الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذكرياتي في اليمن - الحلقة الثامنة

عصام عبد العزيز المعموري

2012 / 10 / 5
سيرة ذاتية



الأستاذ المساعد الدكتور عصام عبد العزيز المعموري – معهد إعداد المعلمين – بعقوبة – العراق
..............................................................................................................

أحيانا" أصل إلى نتيجة مفادها أن المجتمع اليماني ملقح ضد التغيير ومقاوم له على العكس من المجتمعات الأخرى وقد أكون مخطئا" في هذا الاستنتاج ، فقد زاد من قناعتي هذه هو خضوع الجنوب اليماني إلى الاستعمار البريطاني لمدة 130 عاما" ولا يوجد أي أثر يقول أن البريطانيين قد مروا من هنا ، فلم يترك البريطانيون أي أثر في سلوك وعادات وتقاليد اليمانيين سوى شيء واحد فقط هو احتسائهم للشاي حليب الذي يسمونه ( شاهي ملبن) وهو تقليد ثابت يتسم به الجنوبيون اكتسبوه من البريطانيين .
وضعت القنصلية البريطانية في عدن إعلانا" يدعو جميع اليمانيين الجنوبيين الذي عملوا مع البريطانيين سابقا" إلى مراجعتها للحصول على حقوقهم مع جلب الوثائق التي تثبت صحة ذلك
جاءني مسؤول بريد ( مودية ) وقال لي : لدي أمنية إذا تحققت سوف أكافئك مكافأة لا تحلم بها .. فقلت له : وما هي ؟ فقال : أنا عملت مع البريطانيين حوالي ثلاث سنوات ولدي ما يثبت ذلك ، وأنا أعلم أن لغتك الانكليزية ممتازة ، فبدلا" من ذهابي في كل مرة إلى طالب في كلية التربية جامعة عدن كان يمارس مهمة الترجمة لكل أبناء القرى وكان يجني بسببي أموالا" طائلة سوف أنقل هذه المهمة إليك وأجعلك ثريا" ولكن لدي شرط واحد فقط .. فقلت له : وما هو شرطك؟ فقال : أن أحصل على حقوقي ..
ترجمت له ما يريد مشفوعا" بوثائق تؤيد ذلك وكنت أنتظر بفارغ الصبر جواب الجهة التي استلمت الطلب وأمنّي النفس بثراء موعود ، حيث كنا لا نمتلك ريالا" واحدا" طيلة أشهر عديدة لأننا لا نستلم الراتب إلا في نهاية العام الدراسي .
جاء الرد بعد شهرين بنتيجة مفادها أنه يمكنه استلام حقوقه بعد مراجعة القنصلية في عدن مع جلب الوثائق المطلوبة .. وحان موعد سعادتي وجني الحصاد .
كان يوم الثلاثاء من كل أسبوع مصدر سعادتي حيث موعد وصول البريد ورسائل الأهل التي تمدني بقوة لا تدانيها قوة ،فقد اعتاد أهلي أن يكتبوا لي كل ما يجري لديهم ، وهذا ما يجهله الكثيرون ، فالمغترب يعشق التفاصيل ولا يمل منها ويكره الاقتضاب والإيجاز على العكس من الرسائل التي يستلمها زملائي من ذويهم ، فإخبار المغترب بأن ابنه علاوي أو حسوني مثلا" قد نال عشرة من عشرة في امتحان الإملاء مثلا" لديه أهم من الحرب الكورية أو الاحتباس الحراري وان خبر شروع (هداوي) بالمشي لأول مرة أهم لديه من اكتشاف كوكب جديد في المجموعة الشمسية .
ذهبت الى البريد والتقيت بمسؤوله فسلّمني أربع رسائل من أهلي وبلّغني بحصوله على حقوقه فكانت السعادة مضاعفة بالنسبة لي .. وطلب مني الانتظار للاتفاق على آلية العمل الجديد المتعلق بالترجمة .
طلب مني عدم إخبار ابن أخيه الذي يعمل معه في دائرة البريد ونصت الآلية على أنه يستلم هو بنفسه جميع الطلبات ويسلّمها لي مشفوعة بالوثائق التي تثبت صحة الادعاء .. واتفقنا أن يسلّمني مبلغ (60) ريال عن ترجمة كل طلب وهو يستلم (80) ريالا" لأنه يضيف (20) ريال عن ظرف الرسالة والورقة التي نكتب فيها الطلب وكان له ما أراد ، فكانت الصفقة حلما" بالنسبة لي .
استلمت في اليوم الأول (80) طلبا" فانشغلت حتى ساعة متأخرة من الليل في ترجمة ما هو مطلوب وكنت حين أستلم حصتي من مسؤول البريد أشعر بسعادة غامرة وأشعر بأنني أصبحت أكثر ثراء" من ( هائل سعيد أنعم ) التاجر اليماني الشهير على الرغم من تفاهة المبلغ الذي استلمته .
واستمر عملي خلسة في الترجمة لعدة أشهر دون علم مديرية تربية مودية لأننا وقّعنا تعهدا" لديهم بعدم جواز عمل الأجانب بأي مهنة سوى المهنة التي تعاقدوا على العمل بها وهي التعليم واستطعت من خلال عملي هذا تسديد كل ديوني .. كان هذا في عامي الثالث في اليمن بعد أن اصطحبت أسرتي معي .
إن تسديدي لديوني أثارت تساؤلات لدى أصحاب المحلات : لماذا لا يقوم المدرسون العرب بتسديد ديونهم في الوقت الذي يسدد العراقي دينه ؟ أليس شأنه شأنهم ؟ إن تسديده للديون دليل على استلامه رواتبه.. فلماذا لا يسدد زملائه ديونهم ؟
جاءني زملائي المدرسون العرب يتساءلون : من أين لك المبالغ اللازمة لتسديد ديونك ؟ لقد قمت بتأليب أصحاب المحلات ضدنا .. ألا تخبرنا بمصدر مبالغك ؟ فقلت لهم : أنتم تعلمون أن زوجتي تعمل معي في التدريس بعقد محلي فهي تستلم راتبها قبلي وأنا الوحيد من بينكم من يمتلك هذه الصفة .. وفبركت لهم قولي هذا لخشيتي من نتائج عملي .
لا أستطيع إخبارهم بالحقيقة لسببين أولهما هو خشيتي من إخبارهم لمديرية التربية في مودية والثاني هو أن المدرسين السودانيين كانوا مقتدرين في الترجمة فأخشى منافستهم لي في هذا المجال .
جاءني يوما" رجل من قرية ( المحفحف) التابعة لمديرية (مودية ) طالبا" مني ترجمة طلبه حيث كان يعمل مسؤولا" عن مشجب الأسلحة لدى البريطانيين في عدن في الستينيات من القرن الماضي وقال بأنه لا يمتلك الوثائق التي تدعم قوله ،وإضافة الى ذلك فقد صرّح لي بأنه سرق كل أسلحة المشجب وهرب دون رجعة الى جهة مجهولة لديهم ، فقلت له : لا تنتظر نتيجة ايجابية لأنك لا تملك ما يؤيد ذلك وان البريطانيين رمز للنظام والتوثيق إضافة إلى ما عملته معهم من سرقة .. فقال لي : دعنا نجرّب فلعلي أحصل على حقوقي ، وما هي إلا شهران وجاءنا الرد الآتي : بتاريخ كذا من شهر كذا وعام كذا قمت بسرقة مشجب الأسلحة العائد للمعسكر الفلاني وهربت إلى جهة مجهولة .. ومن حقنا الآن أن نقاضيك أمام المحاكم اليمانية .. فهل تريد منا بعد ذلك شيئا" من حقوقك ؟
وجاءني يوما" رجل من قرية ( القوز ) قرية الرئيس اليماني الجنوبي الأسبق (علي ناصر
محمد) وقال لي : إلى فترة قريبة كنت أستلم كافة حقوق والدي المتوفى منذ عشرين عاما" ولكنهم لا يعلمون أنه قد فارق الحياة ، ويوم أمس ذهبت الى القنصلية البريطانية في عدن لاستلام حقوقه فقالوا لي يجب أن ترسل الى بريطانيا صورة حديثة جدا" له لتحصل على حقوقه ، وكان لايمتلك له سوى صورة واحدة التقطت له قبل عشرين عاما" .
أرسلنا طلبه مشفوعا" بصورة والده وجاءنا الرد بعد شهرين وكالآتي : بعد تدقيقنا لصورة صاحب الطلب في مختبراتنا الفنية تبين لنا أن عمر الصورة أكثر من عشرين عاما" فلا حقوق له لدينا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تدرس نقل السلطة في غزة إلى هيئة غير مرتبطة بحماس|#غر


.. القوات الإسرائيلية تدخل جباليا وتحضيرات لمعركة رفح|#غرفة_الأ




.. اتهامات جديدة لإسرائيل في جلسة محكمة العدل الدولية بلاهاي


.. شاهد| قصف إسرائيلي متواصل يستهدف مناطق عدة في مخيم جباليا




.. اعتراضات جوية في الجليل الأعلى وهضبة الجولان شمالي الأراضي ا