الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المواطنة العالميّة،الكونيّة الإنسانيّة و مخاطر القول بالخصوصيّة

عمر بلخشين

2012 / 10 / 14
ملف حول المنتدى الاجتماعي العالمي، ودور الحركات الاجتماعية والتقدمية في العالم العربي.


في ظلّ مدنيّة الورق والتسلّط وفي ظلّ ديمقراطيّة تبرير تقسيم العالم واستعماره سنحاول كشف لبس الخصوصيّة وإخراج المصطلحات الحداثية من مفهومها الضيّق والغامض بطرح هذه الإشكاليات:
-هل يمكن للمواطنة بمفهومها الحداثي وبطابعها المحلي والنسبي في واقع سياسي متنوّع أن تنخرط في تأسيس هويّة كونيّة إنسانية؟
-هل يمكن تحقيق مواطنة عالميّة و"عالم آخر" إنسانيّ ومتضامن تخلوه قيم الإنسانية المنصهرة في وحل التعصّب والهيمنة والعنف؟
-كيف والهويّة أضحت كابوسا يعيق ما هو إنسانيّ؟
سيدفعنا هذا إلى طرح إشكالي آخر،
-ما هي مخاطر القول بالخصوصيّة؟
ثمّ ألا يمكن فهم الكونيّة بما هي حفاظ على الخصوصيّة وألا يمكن لها أن تكون أفق الخصوصيّة؟

إن المواطنة مفهوم يعكس رقيّا وتحضّرا اجتماعيّا،فالمواطن مدنيّ منظّم يستمدّ عادة سيادته من سيادة دولته لذا لا يمكن أن نتحدّث عن مواطن محروم من حقّه في الشغل أو مواطن انتهكت سيادة دولته لذا المواطنة ممارسة واعية لا تطبّق في كلّ بلدان العالم.
يطرح هيبرماس مفهوما جديدا ومغايرا"المواطن العالمي" ناقدا به مفهوم المواطن عند كانط فكانط يرى أنّ المواطنة رضوخ لقوانين الدّولة وتقوم على الالتزام بالواجبات التي يمليها عليه دستورها بينما رفض هيوبرماس التّأسيس الكانطي الضيّق للمواطنة والمنحصر بالقطريّة و"الوطنيّة".
تقوم المواطنة عند هبرماس على احترام منزلة الحق الفردي للذّات الإنسانية بما هي ذات تنتمي للمجموعة الإنسانية الكونيّة"أنتمي للبشر".
إن الإنسان الكوني يقتضي وجوده شروطا واقعيّة ووعيا يؤهله إلى الانخراط في تأسيس عالم آخر وإنسان كونيّ،حين يتغيّر تصوّرنا للعالم وللإنسان و"الأخوّة"سنؤمن بالمصلحة المشتركة وحين تقع كارثة طبيعية بالصين تهزّني لانّ هذه الأرض كوكبنا جميعا ومشاكل التلوّث والإشعاعات النوويّة وثقب الأوزان هي مشاكل تهدّدنا كإخوة في الإنسانية.
لمّا نعلّم أطفالنا احترام معتقدات الآخر وقيمه
لمّا نعلّم أطفالنا الإنسان وقيمه حينها سنؤسس إلى المواطن الكوني..
ولا يمكن أن نتحدّث عن هذا "العالم الآخر" الكونيّة الإنسانية بمعزل عن واقعنا الإنساني:غياب العدالة الاجتماعيّة وتغلغل الرّأسماليّة المتغطرسة الّتي أضاعت الإنسان فينا ولم يعد للإنسان قيمة وكما يقول ماركس"ويصبح المال قيمة القيم".
إن مشروع الكونيّة الإنسانية يتطلّب وعينا بضرورة النّضال من أجل التخلّي عن التفاوت الوضيع بين الدول خاصة على المستوى الاقتصادي على اعتباره المحدّد لكلّ المستويات الأخرى السياسية الاجتماعية..حين نقسم ثروات عامنا بالعدل بيننا حينها يمكن الحديث عن كونيّة ينسجم ضمنها البشر ويستطيعون احترام بعضهم البعض دون مخلّفات أمراض الملكيّة الّتي أفسدت الطبيعة الإنسانية وأضاعت الذّات الإنسانية في كوكبة من "الأنات" المريضة :أنا الطمع،أنا الكره،الحقد،الأنانيّة،النرجسيّة،الغضب..
إن الإنسان الكوني يحتاج ولادة جديدة،تربية كونيّة وعالم دون الرّأسماليّة والتعصّب والطبقيّة والعولمة إن هذه العوائق تقتل الإنسان فينا كلّ يوم وأضحت شأنا إنسانيا تتحمّل البشريّ مآسيها فالكوني ليس قرارا أو رغبة لدولة من الدول أو لفيلسوف أو جمعيّة أو منتدى بل هو شأن إنساني بل إن هيبرماس يراهن على أنّه ضرورة تتجه لها البشريّة جمعاء.
ويرى ماركس أن الكونيّة حتميّة تاريخيّة تتجه نحوها بالضّرورة التّجربة الإنسانية ففهم الإنسان أن الإنسانية تشترك في هم واحد ومصير واحد سيقود إلى رفض "كوني الموت" والهيمنة وتأسيس كوني الإنسانية والحياة.
ولا بد أن يكون كوني الحياة كوني مبدع خلاّق منفتح تميزه قوى الفعل لا قوى الانفعال،كوني ايتيقي تسوده القيم الإنسانية:الحبّ،الانضباط،الصدق،التضحية..هذه القيم التي انصهرت وضاعت في زمننا هذا فالكلّ يدّعي امتلاك الحقيقة ويتعصّب لها وأضحت الخصوصيّة والهويّة خطرا يهدّد الإنسانية،
في حين أنّها من المفروض أن تضمن وتحمي التنوع الإنساني.
إن مجموعة القيم والعادات والمعارف والمعتقدات والفنون واللغات و الآداب وأنمط الحياة..وكلّ ما يضاف إلى الطبيعة البشريّة المحضة يعتبر ثقافة تعبّر عن وجود متميّز للإنسان إنها تعكس حضوره الخاص ورؤيته لهذا العالم إنها كذلك خلاصة تجربته وتاريخه بكل ما يحتويه من معارف وسلوكيات وقيم وطرق إنتاج..لذلك لا وجود لإنسان غير مثقفا.
إن الهويّة وهي أسلوب وجود إلا أنّ الاعتزاز بالثقافة قد يتضخم سواء في حالة تفوق ثقافة أو تراجعها وتتحوّل الهويّة إلى كابوس يعيق ما هو أنساني وتصبح الحماية والحفاظ على الخصوصية أقرب للتعصّب فأصحاب الهويّة المتفوّقة سيسعون إلى فرضها"رأس المال والعولمة" أما البلدان المستعمرة سياسيا واقتصاديا وثقافيا ستسعى "جماعاتها" أصحاب الهويّة المتراجعة المفلسة إلى حمايتها وتحصينها من كلّ اختراق فنجد أنفسنا من تعصّب إلى تعصّب آخر،الرأسماليّة تدّعي الكونيّة ورعاية حقوق الإنسان لكنّها في الحقيقة تبيع الوهم لشعوبنا ولا تسعى إلا للسيطرة والهيمنة بثقافتها معتدية على الثقافات والحضارات الأخرى مثال:(الاعتداء" الكارثي" على حضارة الهنود الحمر وحرمان الإنسانية جمعاء من ثراء هذه الحضارة)وباعتبارها الأقوى اقتصاديا والأقوى تكنولوجيا وعسكريّا فإنها ستصدّر ثقافتها إلى مستعمراتها هذا استنتاج طبيعيّ وحتميّ.فهي تدّعي الكونيّة لكنّها تتعارض وتتناقض معها لأنها تتناقض مع قيم العدل والحرية والمساواة ولأنّ هدفها الأساسي هو الزيادة في الربح وتكديس الثروة التي لا تتحقق لها إلا بالاستغلال والهيمنة سواء على الثروات أو على العقول ذلك بفرض برامج ومناهج وسياسات وأجندات على الشعوب لاستغلالها.
هكذا تكون الثقافة الرأسماليّة وثقافة اقتصاد السوق خطرا على الحضارات الإنسانية الأخرى تماما كما هي خطر على نفسها.
إن مخاطر القول بالخصوصيّة ليست حكرا على الثقافات المهيمنة لأنّ القول والتعصّب للخصوصيات في الثقافة العربيّة الإسلامية المتراجعة له أيضا مخاطر كثيرة منها(اكتشفناه قبل ما يكتشفوه بقرون في القرآن الكريم! وترهات أخرى عمت الوعي بالذات العربيّة الإسلامية.أيضا الادعاء بأنّ خصوصيتنا يجب أن تنبع من ماضينا فقط.
ثم لا نساهم إبداعيا في حضارة هذا العصر ونتباهى فقط بما أنجزه أجدادنا وهي خطورة السلفيّة المفرطة والمفلسة.
إن تأبيد خصوصياتنا وتجميد النصوص المقدّسة وإهدار البعد التاريخي والسيرورة التاريخية لها ثم فرضها على الآخر ما يسبب الجمود الفكري والتعصّب فيضفى طابع القداسة على ثقافتنا مما يمنع ويحرم نقدها ما أدى إلى تكفير كل من يحاول تجاوز نقائصها(طه حسين،أبو القاسم الشابي،نجيب محفوظ،سقراط،سبينوزا،قاليلي،نصر حامد أبو زيد..)وذلك بواسطة لاهوتية الثقافة العربية والغربية مثل:الطبّ النبوي،الاقتصاد الإسلامي،أحزاب إسلامية،قنبلة نووية إسلامية..
وهكذا تتحوّل الخصوصيّة سواء كانت المهيمنة أو المتراجعة إلى خطر يهدّد الحضارات الإنسانية ومستقبلها.
إن الكونيّ الإنسانية تدعوا إلى التنوّع ولا يمكن أن تقوم إلا إذا وجدنا الإنسان المغمور في أنفسنا المريضة ولا يمكن أن تحمي هذا التنوّع إلا إذا عادت القيم الإنسانية إلى البشريّة جمعاء،فالخصوصيّة حينها لا يمكن أن تمثّل خطرا في عالم تسوده القيم الإنسانية وسكانه تحكمهم وحدة المصير ويحكم تعاملاتهم الحبّ،الانضباط والعمل من أجل المصلحة المشتركة بالعدل والحرية والعقل..حينها ستكون الكونيّة الإنسانية أفقا للخصوصيّة.
في الختام نستنتج أن الكوني هو أن نتفق على أننا مختلفون وفي تنوّعنا حضورنا الإنساني.
وأن مشروع الكونيّة لا يمكن أن ينجح إلا إذا بحثنا عن الإنسان وكلّ جهد نكببه في البحث عن الإنسان هو تصوّر جديد للكون.

بنزرت تونس،13 أكتوبر 2012
أشكر مرّة أخرى منسّق هذا الملفّ المهمّ الأستاذ اسماعيل داود..خالص احترامي وتقديري.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الإنسان الكوني
ناس حدهوم أحمد ( 2012 / 10 / 25 - 21:57 )
فعلا الهوية والخصوصية تدمر الإنسانية لأننا حتى ولو إختلفنا في
طروحاتنا لا يمكن أن يكون مصيرنا إلا واحدا
إيجاد مواطن كوني مسألة لا توجد إلا في الدول المتقدمة وهي من تعمل على إدماج الإنسان في نسيج مجتمعها المتقدم والمتحضر
رغم اختلافه في الهوية والجنس والدين وبهذه الفكرة الرائدة نجد مثل
هذه المجتمعات دائما تسير نحو الأفضل
في حين الدول المتخلفة تخشى من كل الأشخاص المختلفين
وتمتنع عن الإدماج وتحسب الإنسان الآتي من الأماكن الأخرى غريبا عنها
وتتشبث بهويتها وتتعصب لها ولهذا هذه المجتمعات دائما متخلفة
لكن بقراءة الواقع نجد الإنسان عموما يتجه نحو الكوني أما عن
الرأسمالية والتفاضل في الإقتصاد وما شابه فذلك مسألة طبيعية لأن الناس
ليسوا متساوين ولا يمكن لهم أن يكونوا كذلك فالعدالة تعلمنا أن لا
مساواة بين الناس كما قال نيتشه لكننا متساوون أمام القانون والأخلاق
والعدالة الإجتماعية ولسنا متساوون في القدرات العلمية والفكرية والإقتصادية

اخر الافلام

.. 9 شهداء بينهم 4 أطفال في قصف إسرائيلي على منزل في حي التنور


.. الدفاع المدني اللبناني: استشهاد 4 وإصابة 2 في غارة إسرائيلية




.. عائلات المحتجزين في الشوارع تمنع الوزراء من الوصول إلى اجتما


.. مدير المخابرات الأمريكية يتوجه إلى الدوحة وهنية يؤكد حرص الم




.. ليفربول يستعيد انتصاراته بفوز عريض على توتنهام