الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خواطر على ضفاف الطفولة

رزاق عبود

2012 / 10 / 15
الادب والفن


خواطر على ضفاف الطفولة
ادمن الذاكرة، وامتهن الحنين، وركب بحر الذكر يات. حمل حقائبه مسافرا عبر الزمن. رحلة مضنية وغنية. جاب البحار، وتلقى صفعات التيار. لانت صخور الساحل، ولم يلن عزم الراحل. تجاوز الحدود، تخطى المحظورات، عبر المحيطات، ولا زال يلمس نبض الجذور، ويحس نبع الاعماق، ويستسقي عذب الماء، ويسمع صوت الايام. حاكى الاقوام، وعاشر الانام. سرد حكاياته، تعلم الكثير، وظل، وفيا لاول نهار. حبل السرة مشدود عند جذوع النخل، وحبل جواده مربوط عند النهر. حليب الام لازال طازجا كريما، زكيا. كلما ابتعد زاد التصاقه، وكلما طال به العمر عاد صغيرا. تستجد الاحداث، وتتوالى الايام، ويزداد التحاما مع الماضي.الفكر يسرح هناك. عبر ثقب الاوزون يجد الضياء. امتلئت حقائبه بالتجارب، وتنوعت في دفقها المشارب. كلما زاد وزنها مالت نحو المهد. يعقر ذاكرته دوما نحو الشط الاول، نحو الساحل الابدي، نحو الدرب القديم. يعزف اوتار التاريخ، وينقب جغرافية المكان. تعبت عيونه، لكن شفافية الايام تنير له الطريق. بساطة اهله ترشده الى الحدائق، والجسور. كل نهر يلتقيه يذكره بشطه. كل مساحة ماء تعيده لبيئته. كل بحر يعبره يقوده الى خليجه. ظل ابن الماء، وجنين الملتفى. ربيب شجرة ادم، ونديم المجرى. يستنشق عطر الماء مثل سمكة. يغور الى قاع الشط، يبحث عن لؤلؤة.عن خاتم سقط، وعقد انفرط، عن صديق قديم ظل يذكره، وطفل كاد ان يغرق. تدغدغه نسيمات الهواء فيضحك منتشيا، كطفل يسير اولى خطواته. تداعبه الهمسات فيرقص على اصوات الريح. ينتصب مثل سارية، ويطلق جناحيه مثل شراع. يكلم الشط، وكانه يلقي قصيدة. مثل المسيح يمشي على وجه الماء. يلاعب النسيمات، يداعب الذكريات، ويغتسل بماء المطر. مثل حبات مسبحة تمر كل الوجوه بين اصابعه، تحضر كل الاسماء، وتمرق المسميات. تبتسم الكنى، تضحك الالقاب، وتقهقه المقالب. اصغر الاحداث، واكبر الحوادث. شريط لا ينتهي من الصور الاليفة. يفتح صندوق الزمن، فينسكب كل الماضي. تعود كل الساعات مهرولة نحو المكان الاول. يتجول في ذات الشوارع، يصافح ذات الايدي. يلاقي نفس الوجوه. عبق الطين، والتراب المبلل بمطر خجول. تضايقه رطوبة الهواء، ويحاصره الغبار فيهرب الى صف النخيل يستنجد بعبق الطلع، وخضر السعف، وبواسق الاشجار.هفهفة الاجنحة الوجلة. تراقص الفراشات، وخرير المياه. يخترق البساتين نحو الشاطئ. يبحث عن مرساته القديمة. يلقي نفسه على صخرة شامخة، وحيدة مثله. هو مثل الصخر لن يحترق من جديد. انصهر مع الزمن القديم. تجلد، تصخر، استعصى على ضياع الاديم. تمر به سفينة نوح السومرية. يومئ لها. تقف مستجيبة. تتشرئب الاعناق. يصعد على سلم الايدي الممتدة. يسمع انشودة البحار. يردد ترنيمة الطفولة. اينما سافرت ستعود. انما سافرت لتعود. صعدت السفينة لتعود. الفنارات ترشد الطريق، وتدل الضالين. تقتحم الضباب، وتبدد الظلمات. من رأى منارات الشط، لا يضيع. من راى فنارات الساحل، لن يحير. ضاع كل شئ الا البوصلة. سيعود فالشط، البصرة، الساحل، النهر، الملاعب، حتى المقابر تحتضن الماضي، والجديد. الشط لازال يجري مثل دم العروق. يتدفق مثل ثورات العبيد. مثل شهقات الامل، مثل الطيور العائدة، مثل السماء الواعدة. النخل، والسعف، والشط، والتمر، الناس، وعهدنا العتيد. يظل يحلم بعالمنا السعيد. كل لحظة يولد طفل جديد.
رزاق عبود
1/9/2012








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟