الجزارين وثارت المحروسة وحاول السلطان أن يقمع هذه الثورة فأرسل واليا جديدا مشهورا بالعنف والقسوة وكان مغرورا بلا حدود ولا يعرف الشبع وتعزيزا لمكانته أرسله ومعه خط شريف يوليو مصر مدي الحياة..

ويحدثنا الجبرتي مرة أخري «فلما كان شهر صفر الخير وفي يوم منه ركب المشايخ الي بيت القاضي واجتمع معهم عديد المعممين ومئات من العامة والأطفال حتي امتلأ بهم الحوش والمقعد وصاحوا شرع الله بيننا وبين الظالم وتعالت هتافاتهم يا رب يا متجلي إهزم العثماللي.. وأرسل القاضي فأحضر سعيد أغا الوكيل وبشير أغا وعثمان أغا قبي كتخدا والدفتردار والشمعدانجي» ولكن أقطاب المماليك راوغوهم وكتبوا عرضحال بالمطلوب واتفضوا علي ذلك ولم يرض الفقراء بهذا الأمر

ويقول الجبرتي «وأصبح الناس وتجمعوا فركب المشايخ والجمع الغفير من العامة والعصب والجعيدية والاجاقلية وأهالي الحسينية والفرافة والرميلة والحطابة والصليبة ومعهم الطبول والبيادق والأسلحة وتمترسوا في أخطاطهم وحصل في تلك الليلة من ضرب النار والبمب ما هو عجيب من المستغربات، وصار الضراب علي القلعة بالمقاليع والصواريخ وعلي البلد من القلعة كل ذلك مع ضرب الطبول والمزامير والنفرزانات وكانت ليلة من الغرائب واستمروا في الكرنكة ومحاصرة القلعة وبني حجاج الخضري ورجاله حائطا وبوابة علي الرميلة وحمل الناس النبابيت والأسلحة حتي أن الفقير كان يبيع جلبابه ليشتري به سلاحا».

وأخيرا انتصر المصريون وعزل الوالي الظالم ولم يفده خط شريف يوليه مصر إلي الأبد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحذير دولي من كارثة إنسانية في مدينة الفاشر في السودان


.. أوكرانيا تنفذ أكبر هجوم بالمسيرات على مناطق روسية مختلفة




.. -نحن ممتنون لكم-.. سيناتور أسترالي يعلن دعم احتجاج الطلاب نص


.. ما قواعد المعركة التي رسخها الناطق باسم القسام في خطابه الأخ




.. صور أقمار صناعية تظهر تمهيد طرق إمداد لوجستي إسرائيلية لمعبر