الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذاكرة بطعم الخبز

رفقة رعد

2012 / 10 / 10
الادب والفن


في الحياة آنية تقتل آنية، فنتوهم ان للحياة زمن يمكن الامساك به وادراكه، ويمكن ان نزداد صراعاً للبقاء أو للأبدية، بينما تكمن الابدية في ما سنخزنه من لحظات نحملها معنا من شارع سرنا به يوماً أو من اكلة استطعمناها من يد فرحة بنا، ولربما نحمل رائحة نكدسها في جوف عقولنا نطلقها كلما دقت لحظتها ابواب ذاكرتنا. فهذا درويش يحن إلى خبز امه، واي خبز تحن إليه يا درويش ذلك المختوم بأنامل ( أم ) تكاد حدائق قلقيلية تنمو بين ممرات طبعتها.

روائح الخبز المؤلمة تولد في النفس جوع الحنين والذاكرة قبل جوع الجوف، حيث تستعيدنا الذاكرة لا نستعيدها ، بطقوس من حرارة و خشب ولفحات من نسيم يحرقنا ونحرقه، اذا ما طرنا مع لهيب الخبز أو تطايرنا.

لامستُ جِدار فنائنا الخلفي بحرارته المرتفعة التي تشعل مسامات الجلد ، خيل لي للحظة انه مريض، لكن لم يخيل لي ان يكون جزء من معاش عائلة أو لقمة طفل كثير الحركة، عندما يكون هذا الحائط ظهراً لتنور خبز. فلا نقطن الارياف و لا نقتات على الرعي لكننا نعيش في مدينة كل شيء فيها متوقع ويمكن تحمل فكرته.

فكرة ان تكون لفحات التنور الساخنة تؤذي رموشهن لتلفح ما تبقى من جمال أو يمكن ان تزيدهن جمالاً بترك بصمات الأحمر على وجنات تخشنت حرارةً، فما بال هذا التنور يحتضنكن ويحتضن سعادتكن التي دارت مع دورات فمه الأكول، وما بال هذا الحطب يزداد اشتعالاً على مسمع ضحكاتكن، اي سعادة واي حياة خلقتن هناك في فناء هو الفناء اللامعقول كأنه واحة من بجعات تتلاطم بإجنحتها تغتسل وتوشح برؤوسها خجلاً..

فناء خلفي بل قلعة يحرسها تنين يتربع بجلده السميك بين ذرات حائط يهدد بالسقوط، ونوافذ مسح الزمان عليها الوانه، حيث ارضية تُحدث الماء عن اقدام الراحلين وما تبقى من القادمين وعن فتات لامس يوماً ما ثناياه، هناك اتخذن جزيرتهن وخبزهن الملاذ الاخير لظهرن المتعب و لقطرات عرق شفقت على سواقيها.

كيف يمكن لهذه البقعة من الكون ان تأوي الحسناوات وتحتضن ارواح تسلسلت اقدامها وافواهها بسلاسل الممنوع، فخلقن خشبة مسرح في مؤخرة منزلهن يعرضن عليها مواهبهن و طقوسهن في العيش. فتبدأ الحكايات تسرد نفسها، فهذه تطلقت واخرى تزوجت، والغريب ان بنت فلان انجبت... فتسأل احدهن متى تزوجت؟ فتجيب الاخرى عندما كان اخوها في السجن..ويستمر الحديث ويطول انتظار الخبز بين ايديهن والدهشة لا تفارقهن بأخر الاخبار.

ذلك الفناء الروحي، ذلك المركز الانوثي الذي تستقر فيه اصوات نسائية استثنائية تتلفظ بحروف ممتزجة مع ابتسامة، حين يسرقن اوقات الصباح أو الظهيرة لينعمن بلحظة مشاركة لأخبار بعضهن، فتُستنشق من خلف الدار رائحة الخبز وصوت التنور الذي تتقطع انفاسه بين ضربات أكفهن في بسط العجين.

فليس بالغريب اننا نعشق الحرارة ونتلوى اشتهاءاً فيها، فكيف للتذوق ان يعمل على وقع البرودة التي تحاصرنا والتي لا يولد منها غير مرارة الرغبة لحرارة تلمنا أو تنجينا من ضراوة الجوع البرية.

خلف الدار تجتمع الالوان السبعة في لقائها الاول ، وتتنوع اغطية الاجساد بين الطري و الخشن، فتسقط كل قوانين الشريعة والحشمة، فيغدو المكان خالي الوثاق من حجاب يستر كل جميل...فالظفائر تظهر كما تحب ان تظهر، والاكتاف تكشف كما يحلو لها الكشف، والوجه بطبيعته تلفحه نيران التنور، وبقايا دقيق تجالس خدهن المسكين.

في الفناء النسوي تُسمع اللغة بطعم جديد فأنصتُ لهن يتلفظن بلهجة سومرية أكاد اسمعها اول مرة فإستحضر شبعاد تضحك وسميراميس تلّمِع سيوفها...فأضحك معهن واستشعرهن، استشعر ذلك الرعب الذي يسكنهن من صوت يصيح ، يطلق نداء التأخر قبل ان يضيق سلسلة خفهن فيخدش الجذوع ويسيل الرحيق.

هناك حيث يكمن العشق الاول والرسالة الاولى والرومانسية في ماهيتها الحقيقة، تتخذ النساء منها احياناً انطلاقة لحريتهن المخفية خلف الاسمنت، فتغدو السماء هي الحد الأوحد لأحلامهن وتغدو الارض تحتهن بساط أحمر ينقلهن من حكاية لحكاية ومن عصر إلى عصر.

فإي قانون يحق له الحكم على هكذا ذوات لها ارواح؟؟ واي قدرة تجعل من مساحة باربع جدران مكشوفة السطح صيوان سمر أو ديوان ترحيب ؟؟
في بلدي ما زالت الامهات يلدن الطقوس في فنائهن الخلفي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع