الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يوجد فكرٌ يساريٌ إصلاحيّ..؟

سنان أحمد حقّي

2012 / 10 / 3
مواضيع وابحاث سياسية



لابدّهنا من أن نذكّر القارئ الكريم بأصل التسمية ولو بشكل خاطف ، فقد أُطلقت لأول مرّة على الكتلة البرلمانيّة الجالسة إلى يسارموضع جلوس الملك في الجمعيّة الوطنيّة الفرنسيّة والتي صوّتت لصالح التغييرات الثوريّة وقيام الجمهوريّة وتأييد العلمانيّة ، وهذا أوّل برهان على نفي وجود صفة إصلاحيّة .
ولمّا كان اليسار متمثّلا بالإشتراكيين ، وحيث أن الإشتراكيين قد تركوا مبادئ سان سيمون الإشتراكيّة وتركوا كذلك الإشتراكيّة الخياليّة ( الطوباويّة) كما كتب أنجلز في كتابه ( الإشتراكيّة الخياليّة والعلميّة) وأصبحت صفة الإشتراكيّة تصاحب من إنتهج منهج كارل ماركس ورفقائه وجب التحرّي عن معنى وجود إشتراكيّة إصلاحيّة وفق المنهج الماركسي .
في مناسبات عديدة سنحت لنا الفرصة لاستعراض بعض مبادئ الماديّة الدايلكتيكيّة والماديّة التاريخيّة وهي النظريّة العلميّة والفلسفيّة التي تفسّر مسار التاريخ والطبيعة على حد سواء وما زال المفكرون الماركسيون يرجعون لها ويحتكمون إليها في مختلف المسائل الطبيعيّة والإنسانيّة والتاريخيّة ، وفي جوانب تفسير هذه النظريّة للتاريخ تعرّفنا إلى أحدى الحقائق الجدليّة الرئيسة وهي ان مسار التاريخ يتضمّن شكلين من المسارات ففي أحدها يمكن أن يكون له مسار خطّي أو تدريجي يعمل على تراكم كمّي وفق منوال ثابت أو متكرر كأي دالّة خطيّة ولكن دون أن يحدث تحوّل نوعي أو تغيير مفاجئ في المسار العام وبالإستناد إلى المنهج الجدلي الذي أثبته كارل ماركس بالإستناد إلى ما طرحه إيجل فإن التراكم الكمّي يؤدّي إلى تغيّر نوعي وعند حدوث هذا التحوّل أو الإنعطاف النوعي فإن الدالّة يمكن أن تتّخذ لها مسارا جديدا مختلفا تماما عن مسارها السابق وتُعتبر تلك النقطة كما يقول الرياضيون ( أي علماء الرياضيات) نقطة إنقلاب وهكذا كلما حصل تراكم كمّي ادّى إلى تحوّل أو إنعطاف نوعي وقد يتّخذ المسار بعد التغيّر النوعي شكل دالّة أخرى لا علاقة لها بسابقتها ولهذه الحقائق براهين مؤكّدة فلسفيا ، وفي مختلف العلوم ؛ وجميعها تؤيّد مثل هذه الأفكار ووجهات النظر ، ففي الفيزياء نجد أن أي سائل يمكن أن يتصرّف تصرّفا محددا عند تسخينه ولكن بعد تراكم كميّة الحرارة فإنه عند نقطة الغليان يسلك سلوكا مختلفا ويبدأ بالتحوّل إلى بخار والبخار غاز له سمات وخصائص مختلفة عن السوائل في القابليّة على الإنضغاط واللزوجة والتمدد ، وفي الكيمياء نجد أن مواصلة تفاعل بعض المواد يمكن أن يُنتج مواد جديدة لها خواص مختلفة فمعظم الأملاح يمكن إنتاجها من أحماض حارقة وقواعد لاذعة فحامض الهيدروكلوريك حامض يضرّ بالجسم الإنساني وبالأنسجة وكذلك هيدروكسيد الصوديوم( الصودا الكاوية) إذ أنها لاذعة وحارقة وتتلف الأنسجة المختلفة ولكن مواصلة تفاعل الحامض المذكور مع القاعدة الموصوفة يمكن أن ينتج عنه ملح كلوريد الصوديوم وهو ملح ضروري لمواصلة الحياة ولولاه لا يستطيع الجسم الإنساني تمثيل الأغذية أي أنه هو الذي يوفّر الأسس الألكتروليتيّة لعمليات الأيض ( التمثيل الغذائي) بينما كان كلا من الحامض والقاعدة سالفتي الذكر من أكثر المواد ضررا بالجسم البشري..وهكذا..
وعلى هذا المنهج يخطو تلامذة ماركس في تفسير وتغيير الأوضاع الإجتماعيّة والسياسيّة إذ أنهم من حيث رصدهم للمسار التاريخي والإجتماعي عندما يرون ويُدركون أن المسار التاريخي لم يُهيّئ الظروف الموضوعيّة لحصول تحوّل نوعي فإنهم يواصلون إنتهاج المناهج الخطيّة والتراكميّة ويقبلون التقدّم الإصلاحي وكأنهم يواصلون السير على الصفة الخطيّة للدالّة ولكنهم ما أن تسنح الفرصة التاريخيّة وتنضج الظروف الموضوعيّة للثورة أي أن يُدركوا نضوج الظروف الموضوعيّة للتغيير بما معناه أن يُدركوا أنهم عند منعطف تارخي حقيقي فإنهم عند توفّر الظروف الذاتيّة يكفّون عن متابعة المسار الخطّي السابق وينخرطون في إنجاز متطلبات ذلك المنعطف وشروطه وبعد إنجازه يُدركون بما وفّرت لهم نظريّتهم أنهم لم يعودوا على صلة بالمسار السابق فقد تم نقضه كلّيّا وأنهم قد دخلوا في مسار مختلف جديد له قوانينه ونظامه وقواعده .
هكذا يفهم الإشتراكيون الماركسيون مسار التاريخ وهكذا يفعلون مع مختلف الأحداث التاريخيّة أإو الإجتماعيّة أو السياسيّة ولو كانوا إصلاحيين لاكتفوا بمواصلة التراكم الكمّي للأحداث ( Events)ولكنهم أدرى بأن تلك المواصلة لن تؤدّي إلى إنجاز المنعطف التاريخي النوعي الذي يبحثون عنه لإنجاز التحولات الإجتماعيّة الإقتصاديّة .
لكل ما تقدّم يمكن أن نستنتج أنه لا يمكن أن يوجد يسار إصلاحي لأن منشود اليسار هو التغيير والتغيير مهمّة نوعيّة لا يمكن أن يتم إنجازها بمواصلة تراكم الإصلاحات فمواصلتها ستفوّت الفرصة على تحقيق نقاط التحوّل أو (Inflection Points ) كما يقول علماء الرياضيات أو نقاط التحوّل الحرجة كما يقول الفيزياويون والتي هي المرحلة التي تحقق التغيير كما فعل اليساريون الذين حضروا أيام الثورة إلى الجمعيّة الوطنيّة الفرنسيّة وصوّتوا لصالح التغيير وتبنّي الجمهوريّة والعلمانيّة أو الدولة المدنيّة كما يصفونها اليوم.
إذا لا نستطيع أن نعترف بوجود يسار إصلاحي وذلك بسبب نصوص النظريّة الماديّة الدايلكتيكيّة وكذلك بموجب نصوص الماديّة التاريخيّة أيضا و بسبب ما أيّدته التجارب العمليّة كذلك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الإسرائيلي يواصل عملياته في جباليا ورفح بينما ينسحب من


.. نتنياهو: القضاء على حماس ضروري لصعود حكم فلسطيني بديل




.. الفلسطينيون يحيون ذكرى النكبة بمسيرات حاشدة في المدن الفلسطي


.. شبكات | بالفيديو.. تكتيكات القسام الجديدة في العمليات المركب




.. شبكات | جزائري يحتجز جاره لـ 28 عاما في زريبة أغنام ويثير صد