الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسألة الاساسية في العدالة الاجتماعية

عدنان فارس

2012 / 10 / 11
ملف حول المنتدى الاجتماعي العالمي، ودور الحركات الاجتماعية والتقدمية في العالم العربي.


التفكير هو نتاج مادة حية عالية التنظيم نسميها الدماغ ودماغ الانسان وحده الذي يتمتع بهذه الخاصية والتي تميز الانسان عن بقية الكائنات الحية.. ويرتبط الانسان، منذ البدء وعلى الدوام بعلاقات، ضرورية موضوعية متنوعة ومصيرية، مع الطبيعة والمجتمع.. فبخصوص العلاقة مع المجتمع فانها، في جانب منها، بدأت علاقة عوز الى حد الموت احياناً وفي جانب آخر علاقة قهر واستلاب الى حد الاسترقاق والاستعباد وليست العلاقة مع الطبيعة بأرحمَ حالٍ من العلاقة مع المجتمع. فالعلاقة هنا هي مع طاغية غير العاقل وذي اسرار لامنتهية أبدا.. ورغم الانتصارات التاريحية الكبيرة والمؤثرة نسبياً التي حققتها البشرية في الصراع مع الطبيعة ولكن محدودية هذه الانتصارات ورغم ماساهمت به في التخفيف من بعضٍ من هموم البشرية إلا أن الكثير المتبقي من ألغاز وأسرار الطاغية غير العاقل تجعل الانسان في صراع دائم لامنتهي مع الطبيعة سلاحه الرئيسي في هذا الصراع هو التفكير واستحدام الدماغ في فرز التراكمات المعرفية والاستفادة من الاخفاقات وتوظيف كل ذلك في تحقيق الانجازات العلمية وخاصة في مجال الآلة والتخطيط والاتصالات وكذلك فيما يخص خطوات التقدم على طريق الحقوق ومنها مايتعلق بالعدالة الاجتماعية، موضوعنا اعلاه.
العدالة الاجتماعية والفلسفة:
العدالة الاجتماعية هو منطوق قديم قدم علم الفلسفة. وكما ان للفلسفة مسألتها الاساسية تَمثلَ حلها في صياغة وتكوين نظرة عن الكون. الجانب الاول في مسألة الفلسفة هو أسبقية كل من المادة اوالوعي على الآخر والجانب الثاني هو البت في لانهائية او نهائية الكون.. وكما هو معروف فقد جاءت انجازات العلم المختبري ونظريات التطور والنسبية واكتشاف قوانين حركة الطبيعة والمجتمع والمنجزات العلمية والعملية في مختلف المجالات جاءت لتشكل نصراً مبيناً لصالح الحل الذي صاغه المعسكر المادي في الفلسفة مقابل ضيق رؤى المعسكر المثالي وخطل افتراضاته اللاهوتية... اقول فإن في بناء العدالة الاجتماعية هناك ايضاً مسألة أساسية بجانبين مترابطين يستدعي احدهما توافر الآخر، على ارض الواقع وليس في الكتب ولا في النوايا الطيبة، لتحقيق العدالة الاجتماعية وجعلها واقعاً مُعاشاً يؤدي بالضرورة الى أن "عالماً آخرَ ممكن".
شهد تاريخ البشرية الكثير من الاشخاص ومنهم على مستوى أنبياء ومصلحين وفلاسفة والكثير من النظريات ومنها على مستوى أديان وعلى مستوى تحليلات وتعاليم دعوا ونادوا الى وضع حد لظلم الانسان لأخيه الانسان وإقامة مجتمع العائلة الانسانية الواحدة القائم على العدالة والتآخي داخل وبين مجتمعات بني البشر وقد شهد التاريخ السياسي الحديث رحلات طوية وشاقة "في طريق البناء العادل" ولكن النتيجة كانت العودة النادمة والخائبة وحتى من دون خفي حنين.. وهنا انبرت مارغريت تاتشر تصف رحلة روسيا واتحادها السوفييتي التي دامت 73 سنة في غياهب العدالة والحقوق بتعبير منطقي ودقيق رغم انه موجع وهو: "لقد اختار الاتحاد السوفييتي اطول طريق للرأسمالية".
ان الجانب الاول في حل المسألة الاساسية في العدالة الاجتماعية هو التطور الاقتصادي الذي تكفله وتوفره الراسمالية المتطورة وهذا ماأكد عليه كارل ماركس حينما شبّه الاشتراكية بأنها جنين ينمو ويترعرع في رحم الرأسمالية المتطورة ولكن الذي لم يعره ماركس، ولا الماركسيون ممن كانوا معه وممن خلفوه، ادنى اهمية ولا اعتبار هو الجانب الثاني في المسألة الاساسية للعدالة الاجتماعية ألا وهو الديمقراطية السياسية وقد استعاض عنه بدكتاتورية الطبقة "ديكتاتورية البروليتارية" والتي فيما بعد اعتمدها لينين وفريقه كطريق وأداة لبناء الاشتراكية وتحقيق العدالة الاجتماعية "عبر طريق التطور اللاراسمالي" اي وبمعنى أوضح قد تم إجهاض الجنين من خلال تمزيق الرحم الذي ينمو ويولد فيه لتعم المصائب والاحزان ويسود البوس والحرمان كامل مكونات الاتحاد السوفييتي ومن ثم اروبا الشرقية والكثير من دول ومجتمعات العالم الثالث ومما ادى الى عرقلة كامل عملية التطور التاريخي للبشرية باتجاه السلام والرُقي والعدالة.
ان نظام الحكم القائم على العلمانية والديمقراطية، معاً وفي آن واحد، والذي يمكن ضمان توافره ليس فقط بفصل الدين عن الدولة وانما بفصل العقيدة السياسية بكل اشكالها الاصولية، الشيوعية والقومية والدين، عن إدارة شؤون الدولة والمجتمع,, وحيث ان تجارب انظمة الحكم العقائدية التي عاشها واكتوى بنارها العديد من دول وشعوب العالم منذ 1917 اثبتت هذه التجارب خطورة انظمة الاصولية السياسية وقدرتها الفائقة والسريعة على التدمير والتخريب.. اقول ان نظام الحكم الذي يسترشد في وضع خططه وصياغة برامجه بمعطيات وإشارات الواقع الاقتصادي (السوق وحاجات الناس المتزايدة والمتنوعة) وبمستوى تطور العلوم ومقتضيات توفير وتقديم الخدمات على اساس ارقى التكنيك والتنافس العلمي والتكنولوجي وفي اجواء يسودها السلام والديمقراطية والتفاهم على المصالح المشتركة بين الدول والشعوب وليس سباق التسلح وعسكرة المجتمع وإشاعة الكراهية والفساد والمزايدات العقائدية الديماغوجية انما هو الكفيل بحل المسألة الاساسية في العدالة الاجتماعية من خلال توفير المستلزمات لتحقيق شرطَيها ألا وهما التطور الاقتصادي والديمقراطية السياسية وهذا ماتضمنه وتوفره انظمة الحكم القائمة على الواقعية السياسية وليس نقيضها المدمر المتمثل في انظمة حكم الاصولية السياسية التي من اولوياتها إلغاء الآخر حتى لو كان هذا الآخر كل حقوق الانسان في بلدانها والبلدان الاخرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اشكاليات لازال حلها تحت المجهر
محمد البدري ( 2012 / 11 / 2 - 02:05 )
بلا ادني شك فان الديموقراطية والعدالة لم تتحققا في ظل الدكتاتوريات، كل انواع الدكتاتوريات. فالوعد بهما في ظل دكتاتورية البروليتاريا لا يقل عن وهم العدل الذي قالت به اللاهوتيات الدينية جمعاء. فكلاهما علي وعي بان هناك فروق واختلافات يستحيل القفز فوقها وعالجتها ولازالت البشرية في وضع الحيرة إزائها في كيفية تنظيم المجتمع كليته بفروقه الداخلية والتي تمثل شرطا للوجود المتنوع بالضرورة. ربما كان الفرز عبر نهم الراسمالية للربح باعلي قدر قد حقق نوعا من التقييم العادل لمن يختلف طبقا لقدراته المكتسبة أو الطبيعية في تحقيق مطالب النظام الرأسمالي لكن يبقي كيف يمكن يمكن توفير بيئة ليصبح الجميع علي قدر متساو من اكتساب الخبرة والمعرفة لتحقيق حياة فضل ينتفي معها الظلم وتتحقق فيها المساواه في الفرص وبالتالي عدالة نسبية افضل، لو أن الرأسمالية قادرة علي استيعابهم. وفي نفس الوقت القدرة علي احتواء هذه الاعداد الغفيرة التي تتوالد بلا ضابط نتيجة نشاط جنسي يفوق بنشاطه الفسيولوجي نشاط الانتاج السلعي بذلا للعمل. شكرا وتحية وتقدير.


2 - اشكاليات لازال حلها تحت المجهر
محمد البدري ( 2012 / 11 / 2 - 02:06 )
بلا ادني شك فان الديموقراطية والعدالة لم تتحققا في ظل الدكتاتوريات، كل انواع الدكتاتوريات. فالوعد بهما في ظل دكتاتورية البروليتاريا لا يقل عن وهم العدل الذي قالت به اللاهوتيات الدينية جمعاء. فكلاهما علي وعي بان هناك فروق واختلافات يستحيل القفز فوقها وعالجتها ولازالت البشرية في وضع الحيرة إزائها في كيفية تنظيم المجتمع كليته بفروقه الداخلية والتي تمثل شرطا للوجود المتنوع بالضرورة. ربما كان الفرز عبر نهم الراسمالية للربح باعلي قدر قد حقق نوعا من التقييم العادل لمن يختلف طبقا لقدراته المكتسبة أو الطبيعية في تحقيق مطالب النظام الرأسمالي لكن يبقي كيف يمكن يمكن توفير بيئة ليصبح الجميع علي قدر متساو من اكتساب الخبرة والمعرفة لتحقيق حياة فضل ينتفي معها الظلم وتتحقق فيها المساواه في الفرص وبالتالي عدالة نسبية افضل، لو أن الرأسمالية قادرة علي استيعابهم. وفي نفس الوقت القدرة علي احتواء هذه الاعداد الغفيرة التي تتوالد بلا ضابط نتيجة نشاط جنسي يفوق بنشاطه الفسيولوجي نشاط الانتاج السلعي بذلا للعمل. شكرا وتحية وتقدير.

اخر الافلام

.. اجتهاد الألمان في العمل.. حقيقة أم صورة نمطية؟ | يوروماكس


.. كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير




.. ما معنى الانتقال الطاقي العادل وكيف تختلف فرص الدول العربية


.. إسرائيل .. استمرار سياسة الاغتيالات في لبنان




.. تفاؤل أميركي بـ-زخم جديد- في مفاوضات غزة.. و-حماس- تدرس رد ت