الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-مغامرة- جديدة بحثا عن عمل في مملكة الإله .. و يتكلم زراديشتي من جديد ..

جلال خشيب

2012 / 10 / 9
الادب والفن



لا أعرف لما أصبحتُ شخصا عدائيا غير متأدب كلما قابلتُ صحفيا يريد اختبار مستواي في الكتابة ، بدأت الحكاية هذه المرة من اتصال هاتفي تلقيته أمس لإجراء مقابلة عمل لإحدى الصحف التي سبق و أن تركتُ لها بيان سيرتي الذاتية منذ أشهر ، لم تكن لي أيّة رغبة في العربدة مجددا في حمى "آلهتنا المقززة" -كانت لي تجربة مماثلة دوّنتها هنا من قبل على إحدى المجلاّت الإلكترونية - .. وصلتُ متأخرا فلم أجد مقّر الصحيفة إلاّ بعد عناء و مسير ، جلستُ مواجها لصديقنا "الإله" فبدأ يقرّع رأسي ، كان يؤنبني –رفقة مترشح آخر- بسبب التأخر عن الموعد المحدد ، فكيف سنلتزم إذن بمواعيد الحضور إذا تمّ قبولنا لنكون تلامذة نجباء عند شيوخهم الأكابر ، و أخذ يُلقي دروسه في احترام المواعيد ، كانت بداية موفقة بالفعل ..
على كل حال بدأت المعركة أقصد المقابلة فطلب منّي أن أجري اختبارا كتابيا ، ان أكتب خبرا ما ، قلتُ له أنّي لا أكتبُ مجرد مقالات صحفية فهناك قضايا سياسية دولية و فكرية معينة بإمكاني أن أساهم فيها بقلمي ، كما لا يمكن أن تقيّم مستوى شخص ما من خلال مقال واحد ، أضف إلى ذلك أنّه لا تحضرني الآن أي فكرة عن أي موضوع فلستُ مصنعا يُفرّخ الأفكار و المقالات الجاهزة المُحكمة ذات المستوى العالي في كل لحظة ، الأمر يحتاج إلى تخمّر الفكرة في ذهن الكاتب لتنبثق دررا معرفية يخطّها قلمه العتيد.. أكتبُ منذ مدّة في مواقع إلكترونية عربية كما أنشط يوميا على موقع التواصل الإجتماعي فايسبوك ، منبر من لا منبر له ، على جداري ستجد الإنسان و على المجموعة ستجد الباحث و كلاهما يخطّ خطواته الأولى في طريق الإبداع بإذن الله ، بإمكانك إلقاء نظرة عابرة لتقيّم المستوى فإن أعجبك فبها و نعمت و إن لم يُعجبك فأرض الله واسعة .. كنتُ أحدّثه و كلّي ثقة عالية بكل حرف قلته ، لم أندم على شيئ ، لا على رفضي لطريقة اختبارهم هذا و لا على ثقتي بنفسي و التي تبدو غرورا صلفا في أعين البعض ، أردتُ أن أمرّر له فكرة مفادها أنّي لا أريد أن أرتهن لأحدهم مدّة من الزمن ليستغلني مجانا كما تُستغل البهائم ، هذا ما يفعله كثير من هؤلاء بثلة من الشباب الذي لم يجد له ملجأ إلاّ صحائف الرداءة .. قال مشككا : و من يدري فربّما تسرق مقالاتك من دكاترة و خبراء ، من يضمن لي أنّك صاحبها بالفعل .. كان يحمل بين يديه بيان سيرتي الذاتية فطلبتُ منه على الفور أن يرجعه لي ، فانزعج .. حقيقة لقد أصابني كلامه في مقتلي ، لا يخلُ يومٌ إلا و كتبت عن عُبّادِ الأصنام ، لا يُقيَّم الواحد منّا إلاّ بما يحمله من ألقاب ، دكتور هه تبا لهذه الشهادات التي ورّثت ذلا و هوانا في قلوب ضعاف العزائم ، قبرت مواهب شباب طموح و خلقت أوثانا و عبيدا نُسّاكا ... جالت في ذهني حينها أسئلةٌ عديدة : و من قال أنّ الدكاترة لا يسرقون ؟ و من قال أن لكل حامل لقبٍ قدرٌ و مستوى جدير بالإحترام ؟ لما لا زلنا نحتقر الشباب و لا نثق بإمكانياتهم ؟ إلى متى تستمر مأساة عالمنا العربي في قبر المبدعين و أصحاب الطاقات الخلاّقة ؟... حقيقة أعترف أنّي تصرفتُ مع هذا الشخص بطريقة فظّة فلم أستطع تمالك نفسي كلما سمعت كلمة إختبار أو دكتور ..
عُدتُ إلى البيت فورا أفكر بجدّ في أصنافٍ لأدوية مُخدّرة ترتقي بي إلى مكان عال بعيدا عن هذا العالم البائس .. أندثر من الوجود لأصير جزءًا من اللاوجود .. فأعانق العدم ... في مثل هذه الظروف المحبطة لا أجد سوى قلمي رفيقا مؤنسا ، الكتابة على جدار الوهم صارت لي عزاءا كلّما شعرتُ بظلمة الحياة ، إقتربت من الحاسوب لأخطّ كلمات على لسان زراديشتي حبيبي "حكيمُ الجبل" ، فقد أوحى لي هذا "الإله المقزز" بأشياء كثيرة بعيدا عن هموم حياتي الخاصة ، هواجس أمتي التي قصمت لي ظهر الشباب ، لقد سمح هذا "الإله" لزراديشتي في الانطلاق من جديد لينثر صواعق الحكمة من أعالي الجبل فتحملها السحاب ، صِرتُ أريد مزيدا من الانتكاسات و تحديات الوجود ، مزيدا من هواجس الفكر و كوابيس الحياة ، مزيدا من النبهاء و مزيدا من الحمقى كذلك .. هؤلاء فقط من سيُلهمني ، يُلهبني وهجا مقدسا ، يستفز قلمي لأتم قنبلتي و أفجر عبوة بارودي على مدائن السلام .. ثقته الزائدة بنفسه صنعت منّه إنسانا مغرورا ، كائنا متشائما متمردا يصنع انتكاسات حياته بكلتا يديه .. و لكنّها ستضمن له مكانا في عالم الخلود .. وحدها فقط من ستُكسبه ذاكرة في التاريخ و تاجا ذهبيا مرصعا بلآلئ المجد .. خُلق زراديشتي محاربا يرتدي درعا ، يحمل رمحا ، يُشهر سيفا و يمشي في غابات الليل يُصارع السِباع فترتعب الضباع .. خُلق ليكون مارقا في أعين العالم يشّن حروبه على الخلق و يحرمهم من سبات السلام .. خُلق ليكون متمردا يصنع رجالا خارقين ، جنودا بواسل يضعون أسسا جديدة لعالم يتلاشى شيئا فشيئا عن الوجود .. خُلق ليصنع نهاية مُرضية و أبدية .. لسيرورة التاريخ ..لقد انتهى عهد الديناصورات .. ألم تعقلوا بعد ؟ .. لقد صاروا أثرا مقززا في مزابل التاريخ ما إن انفجرت أناملكم إبداعا كمدافع الحروب .. فقط أَحكِموا إغلاق أنوفكم من روائحهم المنتنة المنبعثة من أجسادهم المتحلّلة ، عليكم بالصبر قليلا فلم يبقى الكثير حتى نشتّم هواء الأعالي .. هكذا تكلم زراديشتي حكيم الجبل ..

...

جلال خشيب باحث مهتم بالدراسات الدولية و الإستراتيجية ، الجيوبوليتيكا و الفلسفة السياسية ، جامعة منتوري قسنطينة / الجزائر ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تشجيع و تأييد
غادة ( 2012 / 10 / 9 - 21:27 )
أن تعيش من أجل مبدأ يعني أن تتحمل السير في وجه الاعصار ، لكن يبقى هذا أفضل من أن نكون مجرد أدناب و تبع ... معان قمة في التحفيز فجزاك الله خيرا على صدق الكلمة و نتمنى لك حظا أكثر توفيقا في المرة المقبلة ، و طبعا مع أقل الخسائر دائما .

اخر الافلام

.. موسيقى الجاز.. جسر لنشر السلام وتقريب الثقافات بين الشعوب


.. الدكتور حسام درويش يكيل الاتهامات لأطروحات جورج صليبا الفكري




.. أسيل مسعود تبهر العالم بصوتها وتحمل الموسيقى من سوريا إلى إس


.. فنانو الشارع يُحوِّلون العاصمة الإسبانية مدريد إلى رواق للفن




.. كريم السبكى: اشتغلنا على فيلم شقو 3 سنوات