الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهجوم على قاسم

لطيف الحبيب

2012 / 10 / 6
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


الهجوم على قاسم
اعداد لطيف الحبيب / برلين

لم تمر محاولة اغتيل عبد الكريم قاسم في 7.10.1959على الصحافة والاعلام العالمي والاوربي مرورا عابرا بل انشغلت بها اشهرطويلة فدبجت المقالات في الصحافة ,ونشرت المجلات تحليلات مطولة حول الوضع في العراق ,للاسف لم يصلنا الا القليل منها . كتبت مجلة " دير شبيغل " الالمانية في عددها المرقم 43 والمؤرخ في21- 10 -1959عن محاولة اغتيال رئيس وزراء الجمهورية العراقية الراحل عبد الكريم قاسم رصدت فيه وقائع الحدث وما تبعه من مؤمرات مفضوحة للاطاحة به .

انتزع الجنرال المسدس من حزامه واطلق النار على المهاجمين , في حين يرقد سائق سيارته شيفروليت بلون الخردل ميتا في المقعد الامامي , في تلك اللحظة تقدمت سيارة أجرة بسرعة شقت طريقها وسط شارع الرشيد في بغداد، وتوقفت مخلفة ورائها رئحة احتراف احتكاك عجلاتها باسفلت الشارع أمام سيارة رئيس الحكومة التي ثقبها الرصاص, قفزمنها عراقي ممتلئ الجسم ، دفع جانبا السائق القتيل وقاد سيارة الشيفروليت الثقيلة, كانت مساعدة غير متوقعة كأنها هدية السماء لقاسم الجريح . بعد بضع دقائق , كان الأطباء في مستشفى دار السلام منهمكون في تطبيب جروح رئيس الوزراء ومعالجة ذراعه الدامية وكتفه.
نجاة رئيس الوزراء العراقي عبد الكريم قاسم من محاولة الاغتيال كانت مناسبة لكل زعماء العالم لارسال برقيات ألتهاني المعتادة بسلامته و للاطمئنان على صحته , باستثناء رئيس دولة الجمهورية العربية المتحدة جمال عبد الناصر .
تحدث الرئيس جمال عبد الناصر في القاهرة في مقابلة مع صحفي امريكي في كلمات مقتضبة عن "هراء الاغتيالات السياسية ، ولكن المسؤولين في حكومته لم يطلقو كلمة أسف واحدة لماحدث لقاسم ولم يستنكرو محاولة الاغتيال, تبعه تصريح المتحدث الرسمي باسم الحكومة بقوله " ليس لدينا ما نقول عن الهجوم الذي وقع في بغداد",
على العكس من ذلك كان الصحفيون أنصار ناصر في العالم العربي اكثر ضجيجا من غيرهم وأقل ضبطا للنفس ولم يلتزمو موقفا حياديا مهنيا لتغطية الحدث ,بل عبر البعض منهم عن انزعاجه وامتعاضه لنجاة قاسم ,كانما خلفية الهجوم معروفة لهم منذ زمن , بالفعل اذاع راديو القاهرة "انه قاسم ,هاجمه الشيوعيون المولين له , الذين كانوا مسؤولين عن الفوضى السياسية في العراق اليوم" , اما الصحيفة الأردنية "الدفاع " كانت أكثر وضوحا بقولها"إن الرصاص الذي ضرب قاسم، هو تعبير عن سخط الشعب العراقي ضد الجزار (قاسم) ونظام حكمه الأحمر، لقد هرب الجزار اليوم من غضب الشعب وغدا لن يتمكن من الهرب منه ".
كشفت مجلة دير شبيغل عن دور الاعلام المصري في التحريض ضد الحزب الشيوعي وكذب ادعاءاتهم بحماية الجمهورية واسناد قاسم .
فكتبت " ردود الفعل المتشنجة للمخيم ناصر على المحاولة الفاشلة لاغتيال قاسم أثارت الشكوك واستفزت العديد من المراقبين في الشرق الأوسط مما دفعهم للاشتباه في أن آثار القتلة قد تقود إلى القاهرة , و أبرق مراسل الشرق الأوسط لصحيفة"الابزريفر البريطانية " إن الهدف من المؤامرة كان تصفية قاسم واتهام الشيوعيين باغتياله، لدفع القادة العسكريين للقيام بحملة ضد الشيوعيين، وبالتالي يتم تقريب اعوان ناصر. وفي الواقع بذلت الصحافة المصرية جهدا ومحاولات عديدة لاتهام الشيوعين باغتيال قاسم, واكدت وأ جمعت ان وراء اغتيال قاسم" الداعمين الحمر" ، على الرغم من أن االمهاجمين هربوا باستثناء من اقترب من سيارة قاسم للاجهاز عليه بمسدس . لم تفسر صحافة ناصر لماذا قدم زعيم المهاجمين - وهو لاجئ فلسطيني –من معسكرات الفلسطنيين تحت امرة عقيد الاستخبارات ووزير الداخلية لمحافظة دمشق عبد الحميد السراج . لاحظ في وقت سابق اغلب المراسلين الغربيين في الشرق الأوسط كما ذكرت صحيفة"الواقع في زيوريخ " ان حملة الصحافة والإذاعة بقيادة القاهرة ودمشق (ضد قاسم) ماهي الا نداءات حقيقية للاغتيال السياسي" ومن وجهة النظر هذه فان عملية الاغتيال في بغداد هي الفصل الأخير من سلسلة صراعات مليئة بالدسائس , تفضي دوما الى انقلابات القصور والتي بدأت في صيف عام 1958. في ذلك الصيف الساخن الدموي اطاح قاسم مع ثلة من ضباط حركة ثورية بالقوى الموالية للغرب والإقطاعية و استلم السلطة في العراق . في وقتها دعا البطل القومي العربي ناصر ، العراق الجديد " بقيادة بطله الكبير قاسم " الى الانضمام الى مصر وسوريا الجمهورية العربية المتحدة , لكن الحاكم الجديد في بغداد لم يكن مستعدا كما كان نظام حكومة الباشا القديم للاعتراف بسيادة ناصرعلى العراق . صرح وزير خارجية قاسم بسخرية "العراق هو في الواقع جزء من الأمة العربية، وليس لديه الرغبة ان يكون جزءا من الجزء ".
رأى الدكتاتور قاسم في بداية حكمه ان ليس له من القوة بما يكفي لرفض دعوة ناصر للوحدة رفضا قاطعا ففي أب 1958 زار مبعوث من العراق القاهرة واطلع ناصر على استعداد العراق للاتحاد مع الجمهورية العربية المتحدة, موكدا على السيادة الكاملة للعراق في إطارالاتحاد . رفض عبد الناصرمقترح العراق.
قررالثوار في بغداد بعد رفض القاهرة لمقترحاتهم ان تبقى اشكالية الوحدة او الاتحاد مع القاهرة لفترة زمنية دون حل الى يحين الوقت المناسب . سرعان ما واجه هذا القرار مقاومة من الضابط الناصرين المحيطين بقاسم بما فيهم نائب رئيس الوزراء، العقيد عبد السلام عارف ,واتفق هولاء الضباط على أن الوقت قد حان للعراق ان ينضم الى الجمهورية العربية المتحدة وبالقوة إذا لزم الأمر، قبل قيام الضباط باجراء ما , جرد قاسم نائبه عارف من مناصبه وعينه سفيرا في بون لابعاده لفترة عن العراق .
انتظر عدد من موظفي المراسيم استقبال السفير الجديد في بون عبثا . سافر عارف إلى القاهرة ، حيث تفاوض لعدة أيام مع الرئيس جمال عبد الناصر, في نهاية المطاف طلب" سيد النيل" من ضيفه عارف ان يزور السيد عبد الحميد السراج، العقيد السوري ورئيس المخابرات السابق ليس باعتباره وزيرا للداخلية في محافظة دمشق سوريا فحسب ، بل لمعرفته الواسعة بكل خفايا ودسائس القاهرة.
قرر العقداء في هذا اللقاء الاطاحة بالدكتاتور قاسم رئيس الوزراء بمساعدة ضابط فيلق في الجيش العراقي من أتباع ناصر . كان السراج في وقت مبكر قد حاول تهريب عدد من المتآمر اتباع عارف في سيارة دبلوماسية عبر الحدود السورية العراقية. وصلت قاسم مرة أخرى "عن صديقه السابق" معلومات سرية من قبل جهاز مخابرات الحكومة التركية التي لا ترغب في توسع النفوذ المصري في بغداد . استبق قاسم مؤامرات العقداء واصدر اوامره باعتقال المتآمرين المقربين من دائرة عارف، واعتقل هونفسه ايضا وحكم عليه بالإعدام. (ولم يتم تنفيذه).
لم تثبط ضربة قاسم للمتأمرين وفشل خططهم عزيمة رئيس لاستخبارات العقيد السراج على انهاء حكم قاسم, فذهب الى التحالف مع قادة من قبيلة شمر القوية في شمال غرب العراق، الذين لهم اسبابهم ورغباتهم الجامحة وامانيهم المتطلعة الى نهاية نظام قاسم , خاصة بعد قانون الاصلاح الزراعي الذي اصدره قاسم بموجبه تم توزيع الأراضي الضخمة الى الفلاحين , فاعتقد هولاءان تحالفهم مع السراج ومساعدتهم بقايا نظام الإقطاع المتلاشى سيعيد اليهم اراضيهم المستحوذ عليها والمصادرة منهم .
ارسل السراج الأسلحة والمدربين الى عشائر شمر المتمردة . في الوقت نفسه اجتمع عملائه مع ضباط في قيادة الفرقة الثانية للجيش العراقي ، الذين كانوا على استعداد في منطقة قيادتهم في الموصل مركز النفط – للسيطرة على المدينة والزحف نحو بغداد. في الواقع حدث هذا . في مارس من هذا العام قامت انتفاضة في الموصل، مما دفع قاسم مضطرا الى الاستنجاد بالميليشيات واليساريين الذين بينهم حشد من الشيوعيين لمساعدته في حماية الثورة .
مشاركة لقاهرة في انتفاضة الموصل كانت واضحة ادت بالدول العربية الاخرى الى التراجع ضاهريا عن دعم ناصر .في نيسان اقترح ناصر في اجتماع للجنة السياسية للجامعة العربية "مناقشة قضية العراق"، قوبل اقتراحه بالرفض من اغلب الدول الأعضاء المشاركة ودعمته دولة واحدة فقط - اليمن - .
سعى عبد الناصر تخلصا من الإحراج الى تغير سياسته فاتجه بمسارها صوب المعاداة الشديد للشيوعية . رحبت لندن وواشنطن بتوجه ناصرو خطبه المناهضة للشيوعية من القاهرة، ولكنها لم تتحرك لدعم حملة ناصر المدعوم من العرب بشكل كبيرة لابعاده عن آبار النفط العراقية, حتى اصدقاء عبد الناصرمن العالم المحايد، تيتو ونهرو, حذرا الديكتاتور على النيل،" ان لا يشد القوس اكثر" .
في هذه اللحظة المحفوفة بالمخاطر كشفت دسائس عقيد الاستخبارات السراج ومزق نسيج شبكاته المحكمة في اشد المراكز الاستخبارية حساسية , فقد استطاع محامي عراقي شاب من موظفي سفارة الجمهورية العربية المتحدة في بغداد الهروب الى لبنان تخلصا من ناصر واتباعه , من بيروت مكان اختبائه اخبر قاسم أن لديه جميع مواد الأدلة على التواطؤ والعمل المشترك بين السراج والضباط العراقيين.
دعا قاسم المحامي الشاب القدوم العراق والادلاء بشهادته امام محكمة الشعب العراقي وتقديم كافة البيانات اليها . أوائل ايلول في مطار بيروت عندما هم المحامي الشاب بصعود الطائرة إلى بغداد ، دوى الرصاص ليسقط قتيلا على يد مسلحين مجهولين.
ظلت خلفية اغتيال الشاب غير واضحة ومجهولة رسميا ، ورأى الجنرال قاسم ان ماجرى فعلة خطيرة تتطلب رد قاسي اشبه بالانتقام . في 20 من ايلول في معسكر أم الطبول سقط 13 ضباطا عراقيا من الذين إشتركو في تمرد الموصل تحت وابل من رصاص فرقة الاعدام . اكد قاسم بقوله "العراق قوي بما فيه الكفاية لمواجهة أي مؤامرة ."
أعطى دوي رصاص فرقة الاعدام في معسكر ام الطبول الفرصة كاملة لناصر في تشديد حملته ضد "قاسم الجزار" لتاجيج مشاعر الناس ضده ,فاطلق الطلاب والفلاحين في شوارع مصر وسوريا ضد "الهمجية العراقية " ووقف مفتي جامع الأزهر في القاهرة ضد ما حصل في العراق ." واستنكر الجرائم البشعة وموقف قاسم خاصة ضد إخوانه المسلمين، ،و قرأ ايات من القران تبشرقاسم بأفظع العقوبات مثل صلبه "

عن مجلة
دير شبيجل الالمانية العدد43 بتاريخ 21- اوكتوبر -1959








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحية ومتابعة
ئاراس ( 2012 / 10 / 6 - 12:48 )
تحياتي الى الحهد الذي بذلته في اطلاعنا على ماكتبته المجلة الالمانية الذائعة الصيت وفضح دور جمال عبد الناصر وتابعه المجرم السراج في حبك المؤمرات على العراق وعلى حكم الزعيم الوطني الخالد عبد الكريم قاسم ..واود هنا ان انوه هنا بان الذي وصل محل الحادث ربما بعد دقائق هو السيد شوكت خزندار احد اعضاء اللجنة الامنية السرية للحزب الشيوعي العراقي وهو الذي ساهم في ايصال الزعيم ومرافقه الجريح وانه شخصيا تعقب الجناة في احد الازقة الرابطة بين شارعي الرشيد والجمهورية حسب ما ذكره هو شخصيا في احدى احاديثه للصحافة فيما بعد ..واذا اطلع على هذا الموضوع الان فمن الطبيعي انه ستكون له مداخلة وبالتاْكيد ستكون مداخلته غنية ومفيدة ..مع مودتي .


2 - خزين الذاكرة
لطيف الحبيب ( 2012 / 10 / 7 - 13:09 )
العزيز ئاراس
الشكر لك لاهتمامك بالموضوع واتمنى من السيد شوكت خزندار ان يتحغنا من خزين ذاكرته عن تلك الايام . لك مني طيب الود


3 - اعجاب مع الشكر واستفسار؟
ذياب آل غلآم ( 2012 / 10 / 7 - 18:33 )
لطفا هل استطيع معرفة من هو هذا الفلسطيني الذي كان يقود هذه المجموعة القذرة ؟؟ وهل تقصد زوج يسرى سعيد ثابت مثلا؟ انا لا اعتقد .... هناك كلام موجود وموثق بأن هذا الفلسطيني هو ( نايف حواتمه ) لذلك اردت ان اعرف مدى صحة هذا الكلام من لطفك اذا عندي معلومة والف شكرا على هذا المقال وفي ذكرى هذه الحادثة التي كتب عنها الشهيد سلام عادل بعدها بثلاثة ايام ممقال كتبه ( قال : الآن بدأت امريكا بالتفكير الجدي على احتلال العراق !) فمن قام بمحاولة الاغتيال نزيل حاوية الصرف الصحي صدام هو نفسه ممن سلم العراق وشعبه للاحتلال !؟ وهكذا تعمل المخابرات الامريكية وذيولها ... سلام عليكما ياسلام عادل ويا زعيمنا عبد الكريم قاسم سلام على شهداء الشعب و الوطن

اخر الافلام

.. فولفو تطلق سيارتها الكهربائية اي اكس 30 الجديدة | عالم السرع


.. مصر ..خشية من عملية في رفح وتوسط من أجل هدنة محتملة • فرانس




.. مظاهرات أمام مقر وزارة الدفاع الإسرائيلية تطالب الحكومة بإتم


.. رصيف بحري لإيصال المساعدات لسكان قطاع غزة | #غرفة_الأخبار




.. استشهاد عائلة كاملة في قصف إسرائيلي استهدف منزلا في الحي الس