الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأنظمة والاصلاح

محمد سيد رصاص

2012 / 10 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


في عام 1890،وبمناسبة سقوط قرار بسمارك عام1878 بحظر نشاط الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني،كتب فريدريك انجلز الكلمات التالية:"إن الخسارة هي مصير أية حكومة تسمح لحركة معادية تتطلع إلى اسقاطها بالعمل في إطار القوانين".
كان انجلز يفكر آنذاك بالتأكيد في مصير لويس السادس عشر بعد ثورة14تموز1789عندما وافق على مبدأ الانتخابات وهو الملك المطلق لفرنسة قبل ذلك اليوم.على الأرجح أن الجنرال الجزائري خالد نزار في انقلابه على الرئيس الشاذلي بن جديد بيوم11كانون ثاني1992،مطيحاً به وبفوز الاسلاميين في البرلمان المنتخب بجولته الأولى والثانية التي كانت مقررة بعد أيام قليلة من يوم الانقلاب،كان يفكر مثل انجلز بعد أن أعطى بن جديد إثر اضطرابات أوكتوبر1988دستوراً جديداً سمح بالتعددية الحزبية.كذلك يبدو أن معاني ذاك القول لانجلز كانت مستوعبة عند الزعيم الصيني دينغ سياو بينغ في 3حزيران1989لما أمر باجتياح الجيش لساحة تيان آن مين وقمع الاعتصام الطلابي الذي كان يؤيده الأمين العام للحزب الشيوعي زهاو زيانغ،الذي على الأرجح أنه كان مشروعاً كامناً لطبعة صينية عن ميخائيل غورباتشوف.
في فرنسة مابعد14تموز1789لم تسمح القاعدة الاجتماعية الضيقة لأنصار النظام القديم في العوم مع المتغيرات الجديدة التي فرضتها ثورة الشارع على البنى الدولتية- السلطوية،وهذا ماأدى خلال ثلاث سنوات إلى الإطاحة بهم وتأسيس الجمهورية الأولى التي تلاها اعدام الملك وزوجته.هنا كانت البنية الدولتية- السلطوية ذات قاعدة ضيقة لاتسمح لها بالمبادرة إلى اصلاحات وإنما كانت ترغم الحاكم بحكم الضغط الشارعي على استجابات كانت تؤدي إلى تغييرات في النهاية تراكمت كمياً خلال ثلاث سنوات لتؤدي للحظة كيفية تمثلت في الإطاحة بكامل النظام القديم.هذا حصل لشاه ايران بين عامي1951و1953قبل أن ينقذه انقلاب عسكري مدعوم من واشنطن ضد رئيس الوزراء محمد مصدق،ثم أدت استجاباته الاصلاحية التدريجية أمام ثورة1978-1979إلى الإطاحة بمجمل البناء القديم لمالم يكن هناك أي واقِ من سقوط مجمل النظام أمام السيل المجتمعي لافي الجيش ولاعند واشنطن ولاعند تركيبة بين الإثنين الأخيرين وجزء من المعارضة الليبرالية متمثلة في حكومة شاهبور بختيارقبل شهر من سقوط مجمل النظام القديم في يوم11شباط1979. عند غورباتشوف وتجربته في البيريسترويكا كان هناك شيئاً قريباً من تجربة لويس السادس عشر،وهذه مفارقة لماكان البلاشفة،وغورباتشوف وريثهم، بين عامي1905و1917 ، يفكرون في الإقتداء بيعاقبة الثورة الفرنسية : بناء فوقي دولتي- سلطوي ،ممثلاً في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي، بادر في نيسان1985إلى اصلاحات إدارية- اقتصادية- ثقافية- اعلامية،ثم سياسية جزئية عام1990،أمام انهيار منظومة الردع المتبادل النووية مع واشنطن إثر ماأطلقه الرئيس الأميركي ريغان من (مبادرة الدفاع الاستراتيجي- حرب النجوم)في آذار1983 ،لتحصين الوضع السوفياتي الذي بدأ التوازن الدولي يختل ضده من خلال اصلاحات داخلية.لم يحصل هذا وإنما أنتج تراكم مفاعيل انكشاف الوضع الدولي للقطب السوفياتي محصلة أدت إلى انهيار كتلته الاقليمية في أوروبة الشرقية والوسطى،أي أدى ذاك العامل الدولي عام1983 إلى هذا في خريف1989،قبل أن يؤدي هذا وذاك إلى تفكك الاتحاد السوفياتي ومجمل البناء الداخلي في الأسبوع الأخير من عام1991. عملياً خلال ست سنوات كان غورباتشوف لايملك المبادرة للاصلاح الداخلي ولايستطيعها(وكان أيضاً كذلك في مجالات السياسة الخارجية)بل مجرد سياسي كانت سياساته تبنى على استجابات لخارجه الدولي- الاقليمي- الداخلي،وهي مجرد رد فعل أوانعكاس ،وهذا يعود إلى أنه لم يملك قاعدة اجتماعية استنادية كافية لكي تجعله يستطيع العوم في وجه انهيار منظومة من التوازن الدولي جعلت الاتحاد السوفياتي بعد الحرب العالمية الثانية أحد قطبي العالم،وهذا كان أيضاُ سبباً لانهيار انقلاب19آب1991الذي كان يظن القائمون به من المحافظين الشيوعيين بأنهم يستطيعون عبره انقاذ المركب الشيوعي السوفياتي من الغرق ،محملين غورباتشوف المسؤولية عن ماوصلت الأمور إليه.
في بكين3حزيران1989كان الوضع مختلفاً عن موسكو19آب1991:نظام صيني يملك قاعدة اجتماعية قوية أتاحتها له اصلاحات ادخال نموذج (اقتصاد السوق)إلى القطاع الزراعي منذ عام1980 ثم منذ 1987ادخال هذا النموذج إلى قطاعات التجارة والصناعة مع السماح بدخول الاستتثمارات الأجنبية،ماجعل الحزب الشيوعي،،مع احتفاظه بالقطاعات الاستراتيجية كالبنوك والمناجم والنفط والصناعات العسكرية ضمن قطاع الدولة الاقتصادي،يقود أكبر عملية نمو راسمالية شهدها القرن العشرون.هذه القاعدة الاقتصادية القوية لم تكن متوفرة للشيوعيين السوفيات في زمن غورباتشوف،وهذا ماأتاح لدينغ سياو بينغ أن يقود تعددية في الاقتصاد،مرفوقة بوحدانية ديكتاتورية لحزب واحد،مع غطاء دولي أمنته عملية لعب واشنطن ،منذ الانفتاح الأميركي على الصين في عام1971مع زيارة هنري كيسنجر لبكين،على تناقضات الشيوعيين الصينيين مع الكرملين ثم مع انتهاء الحرب الباردة،التي كانت نذرها تلوح لصالح الأميركان ضد السوفيات بعام1989، عززه اتجاه بكين للتماشي مع سلطة(القطب الواحد)الجديد للعالم مقابل استيراد التكنولوجيا العالية من الغرب الأميركي- الأوروبي،في تفكير صيني بأن العملقة الاقتصادية هي الطريق نحو العملقة السياسية العالمية.
هذا أتاح نجاح الاصلاح الصيني،حيث هناك قاعدة اجتماعية قوية للقائم بالاصلاح أتاحت له الاستناد إلى جدار داخلي ،لم يسمح له فقط بمواجهة(وحتى قمع)خصومه المحليين،وإنما أيضاً بتحديد سقوف الاصلاح ومجالاته التي شملت الاقتصاد من دون المجال السياسي.هذا لم يكن متوفراً للويس السادس عشر وميخائيل غورباتشوف،وبالتأكيد لم يكن متوفراً للشاه محمد رضا بهلوي في مواجهة ثورة1978-1979،وإذا توفر له مجال العودة والبقاء بعد انقلاب آب1953فقد كان ذلك بسبب الخوف الأميركي من وقوع طهران تحت نفوذ حزب توده الشيوعي(الذي ساد الساحة السياسية زمن محمد مصدق) في ذروة كبرى للحرب الباردة ثم داخلياً بسبب ماتوفر له من قاعدة اجتماعية جديدة بتأثير الاصلاح الزراعي عام1963واجراءات التحديث التي تبعته،قبل أن تتحول عملية ارتدادات هذه العوامل الثلاث إلى أسباب لثورة1978-1979. في جزائر 11كانون ثاني1992كان نجاح الانقلاب العسكري بسبب الغطاء الفرنسي وبعامل الغطاء الداخلي من العلمانيين والنساء والبربر،ضد الاسلاميين،وبستارة اقليمية من القاهرة وتونس والرياض،إلاأنه لم يكن أكثر من طريق إلى حرب أهلية سقط فيها 100ألف قتيل.لم يستطع عسكر الجزائر الاصلاح رغم انتصارهم في الحل العسكري- الأمني على الاسلاميين . في نيسان1999عندما استلم الرئيس بوتفليقة الرئاسة كان العسكر والاسلاميون في حالة انهاك،ماأتاح له تجاوز طرفي الحرب الأهلية،ثم القيام بالاصلاح ،عبر قاعدة اجتماعية قوية، ،وهو ماكانت انتخابات برلمان10أيار2012من المؤشرات الكبرى عليها،لماتراجعت قوة الاسلاميين إلى عشر المقاعد،وكذلك حزب العسكر أي(حزب التجمع الوطني الديمقراطي)بقيادة رئيس الوزراء السابق أحمد أويحيى،لصالح حزب الرئيس أي(حزب جبهة التحرير)،الذي كان ،بين انقلاب19حزيران1965وحتى نيسان1999،واجهة حزبية مدنية للمؤسسة العسكرية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حلم الدولة الكردية.. بين واقعٍ معقّد ووعود لم تتحقق


.. ا?لعاب ا?ولمبية باريس 2024: سباح فلسطيني يمثل ب?ده ويأمل في




.. منيرة الصلح تمثل لبنان في بينالي البندقية مع -رقصة من حكايته


.. البحث عن الجذور بأي ثمن.. برازيليون يبحثون عن أصولهم الأفريق




.. إجلاء اثنين من الحيتان البيضاء من منطقة حرب في أوكرانيا إلى