الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحق معرفة, بدونها يتلطى الباطل

كامل كاظم العضاض

2012 / 10 / 3
مواضيع وابحاث سياسية



قال الإمام علي (رض)، " اعرف الحق تعرف أصحابه"، فلكم دقيقة وبليغة وموجزة هي هذه العبارة التي قالها سيد الحكماء قبل أكثر من 1400 سنة! وهذا يعني بأنه لا يمكن التحقق من حقيقة الشيء، المطلقة والنسبية، إلا بالمعرفة، اي بتوفر الإستدلالات والفحص الفعلي والتمحيص والإستقراء، كما هي الحال في الحقائق والنظريات العلمية المبرهنة. ولكن ينبغي أن نميز بين الحق والحقيقة؛ فالحق هو أن تقول وتؤمن بما يدلك العقل والبراهين والتأريخ عليه. اما الحقيقة فهي وإن كانت لصيقة بمعنى الحق، لكنها، كثيرا ما تشير الى أشياء يتم وعيها باللمس والشم والمشاهدة او هي كل شيء مادي أو معنوي نسميه او نتفق على مسماه ومعناه ولا يجادل احدٌ عقليا عليه، إلا إذا رفض مسماه أو دلالاته. وكثيرا ما يكون الحق والحقيقة صنوان عندما يتعلقان بالملموسات وليس بالمباديء والمثل؛ فالحق هو نشاط عقلي يتركز على المباديء المعرفية والإيمانية، بينما الحقيقة هي توصيف لشيء قائم او مبحوث عنه ومفروغ منه معرفيا. فبينما يكون الأول، أي الحق، نسبيا، ضمن منظومة التأريخ، يكون الثاني، اي الحقيقة، مطلقة في برهة زمنية محددة. بيد ان المباديء الإنسانية الكبرى، كالعدالة والحرية والمساواة والسلام والإخاء والرحمة والحب، هذه وغيرها، مباديء نادى بها المصلحون والأنبياء ودعاة الحضارة وقبلتها الضمائر الإنسانية عبر القرون، وإن بتفسيرات تطبيقية متباينة؛ تبقى مطلقة ما دامت تصب في منفعة البشرية والأفراد في خصوصياتهم. ولكنها على نصوع معناها ونبل اهدافها تصبح على أيدي البشر نسبية في التطبيق او في التفسير أو الممارسة.
ولايصبح الحق حقا لمجرد الإيمان به دون تطبيقه. أي أن صاحب الحق، او المؤمن به لا يصير محقا لأنه يقول ويتبجح بذلك، بل حين يمارسه أو يعمل به بكل ما يملك من قدرة فعلية، بغض النظر عن نواياه. وعلى ذلك، ما قيمة الصلاة وممارسة الطقوس الدينية، إذا كانت الأفعال على الأرض تصبح باطل أو صنوه. فمن يقرن القول بالحق بفعله يكون هو المؤمن به وفاعله في آن. فتعبير الأمام علي (رض) عن إيمانه بالحق حتى ولو كان قد صاغه بصياغته اللغوية الأدبية الرائعة والمجازية يتطابق مع سلوكة وتطبيقاته وعدله الشخصي والأسري والإجتماعي والسياسي، إذ قال؛ "والله لو أُعطيت السموات السبع بما تحت أفلاكها على أن اعصي الله في نملة أسلبها لبَّ شعيرة، لما فعلت وإن دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة". ولم يكن ذلك القول مجرد تنظيرا لغويا، بل هو كان تطبيقا لسلوك على الأرض قبل كل شيء. فقد كافح وعاش زاهدا وعادلا ولم يغن نفسه ولاعياله من موارد بيت المال التي كانت في عهدته. اما الخليفة الثاني عمر بن الخطاب (رض) فقال؛ "والله لو ضاعت عنزة في وادي من وديان اليمن لوجدت نفسي مسؤولا عنها". والتأريخ يشهد لعمر عدله وحرصه على إحقاق الحق، حتى قيل فيه؛ " عدلت فنمت"! إذ كان لاينام في بيته إلا بعد تيقنه من تفشي العدالة بين الناس، بل هو كان ينام تحت شجرة في مرأى من الناس. وهذه نماذج عن الإيمان بالحق وتطبيقه عندما يكون المرء مسؤولا عن تطبيقه.
ولو تاملنا اليوم حال القادة السياسيين ورجال الحكم في العراق، سنمّل من كثرة تردادهم لمقولات الحق ولتصريحاتهم عن تمسكهم بتطبيق أسس العدالة والمساواة تحت نظام ديمقراطي متحضر يحفظ كرامات الناس ويحرص على أموالهم من الفساد والنهب والقتل والإرهاب، وعن كدهم لبناء العراق وإزدهاره، والأكثر من ذلك، فالإسلاميون الحاكمون منهم إدعوا أنهم جاؤا لتطبيق شعائر الله العادلة بين البشر، فهم يتحدثون بإسم الله، بل يدعون الإنتساب الى نهج وسلوك الإمام على بن أبي طالب بالذات، يا لها من مفارقة، اين هم عن زهد علي، بل أين هم من زهد وتواضع، رجل مسيحي بسيط أسمه خوسي البيرتو موخيكا الذي حكم كرئيس لجمهورية الأرغواي، فقد كان يتقضى راتبا شخصيا مقداره 12500 دولار شهريا، فتنازل عن 90% منه وإكتفى بمبلغ 1250 شهريا، ولم يستخدم إلا سيارته الفوكسواكن المتهالكة، ويحلق راس شعره على قارعة الطريق! فمن يعدل بين الناس لايخاف او يهاب الموت! فانظروا الى حكام اليوم ونواب الشعب، وخصوصا من يدعون انهم يسيرون على نهج الإمام علي، فإنهم ليس فقط يتقاضون مرتبات بمئات الملايين من الدولارات، إنما ايضا لا يسيرون عبر الشوارع ولا يباتون في مساكنهم إلا بوجود فرق من الحمايات العسكرية التي تكلف الدولة مئات الملايين سنويا. انظروا ماذا حل ويحل في العراق وأهله منذ ما يقرب من عشر سنوات تحت حكمهم!
حتى العجز عن تطبيق الحق، إذا إدعاه أحدٌ، لا يعتبر حجة، فمن يعجز، بعد إعطائه فسحة كافية من الزمن، عليه أن يفسح المجال لغيره ليدلي بدلوه في الكفاح من أجل تطبيق مباديء الحق والعدالة. ان بين الحق والباطل شعرة، فمن ذا الذي يقوى، بفعل إيمانه، على ان يديمها ولا يقطعها بسلوكه المنافي للحق أو لعدم كفائته أو لتمسكه بمنصبه حتى ولو كان غير مؤهل وغيرمقتدر!؟
ان الحكم العادل على سلوك القادة لا يستند الى إقوالهم وتبجحاتهم بل بمعرفة ما يخلّفون على الأرض وبين الناس من آثار للعدالة والحق، فما هي حصيلة سياساتهم منذ عقد من الزمن؛ هل إزداد الفقر؟ نعم. هل إزدادت البطالة؟ نعم. هل صار العراق نظيفا وناميا ومعمّرا؟ كلا. هل إنتعشت الحريات الإجتماعية والفردية؟ كلا. هل تلاشى القمع الإجتماعي والثقافي؟ كلا، بدليل الهجومات الوحشية على النوادي الإجتماعية والشوارع الثقافية، كشارع المتنبي، وشوارع الترفيه الإجتماعي والحضاري، كشارع أبو نؤاس، وكذلك الإعتداءآت المتكررة على الصحفيين. وبغداد الحضارية صارت مزبلة، والخدمات في الدوائر الحكومية ليست هي اليوم فقط متخلفة، إنما هي مهينة لكرامات الناس ومضيّعة لإوقاتهم وبؤرا للفساد ولإبتزازهم. وهكذا، تحت صراخات العدالة التي يطلقها المسؤولون والمتصارعون على السلطة بين حين وآخر، صار الإنسان العراقي يئن تحت نير الباطل، فالباطل سيظل يتلطى حينما لا يُعرف الحق ولا يُدافع عنه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو بين إرضاء حلفائه في الحكومة وقبول -صفقة الهدنة-؟| ال


.. فورين أفارز: لهذه الأسباب، على إسرائيل إعلان وقف إطلاق النار




.. حزب الله يرفض المبادرة الفرنسية و-فصل المسارات- بين غزة ولبن


.. السعودية.. المدينة المنورة تشهد أمطارا غير مسبوقة




.. وزير الخارجية الفرنسي في القاهرة، مقاربة مشتركة حول غزة