الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحسين كان رجل سياسة وليس رجل دين، فلماذا القداسة؟

هويدا طه

2005 / 3 / 4
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


منذ سقوط نظام صدام حسين، استطاع المواطنون العرب غير العراقيين- وخاصة من السُنة- أن يتعرفوا على جانبٍ كان خفياً من ملامح العراق: الشيعة العراقيون واحتفالاتهم الدينية التي كان يقمعها صدام حسين، قامت الفضائيات بالدور الأكبر في هذا التعريف، فللسنة الثانية بعد سقوط النظام السابق، تنقل عدسات كاميرات الفضائيات العربية المختلفة مشاهد تلك الاحتفالات، حشود تسير في الشوارع، الناس فيها يحملون لافتات تعبر عن الشعور بالحزن، لمقتل الحسين بن علي بن أبي طالب قبل نحو أربعة عشر قرنا، حزن يصل إلى حد اللطم وتقطيع الجلد، حتى تسيل الدماء من جبهة وظهر وصدر العراقي الحزين! بل وعندما شارك أحد الشخصيات الشيعية الهامة في لقاء تليفزيوني، سأله المذيع عن رأيه في مسألة سياسية تختص بالوضع العراقي، فاستهل إجابته بقوله:"بداية ً، أقدم تعزيتي الصادقة لإخواني الشيعة في مقتل الحسين.."! وكأن الحسين قتل أمس أو كان في موكب رفيق الحريري! إلى هذا الحد تتمكن هذه الظاهرة منهم، حتى أن الحسين مات منذ قرون.. بينما سرادق تلقي العزاء مازال منصوباً!
ورغم أن كل دين في العالم- وضعيا كان أو سماويا- يترك لأتباعه رموزاً يقدسونها، إلا أننا نحن المسلمين بالغنا في الأمر، فالقداسة هي بالضرورة حق للنبي(ص)، لكننا أضفنا إلى مستحق التقديس جيشاً من الشخصيات التاريخية(بل وحتى الشخصيات الحاضرة بيننا!)، وإذا نظرت إلى(حكاية الحسين)لتساءلت بدهشة: لماذا القداسة؟! فالرجل خاض صراعا على السلطة والحكم، وهزم فيه، حدث تاريخي سياسي انتهى، هزم الحسين وقتل، وراح من(تشيع)له في هذا الصراع، فماذا يلزم أحفاد هؤلاء الأشياع اليوم؟! الإجابة على هذا السؤال ليست دينية، إنها سياسية، تاريخية، اجتماعية، فعندما يتعرض البسطاء للظلم، ينحازون للمشروع المناوئ له، على طريقة(عدو عدوي هو صديقي)وفي الصراع بين الحسين ومعاوية- على السلطة والحكم- كان الحسين هو هذا الصديق للفقراء والمظلومين والكارهين لحكم بني أمية، وظلت هذه لازمة(الشيعة)إلى اليوم، ظلوا يمثلون المعارضة المقهورة، التي يتعاطف معها(العامة)، ولهذا ترى الشيعة أو أهل الباطن في التاريخ الإسلامي رمزا دائما مستديما للمعارضة، مشروع سياسي يتخفى وراء الدين، حكومة ومعارضة، أيديولوجيا سياسية مقابل أخرى، أهل الظاهر في الحكم وأهل الباطن في المعارضة، سياسة بمصطلحات دينية، ولعل أكثر من قدّم تحليلاً عميقاً لهذا الأمر كان د. محمد عابد الجابري، المفكر والفيلسوف المغربي، في كتابه المكون من ثلاثة أجزاء(نقد العقل العربي)، والذي قال عنه في لقاء تليفزيوني.. أنه استغرق منه بحثاً طويلاً وحفراً لسنواتٍ في أعماق التاريخ العربي الإسلامي، وبعيداً عن النظرة الدينية لمأساة الحسين، فإن تاريخه كمعارض أراد السلطة لنفسه ولم ينجح، مليء بما يشبهه لدى أي معارض في أي شعب وأي ملة، من مفاوضات وكر وفر وتنازلات وتحالفات وصفقات سياسية، وغير ذلك من مظاهر السياسة وطرائق الصراع على السلطة، وهو ما يعني أن له هفواته أيضا، وإن كان حفيد النبي(ص)، فالدولة الإسلامية بدأت تتسع وراحت(الغنائم)تزداد، والغنائم تلك، ما هي إلا ما كان يُسلب من الشعوب والبلدان الأخرى التي(يفتحها)جيش المسلمين!، فلم تكن الدولة الإسلامية دولة منتجة ولا كان المسلمون عند تأسيسها قوم منتجون، لذلك كان ما يسمى بمال المسلمين يطلق عليه(الفيء)أو(العطاء)، وكان مفهوم(العدل)حينها يدور حول كيفية(توزيع العطاء)! توزيع العطاء على(المؤمنين)في مركز الدولة الإسلامية- الشام والعراق أيام الحسين- العطاء المنتزع من إنتاج الشعوب المهزومة، وبالطبع كانت تلك الغنائم جزءً من موضوع الصراع، والحسين- رجل السياسة- الذي نقدسه، كان يصارع على السلطة، التي بدورها كانت تتحكم فيما يرد من هذا الفيء! وكأي معارض كان يدخل مع السلطة في صفقات من نوع ما تدخله المعارضة في تاريخنا المعاصر مع الحكومات، نوع من الصفقات التي تسمح فيها الحكومة للمعارض(بالكسب)وتغض الطرف عن ذلك، مقابل أن يغض الطرف هو عنها ويكف عن معارضتها، الحسين الذي نقدسه علم ذات يوم- حسب شرح نهج البلاغة لابن أبي حديد- أن قافلة تحمل خيرات ومنتجات شعب آخر في بلدٍ مفتوح! كانت قادمة إلى معاوية لإيداعها في(خزائن المسلمين)! فاعترضها الحسين بن علي وسطا على ما كانت تحمله- هكذا ببساطة-! وكتب إلى معاوية كتاباً لا يغيب عنه التحدي وربما الابتزاز السياسي، قائلاً له:"أما بعد، فإن عيراً مرت بنا تحمل مالاً وعنبراً وطيباً إليك، لتودعها خزائن دمشق، وإني احتجت إليها.. فأخذتها.... والسلام"!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في الضفة الغربية المحتلة: سياسة إسرائيلية ممنهجة لجعل حياة ا


.. إسرائيل تصادر أكبر مساحة من الأراضي الفلسطينية منذ اتفاقيات




.. مشاركة كبيرة متوقعة في الانتخابات التشريعية البريطانية


.. غزة.. أطفال شردهم القصف الإسرائيلي ونازحون ينزحون من جديد




.. ماذا قدم حزب المحافظين للبريطانيين وما مصيره؟