الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


باكستان والخروج الأمريكي المشرف من أفغانستان

شريف نسيم قلتة

2012 / 10 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


منذ اليوم الأول للاحتلال الأمريكي لأفغانستان 2001، وباكستان تشكل العنصر الرئيسي الذى تعتمد عليه الولايات المتحدة في نجاح استراتيجيتها تجاه أفغانستان؛ فلولاً المساعدات الباكستانية الكبيرة التي تقدمها للولايات المتحدة في أفغانستان والتي من أهمها ( فتح طرق الإمدادات للناتو عبر أراضيها، التعاون المخابراتى لملاحقة أعضاء تنظيم القاعدة.... إلخ)، لما بقيت الولايات المتحدة في أفغانستان حتى هذا اليوم. وتعول الولايات المتحدة بشكل كبير على باكستان في ترتيب خروج لائق ومشرف من أفغانستان دون أن تترك وراءها بلداً تعمه الفوضى ويعاني من عدم الاستقرار. فبعد عقد كامل من التواجد الأمريكي في أفغانستان فشلت الولايات المتحدة فشلاً ذريعاً في القضاء على "حركة طالبان" و"تنظيم القاعدة" بل والأكثر أن "حركة طالبان" أصبحت اليوم تسيطر وبشكل كامل على عدة مناطق فى أفغانستان وبخاصة فى الشمال، هذا علاوة على اتساع نشاطات العديد من الحركات الأخرى داخل أفغانستان كشبكة حقاني وعسكر طيبة وغيرها. والمحصلة النهائية فشل أمريكي ذريع فى تحقيق أي استقرار فى أفغانستان. وذلك مع وجود رئيس وحكومة ضعيفة وقوات أمنية غير مؤهلة سوف تسلم لها المسئولية الأمنية كاملة بعد عام 2014. ومن هذا المنطلق فإن النجاح الحقيقي الذى يضمن للولايات المتحدة خروجاً مشرفاً من أفغانستان والذى جاء على لسان الجنرال "بتيروس" رئيس جهاز المخابرات الأمريكية CIA ، عندما صرح بالقول "إن النجاح الحقيقي فى أفغانستان هو خلق حكومة وحدة وطنية قوية في أفغانستان تكون قادرة على تحقيق الأمن والاستقرار، وتحول دون انزلاق البلاد في حرب أهلية".
ورغم الشكوك الأمريكية الكبيرة حول طبيعة الدور المزدوج التي تقوم به باكستان والذى يتمثل في التعاون مع الولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب والحصول على ملايين الدولارات جراء هذا التعاون، ومن ناحية أخرى تقوم بشكل سرى بحماية ودعم وتدريب وتسليح عناصر تنظيم القاعدة وطالبان وغيرها من الجماعات المتطرفة داخل أفغانستان مثل "عكسر طيبة" و"شبكة حقاني". وقد تأكد للولايات المتحدة الأمريكية بشكل قاطع صحة شكوكها حيال اللعبة المزدوجة التي تقوم بها باكستان؛ وذلك بعد مقتل زعيم تنظيم القاعدة "أسامة بن لادن"، على يد قوات أميركية خاصة في بلدة "أبوت آباد" حيث تقيم حامية عسكرية للجيش الباكستاني، وبالطبع من غير المتصور أن تكون الاستخبارات العسكرية كانت على غير علم بإقامة "بن لادن" في المدينة. وعلى صعيد آخر تكبدت قوات التحالف الدولي في أفغانستان طوال الفترة التي أغلقت باكستان فيها طرق الإمدادات لحلف الناتو، على خلفية مقتل أربعة وعشرين جندياً باكستانياً بسبب غارة جوية تابعة لحلف الناتو في نوفمبر 2011 على مركز عسكري باكستاني في منطقة "سالالا Salala" الحدودية مع أفغانستان. خسائر فادحة جراء تصاعد هجمات "شبكة حقاني" وهو الأمر الذى ساهم فى زيادة الشكوك الأمريكية حيال اللعبة المزدوجة التي تمارسها باكستان داخل أفغانستان. وتعتقد الولايات المتحدة أن تصاعد نشاطات "شبكة حقاني" داخل أفغانستان خلال تلك الفترة جاء أما بتورط باكستاني مباشر أو بتقاعس باكستاني عن ملاحقة أعضاء تلك الشبكة في منطقة "وزيرستان" الباكستانية على الحدود مع أفغانستان والتي تعد الملاذ الأمن لتلك الحركة، وعلى كل الأحوال فإن غياب التنسيق مع باكستان كان السبب الرئيسي في تصاعد نشاطات تلك الحركة. وفى سياق ذلك أتهم الأدميرال "مايك مولين" رئيس هيئة الأركان المشترك في أفغانستان في (يناير 2012) المخابرات الباكستانية : "باستغلال شبكة حقاني لشن حرب بالوكالة في أفغانستان"، وهى الاتهامات التي نفتها باكستان بشدة. وتزامنت تلك الاتهامات مع صدور العديد من التقارير الصحفية التي تؤكد أن قادة "شبكة حقاني" يتحركون بحرية على المناطق الحدودية بين باكستان وأفغانستان. وتنسب "شبكة حقاني" إلى قائدها الأول "جلال الدين حقاني" الذى كان أحد قادة المقاومة المسلحة للاحتلال السوفيتي لأفغانستان في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. وترتبط الشبكة بصلات وعلاقات قوية مع "حركة طالبان"، وتتكون قيادة الشبكة فى الوقت الحالي من الأبناء الثلاثة الكبار لمؤسسها "جلال الدين حقاني"، ويتزعمها "سراج الدين حقاني" الآبن الأكبر "لجلال الدين حقاني"، الذي تصفه القوات الأمريكية فى أفغانستان بأنه "أحد أخطر أعدائها"، وتتكون الشبكة من عدة آلاف من المقاتلين، وتتخذ من شمال "وزيرستان" الباكستانية المتاخمة للحدود الأفغانية قاعدة لها، وتدير هناك مدارس دينية ومعسكرات لتدريب المقاتلين، وتركز معظم نشاطها العسكري فى شرقي أفغانستان، خاصة في ولايات "بكتيا وخوست"، وامتد إلى ولايات أخرى مثل "وردك". ويعتقد العديد من الخبراء أن "شبكة حقاني" ما هي إلا أداة من أدوات المخابرات الباكستانية في أفغانستان حيث تقوم المخابرات بدعمها وتسليحها وتوفير الملاذ الأمن لقادتها وغيرها من قادة الحركات والتنظيمات الأخرى فى أفغانستان من أجل أن يكون لباكستان اليد الطولي في تقرير مستقبل باكستان بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان عام 2014. وتعد "شبكة حقاني" وذلك وفقاً لتصنيف التقرير السنوي للاتحاد الأوروبي ووزارة الخارجية الأمريكية عن الارهاب FATA، "أخطر جماعة متطرفة تواجه قوات التحالف الدولي في أفغانستان فى الوقت الراهن"، فما بين عامي 2011 و2012، قامت شبكة حقاني بتنفيذ مجموعة من العمليات الناجحة كان أبرزها تفجير فندق "الانتركونتيننتال" فى كابل، والهجوم على السفارة الأمريكية في العاصمة كابل، ضرب مقر رئيسي لقيادة حلف الناتو، هذا بخلاف الهجوم المكثف على دوريات أمريكية وأفغانية. كما كثقف "حقاني" من هجماتها ضد القوات الأمريكية فى افغانستان بعدما أقدم عدد من الجنود الأمريكيين بحرق نسخ من المصحف الشريف فى (فبراير 2012)، وهو الأمر الذى ضاعف من حالة العداء للقوات الأمريكية فى أفغانستان وأصبح يشكل تهديداً كبيراً لقوات التحالف الدولي خلال الفترة القليلة المتبقية لها فى أفغانستان قبل الانسحاب الكامل عام 2014. ولهذا لم يكن أمام واشنطن من مفر سوى إسراع الخطوات نحو التصالح مع باكستان وتقديم الاعتذار لها على خلفية مقتل أربعة وعشرين جندياً باكستانياً فى نوفمبر2011، وذلك للحد من نشاطات تلك الشبكة وغيرها من الحركات المتطرفة فى أفغانستان، بعدما أصبحت تشكل تهديداً استراتيجياً خطيراً على الاستقرار في أفغانستان، والمصالح الأمريكية في المنطقة بشكل عام. وعلى كل الأحوال أصبحت الإدارة الأمريكية تدرك جيداً أن لا مفر من التعاون مع باكستان في أفغانستان للجم حركات التطرف الإسلامي بفضل ما تتمتع به من نفوذ على هذه الحركات بما في ذلك (طالبان والقاعدة). وما أدل على ذلك من تصريح " ليون بانيتا" وزير الدفاع الأمريكي عندما قال: "رغم العلاقات القوية التي تجمع باكستان مع الجماعات الجهادية فى أفغانستان، إلا أنه لا خيار لدى واشنطن سوى الحفاظ على العلاقات مع باكستان".
ومن هذا المنطلق تبرز أهمية باكستان فى تحقيق الاستقرار فى أفغانستان بعد الانسحاب فى لعب دورين رئيسيين وهما: تحجيم نشاطات الجماعات المتطرفة فى أفغانستان وذلك بفضل ما تتمتع به من نفوذ على تلك الجماعات، والثاني وهو الأهم والذى تعول عليه واشنطن بشكل كبير فى الاستقرار، قيام باكستان بدفع "حركة طالبان" بفضل ما تتمتع به من علاقات معها، نحو الحوار مع الولايات المتحدة من أجل تحقيق المصالحة الداخلية فى أفغانستان، وهو الأمر الذى تجده واشنطن لا مفر منه لتحقيق الاستقرار بعد الفشل الذريع فى القضاء على "طالبان". وكانت اتصالات قد تمت بالفعل بين الولايات المتحدة وحركة طالبان اواخر 2011 برعاية باكستانية – قطرية، حيث سمحت الأخيرة بفتح مكتب للحركة فى الدوحة لتسهيل وإدارة الاتصالات بين الحركة وواشنطن، إلا ان الحركة قامت بتعليق الاتصالات مع واشنطن بعد مقتل 16 مدنياً أفغانياً على يد القوات الأمريكية فى مارس 2012.

وعلى صعيد آخر هناك رغبة قوية لدى واشنطن فى أن يكون لباكستان الدور الرئيسي فى ترتيب الأوضاع السياسية فى أفغانستان ما بعد الانسحاب؛ لأن تقوية الدور الباكستاني فى أفغانستان سيشكل من جانب ضمانة رئيسية للاستقرار فى أفغانستان، ومن جانب آخر ستحافظ الولايات المتحدة على جزء ولو ضئيل من نفوذها فى أفغانستان وهو الأمر الذى سيضمن لها الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية سواء داخل أفغانستان او فى منطقة آسيا الوسطى والقوقاز، كما أن ضمان الهيمنة الباكستانية فى أفغانستان سيحد فى نفس الوقت من نشاطات الجماعات المتطرفة ضد المصالح الأمريكية فى المنطقة. ويمكن القول أيضا أن تعزيز التعاون الأمريكي- الباكستاني فى أفغانستان سيحد من تدخلات دول الجوار فى الشأن الأفغاني (الصين وروسيا وإيران والهند). وهو الأمر الذى يشكل مصلحة مشتركة للطرفين. وتسعى الصين وروسيا فى الوقت الحالي إلى مد نفوذها إلى أفغانستان (التي تشكل البوابة الرئيسية للتغلغل والسيطرة على آسيا الوسطى والقوقاز)، فى محاولة لمليء الفراغ الذى سيتركه الانسحاب الأمريكي من أفغانستان. كما تحاول "بكين" فى الوقت الراهن فتح حوار مع "حركة طالبان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر إسرائيلية تتحدث عن مفاوضات جديدة بشأن الهدنة في غزة


.. شاهد| مسيرة في شوارع دورا جنوب الخليل ابتهاجا بخطاب أبو عبيد




.. مقتل طيار بالقوات الجوية البريطانية بعد تحطم طائرة مقاتلة


.. دمار هائل خلفه قصف روسي على متجر في خاركييف الأوكرانية




.. حكومة السلفادور تلعن نشر آلاف الجنود لملاحقة العصابات