الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أثر صفقة غاز الجنوب بين الحكومة العراقية وشركة شل على الأقتصاد العراقي

محمد علي زيني

2012 / 10 / 12
الادارة و الاقتصاد


قام الدكتور الأقتصادي علي مرزة بنشر دراسة باللغة الأنجليزية في النشرة الدورية
(Energy & Geopolitical Risk, Volume 3, No. 9 October 2012)حول تسعير وربحية صفقة غاز جنوب العراق المعقودة بين الحكومة العراقية وشركتي شل ومتسوبيشي. ثم قام كاتب هذه السطور بالتعقيب على استنتاجات تلك الدراسة وآثارها على الأقتصاد العراقي، ونشر ذلك التعقيب على شبكة الأقتصاديين العراقيين. ومن أجل تعميم الأستنتاجات بخصوص الأنعكاسات الخطيرة المؤذية للأقتصاد العراقي والناتجة عن تلك الصفقة، يقوم الكاتب بنشرها أدناه كما وردت على شبكة الأقتصادييين العراقيين.

الأعزاء جميعاً
إطلعت على الدراسة القيمة التي تفضل بها الزميل الدكتور علي مرزة بخصوص تقييم ربحية عقد الغاز بين شل/متسوبيشي وشركة غاز الجنوب بناءً على افتراضات معينة. وإنني هنا لست بصدد مناقشة الدراسة بذاتها، إذ لا شك أنها دراسة مهنية جيدة يستحق عليها الكاتب الثناء والشكر. غير أني أود التعليق بخصوص ما توصلت إليه الدراسة حول تقدير معدل عائد الأستثمار البالغ 23% الذي ستحصل عليه شل + متسوبيشي بعد دفع الضريبة وذلك باستثمار 8.43 مليار دولار.

أولاً: أن الأستثمارات التي ستقوم بها شل/متسوبيشي بالمشاركة مع شركة غاز الجنوب إنما هي استثمارات عادية خالية من أية مخاطر. وهي، من جهة أخرى، لا تجلب الى العراق أو تستغل تكنولوجيا فريدة لا تتوفر عند الغير. إن هكذا استثمارات لا تستحق عائداً يتجاوز 10% بعد دفع الضريبة وهذا أقصى ما يرجو أن يحصل عليه أي مستثمر يوظف أمواله بمثل هذه العمليات. إن فائض الربح – أو الريع بالأحرى - الذي تستولي عليه شل/متسوبيشي من هذه العملية إنما هو تفريط بأموال الشعب العراقي المغدور تتحمل تبعته الحكومة الحالية بصورة عامة ووزارة النفط بصورة خاصة.

ثانياً: إن مما يؤيد قولي أعلاه – من حيث إرتفاع عائد الأستثمار بدون مبرر - هي الأستنتاجات التي توصل لها الدكتور مرزة في حالة اعتبار العقد على أساس خدمة وليس مشاركة بالأنتاج. إذ تبين أن الأجور، على أساس البرميل المكافئ، التي يتعين تقاضيها من قبل شل + متسوبيشي من أجل الحصول على عائد بين 15% الى 25% بعد الضريبة يجب أن تكون أعلى بكثير مما حصلت عليها الشركات – ومن بينها شل – في دورتي التراخيص الأولى والثانية (2009/2010).

ثالثاً: إن الأقتصاد العراقي شبه ميت بالوقت الحاضر وتتحمل الحكومة العراقية مسؤولية إعادة الحياة له أولاً وأخيراً. إن أفضل وأكفأ طريقة لأحياء الأقتصاد العراقي وخلق فرص عمل مجزية للمواطنين هي باستغلال موارده الطبيعية الوفيرة في بناء قطاع صناعات تحويلية ناجح، والغاز الطبيعي العراقي هو أفضل الموارد لهذا الغرض نظراً لوفرته ورخصه. فهو إضافة لكونه مصدر نظيف لتوليد الطاقة الكهربائية - وما أحوج العراق لها بالوقت الحاضر - فهو مادة أولية رخيصة الكلفة في الصناعات البتروكيمياوية. أضف إلى ذلك أن الغاز الطبيعي يدخل كمادة أولية في إنتاج الأسمدة – أليس القطاع الزراعي بأمس الحاجة الى الأسمدة الكيمياوية؟ إن أفضل وسيلة لبناء قطاع صناعي عراقي للبتروكيمياويات قادر على أختراق الأسواق العالمية هو استغلال السعر البخس للغاز العراقي وبالتالي أنتاج بتروكيمياويات رخيصة بأسعار تنافسية. ذلك ما قامت به السعودية، فهي تجهز الغاز الطبيعي الخام الى معامل البتروكيمياويات داخل السعودية بسعر 0.75 دولار (75 سنت) لكل ألف قدم مكعب، وقد أقنعت السعودية – بعد مفاوضات طويلة دامت نحو عشر سنوات - منظمة التجارة العالمية بقبول هذا السعر الواطئ دون اعتباره مدعوم (subsidised) باعتبار أن الغاز المجهز للصناعات البتروكيمياوية هو مادة عرضية (غاز مصاحب) في حين أن النفط هو الذي يتحمل كلفة الأنتاج. أضف الى ذلك أن هذا الغاز – وهو مجهز الى الأسواق المحلية - لا يتحمل كلفة تسييل أو نقل كما هي حالة الغاز المستورد من قبل اليابان أو أوربا والمستعمل في الصناعات البتروكيمياوية. وبهذه السياسة الحكيمة أصبحت السعودية بواسطة شركتها سابك، وهي أكبر شركة بالشرق الأوسط، من بين أكبر مجهزي البتروكيمياويات بالعالم. وبسياستها الذكية والحكيمة في استغلال الغاز الطبيعي، وهي تملك مرتين ونصف ما يملكه العراق من الأحتياطيات الثابتة للغاز الطبيعي، فإن السعودية لا تصدر، ولا قدم مكعب واحد، من غازها الطبيعي الى الخارج.

أما في حالة العراق، فقد كان بأمكان الحكومة العراقية أستغلال أتفاق السعودية مع منظمة التجارة العالمية باعتباره سابقة (precedent)، ولكنها لم تعر أية أهمية لهذا الأمر ووافقت على خدعة/مهزلة تكوين شركة غاز البصرة وشراء الغاز الخام من شركة غاز الجنوب بأسعار ترتبط بالأسعار العالمية ثم معالجة الغاز وبيع الميثان لتوليد الطاقة الكهربائية و/أو تسييله وتصديره الى الخارج، وبيع الأيثان كمادة أولية للصناعات البتروكيمياوية. وبهذه العملية الخرقاء أجهزت الحكومة على تنافسية الصناعات المحلية الخفيفة والمتوسطة التي كان من المفروض أن تحصل على طاقة كهربائية رخيصة نتيجة لرخص الغاز، وكذلك أجهزت على تنافسية الصناعات البتروكيمياوية المباعة بالسوق المحلية أو الأسواق العالمية. ولا ينفع بعد ذلك دعم اسعار الغاز من قبل الحكومة (شركة غاز الجنوب) لتحسين تنافسية المنتجات المذكورة لأن منظمة التجارة العالمية لا تقبل الدعم وتفرض أتاوات على السلع المدعومة لأزالة آثار الدعم، باعتباره يؤسس لمنافسة غير عادلة في الأسواق.

رابعاً: إن وحدة تسييل الغاز، بكلفة 4,400 مليون دولار، وهي كلفة أولية تقديرية ستزداد كما ازدادت الكلفة الكلية من 12 مليار دولار في البداية الى 17.2 مليار دولار حالياً، وهذه بدورها ستزداد أيضاً، لا حاجة لها وإنما يُراد بها توريط العراق منذ البداية باستثمارات ضخمة في بنية تحتية متكاملة لتسييل الغاز العراقي حتى يبقى بعد ذلك أسيراً لتلك الأستثمارات وهي صُمّمت أساساً لمصلحة شل وحليفتها الأصغر متسوبيشي. علماً أن المصنع العائم لتسييل الغاز (floating LNG plant) هو من مبتكرات شل، وربما ستكون وحدة التسييل هذه هي التكنولوجيا الوحيدة التي ستجلبها شل + متسوبيشي الى صفقة الغاز العراقية. ولكن هذه التكنولوجيا سوف لن يكون العراق بحاجة إليها إلا إذا أُريد به أن يصبح مُصدّراً للغاز السائل، وهذه مأساة أو مهزلة أخرى.

لقد حاولت مراراً ومنذ البداية تنبيه المسؤوليين العراقيين، كتابةً أو وجاهةً، من مطب مشروع إستغلال الغاز الطبيعي العراقي الذي تقدمت به شركة شل الى الحكومة العراقية. وفي مرة من المرات، خلال مؤتمر لخبراء النفط دعت إليه الحكومة العراقية في 2009 لأجراء مراجعة شاملة للسياسة النفطية العراقية، كلمت الدكتور حسين الشهرستاني، وزير النفط آنذاك، ونائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة حالياً، عن المشاكل والصعوبات الأقتصادية الذي سيثيرها مشروع الشراكة مع شل، فأجابني بأن ما أدعو له أنا هو نفس ما تدعو له وزارة النفط ولا حاجة للقلق، ولكن يبدو، بعد أن تم توقيع العقد، أن الوزير في إجابته تلك لم يكن جاداً وكلامه كان مجرد "جفيان شر" ليس إلا.

ختاماً أرجو أن لا يصيب زملائي الأعزاء في شبكة الأقتصاديين أي شعور بالأحراج وفي كلامي أعلاه لوم وتقريع لمسؤولين عراقيين كانوا وراء العقد الذي سيسبب أذىً كبيراً للأقتصاد العراقي خصوصاً إذا اعتُبر هذا العقد كمثال يُحتذى به من قبل شركات أخرى تطمع في شراكة العراق بالأستثمار في احتياطيات أخرى من غازه الطبيعي. إن وجوب تطوير شبكة الأقتصاديين العراقيين كمجموعة ضغط مؤثرة (effective pressure group) ولكن محايدة بنفس الوقت هو هدف مهم ويستحق كامل التأييد. على أننا يجب أن نضع تعريفاً معقولاً للحياد الذي نبتغيه. إن الشبكة يجب أن تقف على الحياد بين الأحزاب والكتل السياسية المختلفة الأهواء والتوجهات والتي يعج بها العراق بالوقت الحاضر، وهذا أمر مطلوب. ولكن الحياد يصبح لا معنى له إذا كان الأختيار هو أما أن نقف بجانب "السلطان" أو بجانب الشعب. في هذه الحالة يصبح الأنحياز – وليس الحياد – هو الأوجب. بمعنى آخر يتوجب علينا الأنحياز في هذه الحالة الى جانب الشعب والمصلحة الوطنية.

مع فائق تقديري واحترامي
د. محمد علي زيني








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أبو راقية حقق الذهبية.. وحش مصر اللي حدد مصير المنتخب ?? قده


.. مين هو البطل الذهبي عبد الرحمن اللي شرفنا كلنا بالميدالية ال




.. العالم الليلة | -فض الاعتصامات- رفض للعنف واستمتاع بالتفريق.


.. محمد رفعت: الاقتصاد المعرفي بيطلعنا من دايرة العمل التقليدي




.. هل تستثمر في حقيبة -هيرميس- الفاخرة أفضل من الذهب؟