الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذاكرة بسبعة أيام

ياسين لمقدم

2012 / 10 / 11
الادب والفن




ليلتنا مزركشة بالتماعة المحاق، نجومها تخبوا فوق الغمام المزق في السماء. عبق ريح مشربة بمسك الليل توقظ فينا أحلاما بالخصب نرويه بماء السراب. وغصن زيتونة يميس بأزهاره وقد امتدت مياسمها تغازل فراشات المساء، والطيور استوطنت المزاريب بعد أن هجرتها مياه الأنواء. ومن سباتها خرجت الجذاجد لتعزف ألحانها النشاز دونما كلل لتمعن في الآرقين بالعناء. هوذا الفصل القائظ يبعث إلينا بآخر الرسائل عن دنوه الوشيك.

اليوم الأول
خرجنا وقد علقنا السدر المشبع بروائح البصل في نهاية قصبة لنلوح بها في السماء، نطارد خفاشا بين الحواري لساعات طوال من كل مساءات عطلتنا الرتيبة، إن أوقعناه نبادله في الغداة بدرهمين من كسب عراف يرهبنا حاجباه المقطبين. ومن الباكرة وقبل الرواح ننصب فخاخا حمراء من نحاس لعصافير البر نختار لطعمها خبزا أحمر، ونرابض لها في اسطبل عن غفلة من حارسه الأعرج حيث تختلط الروائح والحشرات والمتسولون.

اليوم الثاني
ثم نبدأ يوما مختلفا بالنزول إلى الوادي، حيث سنسبح في مياه اختلطت بروائح الحلفاء، ونعرج في عودتنا على وسط المدينة فنهاجم فتيان القصبة بما جمعناه من خضر متعفنة، ويحتدم العراك بين حواريها الضيقة، ومن ضل منا وسلك دريبة لا مخرج لها تلقى عقابا من الأعداء. ولا تنتهي القلاقل إلا باندحار فرقة منا أو بتعالي استنكارات المصلين القاصدين المسجد للمغرب والعشاء . نتسامر على الكلام المكرور. وينتصف الليل ولما نزل بعد نطوف بين الأحياء. ونتسلل إلى المنازل بقليل قبل أن يخرج لصلاة الفجر الآباء.

اليوم الثالث
في الطريق إليه يصطف الباعة وتختلف المبيعات، ملابس جديدة ومستعملة، دراجات، حصائر وزرابي، أغراس ومبيدات وغير هذا. نحمل في أيدينا قففا ننوي التبضع. نراقب في طريقنا إلى باب السوق الكبير كل الوجوه، منها من نعرفها فنبادلها التحايا السريعة، والعديد منها تبدو غريبة وقد أنهكها الثقل الذي تتأبطه من أكياس ملؤوها باكرا مما جاد السوق بما جد من بضائع. نصم آذاننا عن دعوات متسول يفترش زربية ينادي أهل النيات الحسنة كي يجودوا بما شاءوا. ندخل عبر باب كبير متحاشين العربات الحديدية التي يدفعها العتالون وقد حملوها مقتنيات الناس. وبعد أن ننتهي من الشراء نسلم متاعنا إلى حمال سيوصلها دونما حاجة إلى مرافقته. ومكوثنا يطول متجولين بين حلقيات الرواة وطاولات النرد إلى أن تفرغ جيوبنا فنرجع على أعقابنا خائبين.

اليوم الرابع
كل واحد منا سيدفع نصف درهم لحكم المباراة، ثم ننطلق في مطاردات ومراوغات فكبوات واحتجاجات وتتوالى الأهداف سراعا، لنا وعلينا، لتنتهي المقابلة من دون صافرة وبنتيجة مبهمة. فنطالب جميعنا الحكم بالغنيمة، نتجمع حوله صارخين متعثرين في أقدامنا الصغيرة، فيلوح غاضبا مزمجرا إلى السماء بقبضته القوية فيرخي ما بها من قطع نقدية، فنتدافع إليها ونتعارك، وأكيد قد احتفظ لنفسه بمبلغ مهم ليغادر الملعب معبرا عن خيبة أمله لقراره بالتحكيم للصبية.

اليوم الخامس
نطوف بين أركان المدينة، من مشارف الوادي إلى ما وراء القبور الرخامية المنبوشة ثم صعودا إلى غابات الصنوبر فنزولا عبر حقول الزيتون، نبحث عن نعال البلاستيك الممزقة، وعن أسلاك نحاسية أو قطع ألمنيوم، سنبيع كل هذا إلى تاجر بدرهم أو إثنين، فاليوم تعرض السينما جديدها الأسبوعي.

اليوم السادس
نحكي بكل زهو عن مغامرات بطل الأمس لآذان تتلقف كل التفاصيل لتعيد الحكي وباستزادة، ثم نتوارى بين الحيطان إلى نهاية صلاة الجمعة فنسأل من حضرها عن موضوع خطبتها تحسبا للإستفسارات أمام قصعة الكسكس.

اليوم السابع
للحسون نرابض في عيون الماء وقد زرعنا لها شراكا بلاصقات دسسناها في سعوف الحلفاء. نحتجز الطرائد الصغيرة في أقفاص صنعناها من خشب وأسلاك لربائط التبن نجمعها من متلاشيات الحضائر، لنقايض بها كرة أو جروا أو نحررها جذالى في سواد المساء. نقضي حمرة المغيب بدماء متدفقة متسارعة في العروق على أركان الدروب، نتطلع إلى رفلة حسناء قد تمر، أو نقول، قد مرت ولم نكن، حتى لا يخيب أبدا فينا الرجاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جائزة العين الذهبية بمهرجان -كان- تذهب لأول مرة لفيلم مصري ?


.. بالطبل والزغاريد??.. الاستوديو اتملى بهجة وفرحة لأبطال فيلم




.. الفنان #علي_جاسم ضيف حلقة الليلة من #المجهول مع الاعلامي #رو


.. غير محظوظ لو شاهدت واحدا من هذه الأفلام #الصباح_مع_مها




.. أخرهم نيللي وهشام.. موجة انفصال أشهر ثنائيات تلاحق الوسط الف