الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- أمان الله خان- ذكريات أفغانية .

صالح حمّاية

2012 / 10 / 12
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


قد لا يصدق من يرى حال أفغانستان اليوم مع كل تلك الهمجية و التخلف والعنف الذي يعصف بهذه البلاد أن هذا البلد قبل حوالي المائة سنة قد أستطاع بإمكانياته الفردية طرد الجيوش البريطانية من على أرضه ، بل وفرض توقيع اتفاقية "روالبندي" التي ضمنت الاستقلال له بدون أي مساعدة خارجية ... عموما قد يبدو الأمرغريبا ...لكن هذا ما حصل !!، لكن طبعا حصل هذا الأمر في فترة كانت فيها الأمور مختلفة ، فأفغانستان قبل مئة سنة لم تكن هي نفسها كما هي اليوم حيث الميليشيات الدينية والرعب و الدمار ، بل كانت مملكة لها مكانتها في العالم خاصة في فترة حكم الملك التقدمي حينها " أمان الله خان " (1919- 1929) الذي قاد الثورة ضد البريطانيين وحاول النهضة ببلاده ، ولولا النكسات التي لحقت به لكان مقدرا لأفغانستان في عهد ه ان تكون من الدول العظيمة .

أمان الله الذي كان مولعا بالبلاشفة و العثمانيين حينها حاول المضي هو الأخر بأفغانستان على خطى تركيا نحو العصرنة بعيدا عن التخلف المزمن الذي كان يسكن الشرق حينها ، حيث مشى في تحديث المجتمع الأفغاني على خطى كمال أتاتورك بتنفيذ إصلاحات جذرية في المجتمع بدءا بإعلان أفغانستان كدولة علمانية مقلصا بهذا دور رجال الدين في إدارة شؤون الدولة ، ثم منعه للعبودية ، و أيضا شروعه في تطوير التعليم الذي ضمنه تدريس الإناث و البدو وهي خطوة كبيرة في ذلك الوقت ، هذا بالإضافة أيضا إلى سعيه في تحرير المرأة حيث مثلت الملكة "ثريا ترزي" زوجة أمان الله حينها النموذج للمرأة العصرية بالنسبة للأفغانيات حين تخلت عن الزي التقليدي و اقتحمت الحياة العامة ، هذا طبعا عدى إصلاحاته في المجال الاقتصادي كتحديده لأراضي الملالي ورؤساء العشائر. وفرضه للضرائب على بعض القبائل التي كانت معفاة من النظام ضريبي ، ثم قيامه سنة 1928 بجولة لمدة ستّة أشهر في أوروبا. و التي قام فيها بعقد عدة اتفاقيات تجارية ومعاهدات صداقة مع الايطاليين و الفرنسيين ليحصل بموجبها على صفقات اقتصادية معهم، الأمر الذي فتح لأفغانستان أبواب العالم على مصرعيها لأفغانستان لتكون دولة لها قيمتها .

لكن للأسف حلم أمان الله لشبعه لم يكتمل ، فالبريطانيّون بعد تلك المحاولات التحديثية التي كانت صادمة بالضرورة للشعور العام للأفغان  استغلوا الوضع و شكّلوا مع ملاك الأرضي و رجال الدين الذين صودرت أراضي الأوقاف منهم وقلصت سيادتهم ، شكلوا جبهة للإطاحة بالملك حيث قاموا بتهييج الأفغان على أمان الله بدواعي انه ينتهك الأعراف الدينية و انه يعتدي على تقاليد الشعب الأفغاني ، الأمر الذي أدى إلى قيام ثورة شعبية أنتهي بها الأمر بالإطاحة به لصالح سلطة موالية للانجليز و انهيار مشروعه التحديث الذي دشنه ، الأمر الذي انتهى إلى خسارة الأفغان لفرصة كبيرة للنهضة ببلدهم ، لكن المؤسف أكثر بالنسبة لأفغانستان أن هذا الأمر عاد ليتكرر مرة أخرى و بنفس الطريقة بحيث انتهى الأمر إلى كارثة أسوء من الكارثة التي حلت بها المرة الأولى ، فأمريكا وفي سبيل ضرب السفيات خلال صراع الحرب الباردة ، استعملت نفس الخديعة التي نفذها البريطانيون مع الأفغان حيث قامت بتهييجهم على الحكم الشيوعي الموالي للسفيات تحت نفس المسميات كالكفر ومعاداة الدين بحيث كونت لها بعض الميليشات الدينية المتطرفة التي مدتها بالسلاح و المقاتلين لضرب النظام الحاكم، ما أدى في الناهية إلى انهيار الحكم الشيوعي في أفغانستان ، لينتهي الأمر بأفغانستان في يد الميليشيات الدينية و تجار المخدرات .

لقد كان يمكن لأفغانستان لو أتحيت لها الفرصة تحت قيادة أمان الله أن تذهب بعيدا في محاولاتها للنهوض ، وهي بهذا لم تكن لتغير وجهها فقط ، بل و وجه العالم أيضا فهي إلى اللحظة ورغم ضعفها لا تزال تلعب دورا هاما في تاريخ العالم ، فكيف لو كانت دولة قوية لها سيادتها ، ولو كحال تركيا الأن على الأكثر .

إن قصة أفغانستان هذه تقول " أن لا أمة مقدر لها ان تبقى متخلفة .. فالجميع يحظى بفرصة .. يبقى فقط أن تختار هذه الأمم الخيار الصحيح في الوقت الصحيح .. فالأغبياء لا مكان لهم ، وأيضا أن على الأمم أن تتعلم من تجاربها ، فالتاريخ قد يغفر مرة للذين يخطؤون لكنه بالقطع لن يغفر لههم مرة أخرى" .

إن ما يمكن قوله في سرد هذه الذكريات الأفغانية أن مشكلة أفغانستان و ربما مشكلة الشرق كله ، "أنه لا يتعلم" فما يمكن أن نعيه من هذا التاريخ أن ما فشل مرة سيفشل دائما ، أو على الأقل مادامت الظروف التي يعاد فيها لم تتغير ، وهذا هو الحال مع جميع الذين ساروا وسيسيرون على خطى الأفغان ، سواء الإيرانيين أو السودانيين أو الجزائريين ، وحتى بالنسبة للذين هم في طريقهم نحو الهاوية كالتوانسة و المصريين ... بالنسبة لهؤلاء جميعا فإن من لا يعي الدروس من جدية التاريخ فعليه أن يتعلم من هزله ، فالتاريخ يعيد نفسه كما يقال مرة بشكل جديّ ومرة بشكل هزلي ..جديّ كحالة أفغانستان ، و هزلي كحال تابعيها من المغيبين اليوم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -غادرنا القطاع بالدموع-.. طبيب أمريكي يروي لشبكتنا تجربته في


.. مكتب نتنياهو: الحرب لن تنتهي إلا بعد القضاء على قدرات حماس ع




.. وزير الخارجية السعودي يتلقى اتصالًا هاتفيًا من نظيره الأميرك


.. حرب غزة: بنود الخطة الإسرائيلية




.. الجيش الأميركي: الحوثيون أطلقوا صاروخين ومسيّرات من اليمن |