الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يجوز الاستهزاء بالأديان؟

رشيد المغربي

2012 / 10 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


هل يجوز الاستهزاء بالأديان؟
رشيد المغربي

في مصر أي شخص ينتقد الإسلام يحاكم بتهمة ازدراء الأديان، بل إن الفنان عادل إمام رفعت عليه دعوى تحت هذا البند متهمة إياه بالازدراء بالإسلام من خلال أعماله الفنية، واليوم يطالب الكثير من القادة المسلمين بتدويل قانون يجرم ويعاقب على الإساءة للأديان، وهناك مادة اقترحها الأزهر على لجنة إعداد الدستور تحت اسم مادة الذات الإلهية تقول الآتي: "الذات الإلهية مصونة ويحظر المساس بها، وكذلك ذوات أنبياء الله وأمهات المؤمنين والخلفاء الراشدين والصحابة". ووافق مجلس الأمة الكويتي في شهر أبريل الماضي على مشروع تعديل بقانون"الجزاء"، يتضمن معاقبة كل من تثبت إدانته بتهمة"المساس بالذات الإلهية"، أو "الطعن في مقام الرسول الكريم، وعرض أزواجه"،بعقوبة الإعدام. أما في المغرب فالعقوبة تتراوح بين ثلاث و خمس سنوات لمن اعتبر أنه قد مس بالدين الإسلامي بحسب الفصل الواحد والأربعون من قانون الصحافة، وهنا نطرح الكثير من الأسئلة:
أول سؤال يتعلق بتعريف المصطلحات: ما معنى الازدراء، والمساس، والإساءة؟ لأنه إن عجزت القوانين عن تحديد المفاهيم فإن أي شيء يمكن أن يعتبر "ازدراء" حتى لو قال أي شخص بأن الإسلام ليس دينا من عند الله فإن هذا يمكن اعتباره ازدراء، وإن قال أن محمدا ليس رسولا سيعتبر ذلك إساءة، وبالتالي تصير حرية العقيدة وحرية التعبير على المحك، لا يحق للناس رفض الإسلام ولا يحق لهم التعبير عن هذا الرفض ولا توجيه أي نقد كان أكاديميا أو غير أكاديمي للإسلام ورموزه.
السؤال الثاني: ما المقصود بالأديان والأنبياء؟ هل هو مجرد تعميم لحماية الإسلام أم في الحقيقة هو قانون يجرم الإساءة إلى أي دين كان؟ إن كان الجواب أن القانون فعلا يقصد تجريم الإساءة إلى كل الأديان فهنا ستطرح لدينا إشكالية أخرى، ماذا عن النصوص التي يسيء فيها الإسلام إلى أديان أخرى وإلى رموزها؟ مثلا عندما يقول الحديث أن رجوع المسيح سيكون لقتل الخنزير وكسر الصليب، ألا يعتبر ذلك إساءة في حق "الصليب" وهو رمز مقدس عند المسيحيين؟ ماذا لو قال شخص مسيحي أن المسيح سيعود لتمزيق القرآن؟ هل سيمر ذلك مرور الكرام أم سيعتبره المسلم إساءة إلى الإسلام؟ ماذا عن الأديان الأخرى مثل البوذية والهندوسية؟ هل سيتم تجريم كل مسلم أساء إلى رموزها؟ إن كلمة"الأنبياء" وكلمة "الأديان" هي مجرد جمع "توهيمي"، فكلمة الأنبياء هنا المقصود بها محمد وكلمة الأديان المقصود بها الإسلام، لأننا لم نسمع عن شتم الأنبياء قط، لا يوجد أي شخص قال سنشتم اليوم نبي الله نوح، أو نبي الله إبراهيم أو نبي الله موسى، وحتى النقد الموجه للمسيح في الغرب هو نقد إنكار في غالب الأحيان، يعني أن المشككين يشككون في الميلاد العذراوي لأنه ليس علميا ويشككون في المعجزات ويشككون في موت المسيح وقيامته لأنه يعارض العلم فقط، ومع ذلك فالعالم المسيحي قطع أشواطا في التدرب على ضبط النفس واحترام حرية التعبير، وبالتالي لا ينتفض المسيحيون لذلك بل يردون عن طريق البرامج الحوارية والمقالات في الجرائد وكل الوسائل الإعلامية المتاحة، ولم نر أي مسلم تظاهر تنديدا برواية"دافينشي كود" مثلا رغم أنها تطعن في الدين المسيحي بل تم طبعها في العالم الإسلامي وتداولها دون رقابة، ولم ينتفض أي شخص للتنديد برواية عزازيل مثلا رغم أنها طعن في الدين المسيحي كذلك، من هذا كله نستنتج أن المقصود بالأديان هو الإسلام، والمقصود بالأنبياء هو محمد، والمقصود بازدراء الأديان هو أي شيء يمكن أن يعيب الإسلام أو ينتقص منه، وهذا ما يسعى إليه الكثير من القادة والزعماء المسلمين محاولين استدراج غير المسلمين بزعمهم أن الحماية ستكون لفائدة كل الأديان، لو كان المسلمون جادين فعلا في تجريم الإساءة إلى كل الأديان لبدأوا بانفسهم ومنعوا خطبائهم من نعث اليهود بإخوة القردة والخنازير، ونعث النصارى بالضالين ومنعوا الكتب التي تتحدث عن الإنجيل أنه محرف، او تتهم المسيحيين بالشرك، القوانين التي يريدون استصدارها ليس لها إلا هم واحد: حماية الإسلام من كل انتقاد، واستخدامها وسيلة لقمع كل من سولت له نفسه أن يجهر بانتقاده للإسلام علنا.
ماذا عن المستهزئين بالأديان؟ هل نوافقهم الرأي؟ ألا ينبغي معاقبتهم؟
رغم أني أفضل اجتناب الاستهزاء والتركيز أكثر على البحث العلمي الأكاديمي المبني على الأدلة والبراهين ورغم أن العمل الذي يسخر من المعتقدات الدينية قد لا يؤدي إلى نتائج إيجابية في غالب الأحيان بل فقط يستفز مشاعر العامة وقد يعرض حياة أناس أبرياء للخطر، فإنه في الأول والأخير يدخل في إطار حرية التعبير، وذلك لأن قوانين حرية التعبير قد أنشئت خصيصا لحماية الآراء التي لا تقبلها الأغلبية، لأنها لو كانت مقبولة من الأغلبية لما كانت هناك حاجة لحماية أصحابها، قد لا نتفق معها وقد تؤذينا في مشاعرنا لكن لا نملك حقا في الحجر على أصحابها، تماما مثلما أن الصحافة قد تكشف شيئا يؤذينا اكتشافه وقد تعلق تعليقات ساخرة وجارحة عن الحكومة وعن الحكام وعن شخصيات معروفة، ومع ذلك لا نستطيع منعها، كل ما نستطيع عمله هو الرد بوسائل متحضرة، لا نستطيع أن نمنع او نقمع أو نعاقب هذه الآراء. المسلمون يريدون ان يقتلوا من مزق القرآن أو أحرقه او عمل كاريكاتورا عن محمد أو استهزأ به أو بأي رمز من الرموز الإسلامية، ويعتبرون ذلك عدلا في حق الفاعل لأنهم يقدسون محمدا ويقدسون الإسلام، لكن لأن حرية التعبير تعطي القيمة العليا للإنسان فإن حياة الإنسان أغلى من المقدسات الدينية ولذلك لا يمكن أن تسمح أي دولة متحضرة بالاعتداء على شخص أو على حياته أو كرامته لمجرد أنه اهان عقيدة معينة حتى لو استخدم أقذع الألفاظ، فالعقائد مجرد أفكار في الأول والأخير، لا يمكن أن أقتل شخصا لمجرد أنه استهزأ بفكرة حتى لو كانت فكرة مقدسة ورمزها مقدس عند الكثيرين. تماما مثلما لو أن شخصا سبني أو شتمني مستخدما اسم والدتي فإني أغضب وأستاء لكن لا يمكنني أن أقتله وإلا فسأعاقب بجريمة القتل ولن يشفع لي غضبي أمام القاضي أو اعتمادي على حجة انه شتم والدتي، لأن هناك وسائل أخرى لنيل الحقوق ورد الاعتبار بعيدا عن القتل. وبالتالي فإن الرد الأمثل على المتسهزئين ليس هو المظاهرات وحرق السفارات، بل هو الدراسة الجادة والرد على الفكر بالفكر والرد بطريقة اعلامية مثل إنتاج أفلام تطرح فكرا مغايرا أو إنتاج كتب تصحح ما نظنه خطأ تجاه عقائدنا، والمناظرة ...إلخ من الوسائل التي يتيحها القانون ويسمح بها وتعبر على تحضر المجتمع ورقيه.

مقدم برامج بقناة الحياة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح


.. الرئيسان الروسي والصيني يعقدان جولة محادثات ثانائية في بيجين




.. القمة العربية تدعو لنشر قوات دولية في -الأراضي الفلسطينية ال


.. محكمة العدل الدولية تستمع لدفوع من جنوب إفريقيا ضد إسرائيل




.. مراسل الجزيرة: غارات إسرائيلية مستمرة تستهدف مناطق عدة في قط