الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مرثية بوظة بكداش ( سوق الحميدية )

كريم الثوري

2012 / 10 / 6
الادب والفن


هو ذا يأتي إليها ، يحمل الصبر صديقاً ، صبره صار وطن ، وطن يبكي عليه...
لأن دمشقَ تكفي ولا تكفي
لأنكَ الآن أحلى
ودمشقُ تكفي للقلبِ أو تكادُ
أستقيلُ مني ومن الأخبارِ العاجلةِ والمعترضة
أستقيل من الحزنِ الرقيقِ
والخيباتِ والريباتِ والشك
والدسائس الجميلة

الساعةُ تُشير إلى دقات قلبه...
ما شكلها ، ما لونها ، كيف سيستقبلها ، تستقبله؟؟؟
كان سوق الحميدية كعادته مُكتظ بأطياف القوس قُزح ، يدغدغك تنامل فسيفساء الركب ، فيما كانت أبتسامة مكظومة ،تأخذ طريقها لخدرٍ لذيذ ...
رحت تبحث عنها في أرقام الموبايل وهو في قبضتك
متى ترن وهل ستلتزم بالموعدالمُحدد؟
اللقاء الأول شأن كل اللقاءات مزيج بين الرغبة واللهفة ، الفرح والخوف ، شئ لا يمكن إخضاعة لوحدة قياس بعينها، رغم تجاربك المُتعددة فيما يُعرف باللقاءات
وجدت نفسك تدلق على وقع خطى الصبايا لتأخذ محلا مطلاً في بوظة بكداش :
حلاوة بالجنة ، كنافة نابلسية ، بوظة بالفستق الحلبي أو بالققشطة ، يقولون " إذا أردت أن تتذوق المزاج السوري وطريقة تفكير الشاميين فماعليك سوى تذوق بوظتهم العربية الأصيلة " ، وها أنتَ على خطى الشوق تُسير...
حدجتها من بعيد تتربع على كرسي مُلتصق بالجدار وبيدها مجموعتها الشعرية التي وعدتك بُعد المسافة فيما بينكما ، سألت نفسي هل يُبادر الاقتراب منها ، أبعدَ الفكرة فمازال موعد اللقاء يبعد نصف ساعة من الآن ، وكأنه الآن...، ثم إنهُ بالقرب من الجامع الأموي وسط حلقة تقافز الطيور على إيماءات الجمهور وهو يلقي لها بالطعام...
اتخذتُ ركنا مُنزويا يَطلُ على مُخيلة لقائنا الأول ، ها هي تتأبطني بذراعيها غير عابثة بصدفة نزقة يُشار إليها ، نطلق العنان لمُراهقة ما بعد الأربعين ، تتهجد خُطى العاشقين في تمايل تعرجات باب توما ، سُكارى نتمايل مأخوذين بروائح الحارات العتيقة الممزوجة بتوابل سوق العطارين ، كانت ملمومة بزيها النسواني التقليدي ، لو كان هناك زياً موحدا يجتمع عليه أهل الشام نساء ورجال " لقلت الكاوبوي "، وبعد أن تداهمنا الرغبة في أكل وجبة مُعتبرة ، نجد حواسنا قد سبقنا عند مطعم " حارتنا باب توما " ، نتخذ مجلسا ثم نُغيرهُ إلى آخر يجعلنا نلبي حاجة التجمل بين مذاقين ، مذاق الأكل ومذاق الشِعر ، تعرفني أعشق المكدوس والتبولة وأعرفها فيما كانت تُلقم فمها المهضموم بطراوة تهامس الكلمات، تقرأ لي بعض من قصائدها ..
ما ألذ المُقبلات قبل المشاوي ، ومن ثم الأركيلة الشامية الشهيرة ، أنظر إليها تطلق دفعات زفيرها فيمتزج بشهيق شوقي في تزاحم لهُ ما يبرره ، تناولنيها لنعاود تراتيبية التذوق بطعم الفرح المقتطع في غفلة من الزمن..
لماذا لا يقدمون الشيء بعينه مع الأكل ؟ أسالها ، فتتأبطني لمقهى الكُتّاب والمثقفين ومن هناك نكمل مشوارنا في سعي دؤوب لحرق كل المراحل التي تُشير إلى ضرورة إلحاق المقدمات بالنتائج، ها هو النادل يستقبلها بتحية ملؤها الاحترام، يفرد لها ولضيفها جانبا، ثم يقوم بتشغيل أسطوانة . يُمهد الجو لتراقص الكلمات على ضفاف أمواج الشعر، منقوعاً بتلاعب آهات دمعتين أسيرتين بين شام مُكبلة تتخبط، تتعثر ، بتكرار مميت وشام بوسع المدى ، تستجمع الأفق من أعلى رابية مطلة عند جبل قاسيون
تفتح حقيبتها السوداء ، تخرج باقتي زهر النرجس ، تشم واحدة وتهبني الأخرى فأشمها فيها ....
خَرَجت من بوظة بكداش وهي تلملم ماء شعرها المشاكس بين الفينة والأخرى ، ترميه إلى الأعلى فيستجمع نفسه ثانية على شكل حزمة ضوء مبلول برائحة مابعد الاستحمام ، تبعتها ورحت أترقب لقائي معها على وقع كلمات سقطت من ديوانها المضموم طي أصابعها ، وفيما كانت تمشي الهوينا مصوبة نظرة شبه مستحيلة باتجاه الخراب القادم ، كانت ذكراها ترسم سلما موسيقيا بلحن جنائزي لأبشع هجومٍ بربري طال انتظاره، هجوم يطال الشجر والحجر والإنسان، وكأنها تنشده بتمام قيامتها : :

أجنُ .. نعم أجنُ ،
أو أدافع غالبا عن الجنون
اخلعُ حشودي، وأخترعُ جموعا ..
تقترفُ الكلمات ِ لتخونها
مجنون ٌ من يفصلُ
بين الحال ِ والمحال
مجنونٌ من يطوف
المرآة ِ خلف ٍ أثر ٍ ولا أثرَ
مجنونٌ من يغلقُ الصيحة َ، قابَ الصوت ِ ..
ويُسكبها بدمي ..
مجنونٌ من يطرقُ باب َ النأي فاتحة َ احتراق ٍ
وبه ألق ُالروح ِ نحوها.. أمضي
بهذا الحرف او ذاك .
مجنونٌ من ينذر صداه
لهدهدة ِ اللحن ِ الممتد ..
بهجرتك حتى الضوء ..
أنا المتقلبةُ ُ المتعبة ُ والمدعية ُ
لبطولات ِ الإنتظار ..
أجن ُ قليلا و كثيراً أموت ُ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل