الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سحر خليفة بين الوزير والعصفور

منى زكي

2005 / 3 / 3
الادب والفن


جاء في الأنباء انّ الروائية الفلسطينية سحر خليفة ألقت كلمة المشاركين العرب في ملتقى الرواية الثالث الذي احتضنته القاهرة بدعوة من المجلس الأعلى للثقافة، وأنها اختتمت كلمتها بمديح وزير الثقافة المصري فاروق حسني، ورئيس المجلس الأعلى الدكتور جابر عصفور. والتي، مثلي، تعرف صخب سحر خليفة وضجيجها حول استقلال الفنّان عن السلطة، وضرورة النأي عنها بما يكفي لكي يظلّ الإبداع حرّاً طليقاً، وقدسية الحفاظ على كرامة الكاتبة المرأة تحديداً... مَن تعرف كلّ هذه الصفات عند كاتبتنا الموقرة سوف تصاب بالذهول التامّ حين تقرأ هذه الجملة المدائحية العجيبة: "أشكرك يا وزير الثقافة يا فنان، لأنك وزير أحلي وزارة وفنان منّا وفينا، أشكرك يا دكتورعصفور، أجمل عصفور وأفضل عصفور، فها نحن نطير علي أجنحتك"..!
ويبدو ان ذاكرة سحر خليفة قصيرة وحسيرة وكليلة، إلا إذا كانت تتقصد نسيان وقفة الشرف التي وقفها الروائي المصري الكبير صنع الله ابراهيم، في المكان ذاته وعلى المنبر إياه قبل أقلّ من سنتين، حين رفض جائزة الرواية (100 ألف جنيه مصري، تعادل 17 الف دولار أمريكي تقريباً، يعلم الجميع أنه كان بأمسّ الحاجة إلى كلّ مليم فيها)، وقال دون مواربة: "لم يعد لدينا مسرح أو سينما أو بحث علمي أو تعليم. لدينا فقط مهرجانات ومؤتمرات وصندوق أكاذيب. لم تعد لدينا صناعة أو زراعة أو صحة أو عدل. تفشى الفساد والنهب ومن يعترض يتعرض للامتهان والضرب والتعذيب. انتزعت القِلة المستغِلة منا الروح. الواقع مرعب، وفي ظل هذا الواقع لا يستطيع الكاتب أن يغمض عينيه أو يصمت. لا يستطيع أن يتخلى عن مسؤوليته".
هل كان مطلوباً من سحر خليفة، حقاً، أن تمتدح الوزير فاروق حسني؟ كيف فاتها أنه يعدّ اليوم الذراع الضاربة بالنيابة عن فريق سوزان مبارك ـ جمال مبارك في قطاع الثقافة والفنون؟ وأنه الرجل الذي تزكم الأنوف مباذله في حكايات الفساد وسرقة الآثار المصرية وفقدان المخطوطات النفيسة؟
ألم تقرأ كتاب "مثقفون تحت الطلب"، الذي صدر مؤخراً في القاهرة بتوقيع محمد عبد الواحد، المدير السابق للمكتب الإعلامي للوزير، والذي يسرد الأهوال عن هذا "الوزير الفنّان"؟ ألم تسمع سحر خليفة بنظرية فاروق حسني الشهيرة التي تقول إنّ المثقف نوعان: واحد يُشترى بعشوة وسفرة، وآخر تدفع فيه 10 آلاف جنيه ليس أكثر؟
ألا تتذكر سحر خليفة، وهي داعية الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وتحذير الفنان من إغراءات السلطة والمتسلطين، أنّ هذا الوزير يهيمن على الوزارة منذ 18 سنة، وأنّ هذه الفترة الطويلة لا تتناقض مع مبدأ تداول السلطة وتجديد الدماء ونوظيف الخبرات فقط، بل هي البوّابة الكبرى التي تتيح تكوين شبكات الولاء والمحسوبية والأزلام والأتباع، وتحوّل الوزارة إلى مزرعة شخصية؟
المعيب، من جانب آخر، أنّ الكاتب الألماني شتيفان فايدنر، الذي القى كلمة المشاركين الأجانب في الملتقى لم يقع ابداً في هذا المطب، فلم يمتدح وزيراً أو رئيس مجلس، رغم أنه بدوره معروف بالتزلف. على العكس تماماً، لأنه امتدح الحوار الثقافي بين الشعوب، واختتم بالقول: "خبر العرب هذه الحقيقة منذ الزمن البعيد، كما يقول المثل العربي اليد الواحدة لا تصفق، وهذا الجمع لديه فرصة لا تثمن لإقامة مثل هذا الحوار الثقافي".
وفي كلّ حال، هل أفضل طرائق مديح جابر عصفور أن تحوّله سحر خليفة إلى... عصفور؟ وأن يطير على أجنحته (وليس على جناحيه فقط) المشاركون العرب في ملتقى الرواية، الذين تنطق الروائية الفلسطينية باسمهم؟ أليس في هذا الكثير من التزلّف الشخصي المحض، الذي ليس بينه وبين النفاق فارق كبير؟
كانت الواحدة منّا ستفهم وتتفهم لو أن خليفة امتدحت دور عصفور الثقافي أو النقدي أو الأكاديمي أو حتى موقعه الوظيفي في المجلس الأعلى، وكنّا سنتفق معها أو نختلف ليس أكثر. أمّا أن ترى فيه صورة العصفور (من وحي كنيته فقط، إذْ أنّ الدكتور نفسه ما كان سيوافق على هذا التشبيه!)، فهذا حقاً بين عجائب المديح...
كان ينقصها أن تشبّه فاروق حسني بالسيف ذي الحسن والجمال، وأن تضيف إلى سجايا رئيس المجلس أنه العصفور... جابر عثرات الكرام!!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ذكرى وفاة الشاعر أمل دنقل.. محطات فى حياة -أمير شعراء الرفض-


.. محمد محمود: فيلم «بنقدر ظروفك» له رسالة للمجتمع.. وأحمد الفي




.. الممثلة كايت بلانشيت تظهر بفستان يحمل ألوان العلم الفلسطيني


.. فريق الرئيس الأميركي السابق الانتخابي يعلن مقاضاة صناع فيلم




.. الممثلة الأسترالية كايت بلانشيت تظهر بفستان يتزين بألوان الع