الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يا الدمشقيُّ!!!

خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال

(Khaled Juma)

2012 / 10 / 5
الادب والفن


يا الدمشقيُّ:
هي الشامُ، حريّةُ اللغةِ حين تمشي على قطنِ الحلمِ، هائلةَ المعنى، مكتنزةً بنداءاتِ نهرٍ قديمٍ، وجروحُ أعدائها تُبكيها، فكيفَ تصنعُ بدمِ أبنائها؟


يا الدمشقيُّ:
تذكَّر فقطْ قليلاً من الدعواتِ كانت أمُّكَ تصبُّها في حقيبةِ مدرستِكَ الفقيرة، حينَ كانت تمسكُ كتفيكَ وتضمُّكَ، وتهمسُ في أذُنِكَ: أنتَ رجلي بعدَ أن غابَ أبوكَ فلا تخذلني، تذكّر، أنك لم تكن تحتملُ كلمةً ولو طائشةً عنها، ولو كانت آتية منها ذاتها، تذكَّر فقط أنّكَ حين تسحبُ السيفَ، فقط حين تسحَبُهُ، وقبلَ أن تغمدَهُ في أي قلبٍ كان، أن مجرّدَ فكرةٍ من هذا النوع، ستوقفُ قلبَها، وفي النهاية، سوريّة ليست سوى قلوبُ أمّهاتٍ صنعنَ هذا المجدَ الدمشقي منذُ قالت الخليقةُ كلمتَها، تذكّر، فقط تذكّرْ.

يا الدمشقيُّ:
لماذا عليكَ أن تغيّر اسمكَ المنحوت على المواسمِ؟ ولماذا تغيَّرَ قلبُكَ من عصفورٍ إلى حقيبةٍ من الذهب؟ لماذا نثرتَ فكرة التاريخ عنكَ في الهواءِ الناشفِ وزرعتَ ظلالاً على النار؟ أين اختفى ناي رعاتِكَ وطوائف الصوفيين من شالِ امرأةٍ على الجبل؟ أين ذهبتَ وتركتَ يدَكَ تجولُ في الأفقِ وحدَها؟ وماذا ستقولُ غداً لصبيٍّ سيسألُ عن اختلاف لون الحليبِ في ثدي أمه؟ وبم ستجيبُ حين تقفُ أمام الحارات القديمة وتسألك بحدّة أرملةٍ تزوّجت فراغ الليل والوحدة: مَن أنت؟

يا الدمشقيُّ:
تذكر، فقط تذكر، فيما ظلُّ أمِّكَ ينمحي عن حائط البيت، أنك لست قادماً من نفسكَ، خلفكَ حلب، حمص، حماة، دمشق، بصرى، تدمر، قطنا، أرواد، أيبلا، أوغاريت، مملكة ماري، تذكّر وأنت تغلي تاريخك مع الدمِ أن ما تصنعه السنواتُ لا يدومُ وحدهُ، وأن حجراً واحداً يسقطُ من مدينةٍ قديمة، يحتاج مليونَ سنةٍ ليعودَ إلى مكانِهِ، تذكر، فقط تذكّر صورةَ أبيك على الحائطِ، حين عاقبَك بالضرب والحرمان لأنك لم ترد تحية الجار، ماذا سيقول لك لو كان هنا الآن؟ تذكر، فقط تذكر، أن البلاد لك، وليست لغرباء لا يعرفون بردى، تذكّر، فقط تذكّر، وحينها، صدقني سأمنعك من الانتحار، لأني أحبك أنت أيضاً.

يا الدمشقيُّ:
تذكّر، فقط، تذكّر، فيما الألوانُ تنحلُّ عن كلّ شيءٍ في مرمى الأفق، أنها بلادك التي أعطتك لون الحنطةِ في وجهك ويديك، تذكّر نواح الطبيعةِ الثكلى على فصولِها المذبوحة في الطرقات، تذكّر وأنت تسبُّ الحكايات العتيقة أن النار هي النار، تدفئ وتحرق، وأن الماء هو الماء، يروي ويُغرِقُ، وتذكّر أنك كنت ناراً وماءً، فصرتَ ناراً وماءً، وما أوسعَ الفرقَ بين نارين وماءين، تذكّر فقط تذكّر أن النشوةَ لا تدومُ، تماماً كما هو غضبُ الأمهاتِ على أبنائهنّ العائدين متأخرين من المدرسة، تذكّر، فقط تذكّر، وحين تتذكّر، ستذبحكَ الذكرى، أعرفُ، لكنها حانيةٌ ولا تعذّب أبناءها الخاطئين حين يتذكرون، لذا، تذكر.

يا الدمشقيُّ:
تلك النرجسةُ في طرفِ الحديقةِ ليست نرجسةً فحسب، هي روحُ عشتار حين فاضَ دمعها على أدونيس، وذلك النهرُ الذي كادَ يجفُّ لم يكن مجرد نهر، هو بقية اسمك الناقص ذاهباً في التاريخِ إلى آخره، تذكّر، فقط تذكّر وأنت تقطفُ الأبنيةَ خلفَكَ أن هناكَ أشياء لا تعودُ حينَ تذهبُ، وأن الذهبَ يعيدُ الأبنيةَ إلى سابقِ عهدها ربما، لكنه لا يعيدُ لمسةَ الحنانِ على أطباقِ مطابخِها، ولا يُرجِعُ ذكريات الأطفالِ على أبوابها وفي ساحاتِها، تذكر، فقط تذكّر، أن هذا المكان الذي دمَّرَتْهُ فكرتك عن الحرية، هو المكانُ الذي جلست حبيبتك فيه تنتظركَ عائداً من حربٍ شريفةٍ، لا ذاهباً إلى دمارِ الوردة
تذكّر، فقط تذكّر، أن تأخذ قلبك معك إلى المعركة.

الخامس من تشرين أول 2012








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنانة غادة عبد الرازق العيدية وكحك العيد وحشونى وبحن لذكري


.. خلال مشهد من -نيللى وشريهان-.. ظهور خاص للفنانة هند صبرى واب




.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس


.. بحضور شيوخ الأزهر والفنانين.. احتفال الكنيسة الإنجيليّة بعيد




.. مهندس الكلمة.. محطات في حياة الأمير الشاعر الراحل بدر بن عبد