الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هُدى

بيتر إسحق إبراهيم

2012 / 10 / 7
الادب والفن


منتصف ليل القاهرة, الواحدة صباحاً تقريباً, مازالت منطقة وسط البلد صاخبة تعج بشباب القاهرة الذي لا يهدأ ولا ينام, و فلول العائدين إلى منازلهم, بالإضافة إلي الباعة الجائلين و من ليس لهم مأوى إلا الشارع. كنا قد خلفنا من ورائنا ميدان التحرير روح الثورة, كانت وجهتنا ميدان رمسيس, و كنا قد اتخذنا في هذا السبيل شارع طلعت حرب.

لم تكن إلا بضع أمتار قطعناها في الشارع العتيق أنا و أصدقائي حتى فاجأنا ذلك الملاك الصغير و هو مقبل علينا بخطواته الواثبة الرشيقة و ثغره البسام, كانت طفلة صغيرة جميلة في مقتبل العمر, لا تتجاوز الثامنة على أفضل تقدير, كانت تبدو متأنقة نوعاً ما, ترتدي فستاناً مزركشاً, لم يبد عليها أبداً أي مظهر من مظاهر التشرد, أو شئ يوحي بأنها احدي الأطفال المستخدمين في الشحاذة, و أنبأني حدسي أنها متبوعة بوالديها أو أحدهما, لكني كنت مخطئاً, بل أنها صعقتني بقولها:

- عمو, ممكن جنيه؟

قالتها دون أن تفارق الابتسامة وجهها الذي يشي بطفولة بريئة, تسمرت في مكاني بلا حراك, لم أكن مدركاً لما يحدث, هل هي مجرد فتاة صغيرة قررت أن تداعبنا قليلاً؟, لكن الوقت متأخر لتسير طفلة في مثل عمرها بمفردها, هل ضلت طريقها عن والديها؟ لم يبد عليها الهلع بل يبدو و كأن كل شئ على ما يرام, هل هي مجرد شحاذة إذاً؟!. لم تظهر على أصدقائي أمارات الدهشة و التعجب مثلي, ربما اعتادوا على مثل هذه المواقف في المحروسة, أخذها احد أصدقائي من يدها و أكملنا المسير و لكن بخطوات أهدأ, سألها عن اسمها فأجابت "هدى" مازحها قليلاً لكنها كانت تكتفي بالابتسامة و مواصلة طلبها بالجنيه, بمجرد أن نالت مرادها انطلقت مسرعة - عكس اتجاه سيرنا – بنفس الخطوات الواثبة المرحة و الابتسامة الجميلة لم تفارق وجهها للحظة, لكنها تركت في أنفسنا من الأسباب ما يكفي ليصيبنا بالكدر, كنت مهموماً بمصيرها وسط هذا الصخب, و جال في ذهني ما اقرأه في أخبار الحوادث من استغلال للأطفال, و سرقة أعضائهم و التجارة بها, أو حتى استغلالهم جنسياً.

رمقتها بنظرة أخيرة و كأنها نظرة الوداع حتى ابتلعها ميدان التحرير, و لم أكن اعلم في حقيقة الأمر أهي من يحتاجنا؟ أم نحن من بحاجة إلى "هُـدى"؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي