الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من الخروج من لبنان إلى السقوط في دمشق

علي الحاج حسين

2005 / 3 / 3
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


برهنت حكومة دمشق وللمرة التالية أنها تسير على هدى خطى الأسد الأب الذي سجل فشلا متكررا في الحقل العسكري والتحرير والوحدة والاشتراكية التي لم يتراجع عنها نظام أسد الابن، وبالتالي تتواصل السلسلة. وزاد في الطين بلة وصب على النار زيتا وسجل فشلا في أية حوار أو عملية سلام ولم يتمكن من استغلال الفرص. لكنه فشل في السياسة الخارجية من خلال نجاحه الباهر بتحويل أهل الحياد لخصوم، والأصدقاء لأعداء ألداء. وظل يتعلق بخيوط العنكبوت داخليا بذريعة "لا صوت يعلو على صوت المعركة" ونفذت كل أرصدته وشعاراته حين استنفذت مفعولها وصلاحيتها. وما فقدان المصداقية محليا وشعبيا ودوليا إلا نتيجة لقطع العهود والتلاعب بتزويرها ومن ثم الحنث بها، وكثير من المثقفين السوريين أخذوا جرعة خطاب القسم بمثابة حقنة تخدير، وما زال يراهن على مثل هذه الوعود الضبابية حتى اليوم من المتخشبين ممن يتربعون على كراسي "معارضجية" لا يفارقونها إلا على آلة حدباء محملين.
أفرغ باسم الشعب كل ما هو شعبي وجماهيري من محتواه وخلق منظمات رديفة للمخابرات مثل الشبيبة والطلائع الحزبية المسلحة والمظليين وجمعية المرتضى وغيرها، أعلن وفاة بعضها واستمرت مهمتها إخافة المواطن وتقطير حقوق المواطن بالقطارة وقدمت الحقوق الطبيعية لأي مواطن على أنها مكرمة وربطتها بإنجازات الأب القائد والحركة التصحيحية. يحاربون المواطن بلقمته وبلغ السيل الزبى.و
حتى أن النظام منذ مدة ليست بالقصيرة بدا يحضر النجارين لقولبة التابوت على شكل عرش جديد ويؤسس أحزابا تابعة تتصدر منصات التعارض في الخارج والداخل. تم تجاهل وجود الشعب تماما واعتبره كائنا غير مفكرا وعامله كقطيع يساق وفقا لأمزجة المتصرفين بشؤون البلاد، يزج بنا في حروب لا ناقة لنا ولا بعير فيها، يسوق خيرة الشباب إلى الجبهات المختلفة ويستشهد من يستشهد ليصير مسمارا في كرسي الحكم وليس في نعشه.

لم يفشل النظام السوري في السياسة الخارجية وحسب، بل فشل فشلا ذريعا في السلام مع الشعب، منذ استيلاءه على السلطة ابتسمت نيوب الليث كالحة وعلى الأخص في الثمانينات فأرعب الجميع وهدأ الحراك وساد السكون. وآتتا هذه السياسة أكلها في سجن تدمر ومن ثم سن تشريعات بدائية مجحفة قضى المئات من السوريين بسببها نحبهم ومنهم من ينتظر.
كما فشل النظام السوري في قراءة المستجدات على الساحة السياسية الدولية، ولم يحسن قراءة ولا حرف من التغيرات التي طالت العالم ولم يفهم الحراك الداخلي، ولم يتورع بعض المبررين وياتون له بأعذار أقبح من الذنب نفسه بحجة أن هناك مراكز الشد والجذب التي تدير الدولة من ذوي المصالح المتقاطعة مما يصعب قيادتها وهي سبب فشل رأس الهرم السلطوي بإحراز أي تقدم... معتبرين أن مجيء الرئيس محكوم بتوازنات، وكان ثمن الصعود لكرسي الرئاسة تصغير الدستور ليتناسب وسنه وعليه أن يراعي مصالح الحرس العتيق وأبناء المتنفذين من كارتيلات الاحتكار في سوريا؟
هذه مقدمة وتوصيفات لا يجهلها أحد وعزلة سورية التامة تحصيل حاصل للسياسة الخرقاء والعبثية والصبيانية المستمرة تجعل أي مراقب أن يستنبط نتائج مرعبة بالنسبة للسوريين واستنتاج سوداوي يصف المستقبل قبل حدوثه باعتبار أن السياسة هذه متواصلة والنتائج معروفة قطعا وما سيؤول إليه الحال ولو بعد حين. وطالما النظام لا يتعامل مع الظرف وفقا للمتغيرات بل وفقا لخطة يتفق عليها بين أركان إمبراطوريات الفساد السوري وراعيها والمتحدث باسمها ومقوننها فالوطن السوري يتطور خلفا ولا غرابة أن يتنفس السوريون الهواء ويشكرون مكارم النظام الذي أتاح لهم هذه المنّة، وقد تم خصي المثقف السوري وأحسن النظام تدجينه وترويضه وحاصر الأصوات القليلة الرافضة للركود وبطش بها وشردها في لمهاجر.
إن استشراف المستقبل غير المضيء تدركه أركان النظام ولكن كل فئة تنتظر أن يضحي قطب آخر بجزء من مصالحه ولا أحد يظهر مرونة فتصبر ولا تحتسب، وهذا ما يفسر التعنت في مجموع السياسات الجزئية في وجهها الخارجي الظاهري عبر ما يسمى بالمؤسسة الرسمية أو الدولة التي ليست إلا غطاء شكليا لواقع منقسم على نفسه ومصالح متضاربة لأقطاب متنازعة على مصالح وامتيازات تتحكم بكل مقدرات البلد.
النظام السوري الذي بين لكل العالم أنه يعتاش كأي طفيلي فقط في جو اللاسلم واللاحرب، ويرفض كل أشكال التسوية مع الإسرائيليين، اليوم النظام يحتضر وهو في النزع الأخير يطلب من إسرائيل الحوار بلا شروط، بل ويتملق ويعد بتنازلات ضخمة من أجل مد عمره على الحكم، بينما إسرائيل ترفض محاورته باعتبار أنه لم يعد يوحي بالثقة لحد واستمرار وجود هذا النظام أصلا مرهون بالوقت وبعض المتغيرات الدولية التي ستأتي عليه، وإسرائيل أثبتت أنها لا تصوغ سياساتها لأسابيع أو أشهر. وصار بينا أن البعث ككل الأنظمة الشمولية غير قادرة على توقيع سلام مع شعبها فما بالك مع إسرائيل.
الآن لا أحد يستغرب أن يشن النظام وعلى طريقة رفيقه صدام حربا مع دولة مجاورة من أجل مد عمره وأسهل أشكال الحروب أو إشعال الحرب الطائفية هو البقاء في لبنان، لأن الخروج من لبنان يعني السقوط في دمشق.
النتيجة التي تبدو من البدهيات، إن لم يغير النظام ما به فسوف يُغَيّر. وعليه أن يسارع وتمشيا مع متغيرات الواقع المتسارعة ألا يسير كما السلحفاة نحو التغيير. عليه أن يعجل بالمتغيرات ويشارك بصنعها ويبادر إليها لأنها ستفرض عليه وتجرفه العاصفة، وأن يعتق الناس ويبيح الحريات تحضيرا لتسليم السلطة وتمسكه بها سيعجل بزواله، بل سيقلب البلد عاليها على أسفلها وتدور الدوائر على الوطن بسبب رعونة وخراقة سياستة.
وما تجاهل أقطاب المراكز المتناطحة للخطاب السوري الداخلي إلا دليلا على استمرار الفوقية والتعالي على الشعب والوطن والركض وراء المصالح الشخصية ومصالحة من يحفظ هذه الامتيازات أنى كان. وعليه النظام سيؤكل كما أكل الثور الأبيض.

* علي الحاج حسين – سوري مقيم في بلغاريا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سرايا القدس: أسقطنا طائرة إسرائيلية من نوع -سكاي لارك- وسيطر


.. بالخريطة التفاعلية.. جيش الاحتلال يعود لمخيم جباليا ويكثف غا




.. صرخات فتاة فلسطينية على وقع القصف الإسرائيلي على قطاع غزة


.. رسميا.. مبابي يغادر باريس سان جيرمان نهاية الموسم الحالي




.. نٌقلوا للمستشفى.. دبابير تلدغ جنودا إسرائيليين في غزة بعدما