الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سلفية النهضة وسلفية النكسة

حميد المصباحي

2012 / 10 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


ليست هناك سلفية واحدة بل سلفيات,رغم أنهما مشتركتان في العودة إلى أصول
هوية مفترضة أو تاريخية,لكن درجات الوثوقية هي ما يميز هذه السلفية عن
تلك,فإحداهما تعتبر العودة إلى الماضي,بحث عن المشترك في الذاكرة,لآكتساب
وحدة فعلية,بها تتأهل الجماعة لإدراك ذاتها,دون التنكر لباقي الذوات
الأخرى أو التحامل عليها,بينما السلفية الأخرى,تعود لماضيها بفعل أزمة في
هذه الهوية,وبغية ضمان هيمنتها المرضية على الغير,تحيي بها عنف السيطرة
والتوحد المرضي بالذات,لتنميطها بشكل نهائي.
لهذه الأسباب ينبغي التمييز بين السلفيات,فهل هذه حقيقة تاريخية أم أنها
افتراض نظري في حاجة إلى مزيد من البحث والتفكير؟
1سلفية النهضة
هي تلك الحركة الفكرية الدينية,التي عرفها العالم العربي,وقد أطلت من مصر
لتمتد إلى لبنان وكل بقاع العالم العربي,بحيث دعت إلى استيعاب العلوم
الحديثة,واعتبار العرب مشاركين فيها,بما ساهم به فلاسفتهم من عطاءات
فكرية,ساعدت الغرب على التخلص من عصر الظلمات وسيطرة الكنيسة,وبذلك فإن
العرب من حقهم الإستفادة من هذا الثرات العقلاني,لأنهم أول من تمثله
وطوره,بعد قراءاتهم العميقة لأرسطو وأفلاطون وغيرهم من حكماء
اليونان,وبذلك مثلت هذه السلفية المنفتحة,أساسا لنهضة,فكرية وحتى
سياسية,عندما ظهر عبد الرحمان الكواكبي,بنظرته حول الإستبداد,في الرأي
والقرارات,خلص نظريا الحكم من مبررات السطوة الدينية,ولم يعتبر ذلك
انبهارا بالغرب أو تقليدا له,بل إن الشيخ محمد عبده,أبدا إعجابه
بالسلوكات الغربية,في النظافة والإحترام,عندما قال,وجدت المسلمين هناك
ولم أجد الإسلام,وهي عبارة بليغة,تحمل في طياتها الكثير من الحكم,وتذكر
بقولة إبن رشد,التي مفادها,أن علينا الإستفادة من الغير في العلم
والمعرفة,حتى لو كان غير مشارك لنا في الملة,ومعنى ذلك أن كون المؤمن
مسلما لا يؤهله بالضرورة للتمكن من العلم,بل عليه الإستفادة ممن
سبقوه,بدون مركب نقص,أو مكابرة,تعطي الأسبقية للمسلم على غير
المسلم,فالوحي لا يعلم كل المعارف والعلوم,بل هناك معرفة تتطلب جهدا
بشريا,تركها الله للمجدين,وهي مجال للتفاضل بينهم,كيفما كانت معتقداتهم
ومللهم,هنا كانت هذه السلفية نهضوية في مشروعها,باعترافها بالعلم,وضرورة
احترام العلماء,وتقديرهم بغض النظر عن معتقداتهم,لكنها سلفية تغرف من
الإجتهاد لصالح الإنسان,بالعودة إلى قيم النبل والحق,بدون المغالاة
والتطرف في الرفض والتحامل,لكن هذه التجربة فشلت,بفعل جمودية الفكر
اليساري الذي واجهها,وسلطوية الدولة,في العالم العربي,التي كانت تبحث عن
نماذج الخلافة الإسلامية,لنيل تمثيلية العالم العربي والإسلامي,لانتزاع
ريادة وهمية,لم تحقق بها الدول المتنافسة أية مكاسب سياسية أو
اقتصادية,بل ازداد العالم العربي تقهقرا وتخلفا وانكمش فكره
الأنواري,وتراجع إلى الخلف.
2سلفية النكسة
هي السلفية التي تلت فكر النهضة,بشقيه الليبرالي والسلفي,وهي التي انطلقت
من فكرة الحاكمية,والإقتصاد الإسلامي,وفكرة لا شرقية ولا غربية,والإسلام
هو الحل,وتكفير القابلين بغير القرآن دستورا,سلفية تعلي من قيمة
الأميين,لأن النبي كان أميا,متناسية أن النبي كان لا يكتب ولا يقرأ,لكنه
كان عارفا,وعالما,بينما الأميون غيره,لا يتعلمون إلا شفاهيا من غيرهم من
البشر,ولم يبعث لهم الله ملائكة لتعليمهم,بل صار الوعاض مجرد ملتحين,تنذر
نظراتهم بالكثير من العنف والكره,أكثر مما تحمل من العلم والمعرفة,فاحتلت
بلاغة القول الأسطوري والتأثيري مكانة العقل والتأمل الرزين والراشد,وخلق
التجييش العاطفي الكثير من حالات المواجهات والجهالات,والبدع
السياسية,التي تحول معها الدين الإسلامي إلى صيغ إيديولوجية
منفعية,الغاية منها خلق أتباع عميانا,يأتمرون بأوامر أمراء,على صيغة
تنظيمات الدولة العباسية,التي وظفت السرية العملياتية للقضاء على بني
أمية,وبدأت هذه الحركات السلفية,تكدس الأموال والأتباع,وتحرض المسلمين
على بعضهم,وتضع حدودا بينهم,فلم يعد الإيمان مشروطا بقواعد العقيدة,بل
صارت هذه الثوابت غير كافية,بل يقتل من يطبقها كاملة إن كان مهددا لوحدة
الجماعة,وهي فكرة استمدت من الحركة العباسية,التي كانت تفترض قتل حتى
الأمير الإمام إن ظهر إمامين,واعتبار المقتول شهيدا,هذه التقاليد
الغريبة,ليست إلا لبوسات سياسية,مستوردة من عصور الظلم والقتل,التي
عرفتها الدول الإسلامية أيام الفتن والصراعات القبلية التي اتخذت أشكالا
دينية.
أخطأ الفكر الحداثي مرتين في التاريخ العربي الثقافي والسياسي,عندما واجه
الليبرالية العربية الصاعدة,وفي المرة الثانية,عندما لم يتفاعل ثقافيا
وحتى سياسيا مع سلفية النهضة الفكرية في نهاية القرن التاسع عشر,وهاهو
الآن,يحاول إحياء سلفيات نهضوية,للتعامل معها ودعمها,بدون أية ضمانات على
تنويريتها,وقدرتها على التجديد في الفكر الديني رغم المجهودا الشخصية
التي يبذلها بعض أتباعها,لكنهم محاصرون بالسلفية الإرتجاعية,التي تتحامل
عليهم ولا تترك لهم الفرصة للمضي في محاولاتهم لإعادة قراءة تاريخ
الإسلام وفق آليات جديدة,لست أعرف مدى قدرة هؤلاء الشخوص أصلا على القبول
بها والإنطلاق منها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الدبابات الإسرائيلية تتوغل في حي الشجاعية وسط معارك عنيفة مع


.. إسرائيل تطلق سراح مدير مستشفى الشفاء بغزة وعشرات السجناء الآ




.. الديمقراطيون يدعمون بايدن رغم أدائه السيئ في المناظرة أمام ت


.. الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد جنوده بمعارك جنوب قطاع غزة




.. مستشفى فريد من نوعه لكبار السن بمصر| #برنامج_التشخيص