الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العالم العربي يدخل في حقبة نهايات الأحكام السلطانية

نقولا الزهر

2005 / 3 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


ربما قد حسمت الخطوة التي أقدم عليها الرئيس حسني مبارك في 25/شباط/2005 حول تعديل الدستور، الجدلَ القائم منذ فترة في العالم العربي حول ثنائية (إصلاح من الداخل أم إصلاح من الخارج). ما هو حقيقي وأكيد أن الداخلُ المصري هو في حالةِ جوعٍ لهذه الخطوة الدرامية منذ حقبةٍ طويلة من الزمن وإذا عدنا إلى الوراء حوالي خمسة عقود نرى أنها هي بالذات كانت محور الصراع في عام 1954 بين تيار الرئيس الراحل جمال عبد الناصر من جانب وتيار محمد نجيب وخالد محي الدين من جانب آخر، و تطالب بها المعارضة المصرية منذ زمن بعيد، ولكن يجب أن نعترف بان ما أخرجها من حيز الإمكان إلى حيز الفعل الآن هو اليد الثقيلة للعامل الخارجي في هذه الأيام وهي "متطلبات المرحلة الراهنة" التي أشار إليها الرئيس المصري في خطابه.
وفي رأينا أن الرئيس المصري مثل كل الرؤساء العرب كان دائماً لديه القبول والاستعداد لأن يبقى في الرئاسة بشكلٍ دائم وهو فيها منذ حوالي ربع قرن، وربما يتوق إلى البقاء على فراشها الوثير فترة أخرى وربما يتمناها لابنه جمال من بعده، لكن رغم كل هذا، فالخطوة التي أقدم عليها تحمل في طياتها مضمونا تاريخياً وتقدمياً لا يمكن تجاهله.
ويبدو أن العامل الخارجي الضاغط بقوة أولاً، وتزايد نشاط المعارضة المصرية في الفترة الأخيرة ثانياً، وكذلك بنية وتقاليد نظام الحكم في مصر المتفارقة نسبياً عن الأنظمة العربية الأخرى، كل هذه الأمور المتضافرة دفعت إلى/وشجعت على/ هذه المبادرة إلى اعتماد مبدأ التعددية في انتخاب الرئيس، التي تشكل مفتاح أي إصلاحٍ سياسي في مصر وفي سوريا وكل الأنظمة الشمولية الأخرى.

على أية حال، وبغض النظر عن كل خلفيات الخطوة الإصلاحية المصرية، وحتى قبل أن تظهر تفاصيلها ومراميها، وقبل أن نعرف الشروط والقيود التي سوف توضع على المرشحين لرئاسة الجمهورية، ورغم احتمال أن يرشح الرئيس حسني مبارك نفسه أو ابنه للرئاسة عبر التعديل الجديد، فلا يمكننا إلا أن نعتبر ما أقدم عليه الرئيس المصري في 25/شباط/2005 مبادرة شجاعة ورائدة في سياق حقبة الاستنقاع السياسي العربي المزمن التي ابتدأت منذ حوالي خمسة عقود. فلأول مرة في التاريخ سوف يسهم الشعب المصري في اختيار رئيسه، ليس عبر الاستفتاء على مرشح وحيد مفروض من فوق(على طريقة المبايعة)، إنما من بين عدد من المرشحين المتنافسين......
فهذه الخطوة عدا عن كونها مفتاح الإصلاح السياسي ، فهي الطريق والتمهيد للبدء بتداول السلطة لأول مرة في تاريخ مصر وهي التي تشكل العتبة الضرورية لتلافي العنف بعد حقبة طويلة من النظام الأحادي الأوتوقراطي. وطبعا هنا يقع على عاتق المعارضة المصرية دور كبير سواء فيما يتعلق بمعركة تعديل الدستور وشكل هذا التعديل وبنوده، أو فيما يتعلق بمعركة الوصول إلى تكريس الديموقراطية والعلمانية والمواطنة والحرية والمساواة في المجتمع المصري....
إن الأنواء تشير إلى بداية النهاية في النظام السلطاني العربي، فلقد جرت انتخابات في فلسطين المحتلة والعراق المحتل ولم تحمل تقاليد ال 99.99 % ، وكذلك جرت لأول مرة انتخابات بلدية في مدينة الرياض السعودية، وانتخابات في البحرين وقطر، وتناقش الآن في دولة الإمارات العربية فكرة انتخاب المجلس الاتحادي الذي يتكون من أربعين عضواً، ومن جديد فقد تراجع البرلمان الكويتي ويبدي استعداده الآن لإشراك المرأة في الترشيح والانتخاب، ووزير الخارجية السعودي يقول، مستشهداً بمرجع ديني كبير في المملكة، أن الإسلام لا يتعارض مع استلام المرأة مهام ومناصب سياسية، ويبشر الرجال بأن أبواب وزارته سوف تفتح أبوابها أمام النساء. ومن ثم تأتي احتجاجات الحركة الديموقراطية اللبنانية العارمة على نظامها الأمني لتؤكد أن المياه طفقت تطلِّق حقبةَ ركودِها واستنقاعها في العالم العربي.
في اعتقادي أن ما قام به الرئيس حسني مبارك لا يدخل موضوعياً في باب العطاء(بحسب اللغة السلطانية الإقطاعية) بل هو قد قدم تنازلاً للشعب وللداخل ويتمنى كل فرد منا أن يكون موقفه هذا محاولة رائدة لاستيعاب وفهم منطق الواقع على أنه فوق الأفراد وأقوى من كل المصالح الذاتية، وعدم استيعابه لا يشكل سوى استمراراً وحلقة في حلقات تفاقم الانحطاط العربي.
وفي اعتقادي يبقى النزول أمام مطالب الداخل المعارض، ولو كان هذا الداخل لا يمتلك القدرة على التغيير، هو أفضل وأضمن للوطن وللشعب، من طريق الصفقات والمساومات لتأبيد واقعٍ مأزومٍ انتهت صلاحيةُ استمراره بشكله الراهن. فالإصغاء لمطالب الداخل يقي من انقلاب الطاولة على الجميع. وفي اعتقادي أي مجتمع منذ بدء التاريخ الإنساني معرض وباستمرار لمحصلة قوى موجودة في الداخل وقوى موجودة في الخارج، إن مزدوجة قوى الخارج وقوى الداخل ليست طارئة على التاريخ، وأي خطأ في تقويم هذه المحصلة من سلطة هذا المجتمع يدخلها في سراب التفارق الهائل بين الهدف والنتيجة، وفي دهليز (مكر التاريخ) و(مكر العقل) ومكر الله..........
نقولا الزهر
كاتب سوري/دمشق/26/2/2005








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علي... ابن لمغربي حارب مع الجيش الفرنسي وبقي في فيتنام


.. مجلة لكسبريس : -الجيش الفرنسي و سيناريوهات الحرب المحتملة-




.. قتيل في غارات إسرائيلية استهدفت بلدة في قضاء صيدا جنوبي لبنا


.. سرايا القدس قصفنا بقذائف الهاون جنود وآليات الاحتلال المتوغل




.. حركة حماس ترد على تصريحات عباس بشأن -توفير الذرائع لإسرائيل-