الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عودوا أنا كنتم, سوريون كما كنتم.

خالد قنوت

2012 / 10 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


البارحة اشتد الألم و لم أعد استطيع قيادة السيارة, طلبت مني زوجتي أن أتوقف و أتصل بأحد الأصدقاء للمساعدة. لم يكن المنزل بعيد و لم يكن هناك وقت كاف لطلب المساعدة من أحد. كانت أشارات المرور ثقيلة و مؤلمة أكثر من الألم نفسه. مع كل إحساس بالإقياء حاولت أن أتوقف على طرف الطريق لأترجل من السيارة و لكني كابدت الألم و وصلت اخيراً المنزل وسط فزع زوجتي من منظر تحملي لكل هذا الألم.
كان الزمن الفاصل بين الاتصال بالاسعاف و بين قدومهم لا يتجاوز الدقاق الخمس و كانوا أمام باب المنزل بسرير الاسعاف و بكل الأجهزة الضرورية. كان فريق الاسعاف عبارة عن شابتين باسمتين, قويتين بدنيناً. بكل جدية و حرص سألتني إحداهن عن مكان الألم و تفاصيل ابتدائه و تطوره بينما كانت الأخرى تقيس الضغط و الحرارة و عمل القلب و التنفس.
إلى داخل سيارة الاسعاف حملتاني تلك الشابتين, الشابة الشقراء جلست و زوجتي إلى جانبي و قادت السيارة الشابة السمراء. لم تتوقف المسعفة عن سؤالي و الحرص على سماع إجاباتي لكي تطمئن على عدم فقداني للوعي و هي على اتصال دائم مع المشفى لتسجيل التطورات التي تتعلق بحالتي.
تم إدخالي لقسم الاسعاف و التسجيل و وضع بطاقة حول معصمي باسمي و بتاريخ دخولي و شرحوا لزوجتي أن حالتي ليست شديدة الخطورة و سيتم التعامل مع حالتي حسب الترتيب و حسب درجة خطورة كل حالة تدخل الاسعاف.
بعد حوالي الربع ساعة دخلت غرفة خاصة و قاموا بالفحوصات السريعة و أسئلة تفصيلية عن تاريخ الحالة و عن تاريخي المرضي و طلبوا تصوير أشعة سينية و طبقي, المهم أن الطبيبة أخبرتني أخيراً أن هناك بحصة في الكلية و قد ذكرت لها أني تعرضت لمثل هذه الحالة منذ أربع سنوات.
حبة المسكن التي أعطتني أياها الممرضة أزالت الألم تماماً, فجعلتني أسبح في فضاء من الخدر. بعد وقت, سألتني زوجتي عن الوجع. لم أتذكر كل ذلك الألم و لم يخطر ببالي سوى ما قاله أحد الأطباء السوريين البارحة, في مقابلة معه من مشفى ميداني في حلب: إصابات الأطفال التي تأتينا هنا نتيجة القصف الجوي و المدفعي, معظمها للأسف تنتهي بالوفاة. تنهد قليلاً ثم أردف قائلاً: حتى من نعالجهم بالبتر لا يلبث الطفل المصاب إلا و يموت بعد أيام بسبب عدم وجود مضادات إلتهاب و مسكنات. الأطفال جميعهم يموتون بعد الاصابة.
قلت لزوجتي: مالذي يحدث هناك؟ السوريون يموتون كل دقيقة و أجساد الأطفال تقصف كل صباح, فبدل أن تذهب هذه الأجساد إلى المدارس فإنها تذهب إلى السماء و لكنها تكون بقايا و أشلاء. الأكثر إيلاماً أنها تغادر الوطن ببطاقات سفر سورية و بأختام سورية و بأيدي سورية أقسى من أيادي الغرباء و ألد الأعداء.
كم أحسست بأن أنسانيتنا التي نعيشها في بلاد باردة و موحشة, هي إنسانية دافئة و حقيقية و مصانة بالوعي و القانون و التقاليد و الأعراف, لكن أنسانية هناك في وطن الدفء و الحنان تنتهك و تكوى بنار الاستبداد و الوحشية, و الأنكى أنها بفعل رجال يحملون الهوية السورية و ختماً سورياً و سلاحاً سورياً.
هؤلاء الرجال, لم يختاروا و لكنهم رضوا بأن تمسح من ذاكرتهم أنهم بالبداية هم بشر و أنهم ثانياً سوريين و أنهم لا يقتلون أعداء الوطن لكنهم يقتلون إخوتهم في الوطن و بكل تلك الوحشية و العنف. رضوا أن يختصر الوطن بشخص و بعائلة لم يسلموا يوماً من بأسها و قهرها لهم أنفسهم, نهبت منهم روحهم قبل أن تنهب إنسانيتهم و سوريتهم, فجعلت من جسد طفل سوري دريئة لقذائفهم و رصاصهم.
هذا النظام العائلة أشركهم بدم أخوتهم و لن يتوقف هذا النظام عن الاستمرار في تسخيرهم لقتل المزيد و سيأتي يوم قد يستخدم هذا النظام كل أسلحة لديه و حتى ما هو محرم و شامل و قذر قبل أن يسقط سقطته الأخيرة.
و لكن ماذا عنكم يا من قتلتم أطفال سورية و شباب و شابات سورية و رجال و نساء سورية؟, هل ستبقى هوياتكم السورية معكم؟ أم ستحتفظون بها للذكرى؟ و هل سيأتي يوم تمشون في طرقات سورية الجديدة لتشربوا و تألكوا و تعيشوا بين أخوة لكم قتلتم أطفالهم يوماً؟؟
يوم عرف أوديب أنه مارس الجنس مع والدته فقأ عيونه فماذا أنتم فاعلين؟ عندما تعرفون بأن نظام العار جعلكم تقتلون أطفالكم أطفال سورية, مرتين يوم قصفتوهم بطائرات و مدافع و دبابات دفع ثمنها أهلهم و يوم منعتم عنهم وسائل الاسعاف و النجدة و حتى الدواء و المسكنات فباتوا شهداء, ماتوا مقطعين أو مبتوري الأيدي أو الأرجل.
قد لا تنفع التوبة بعد الثورة لكنها تنفع الآن, عودا لسوريتكم, عودوا قليلاً لإنسانيتكم. أوقفوا روح الشر و أنفاس الشيطان و جسد النظام و كونوا مع من هم جسدكم و روحكم و مستقبلكم. أوقفوا هذا التاريخ المهين لهذا الوطن و شاركوا في بناء وطن جديد إنساني سوري, يليق بأن يغفر لكم ذنوبكم و عاركم. عودوا أنا كنتم, سوريون كما كنتم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تغطية خاصة - لبنان بعد اغتيال نصر الله • فرانس 24 / FRANCE


.. عاجل | نتنياهو: مقتل نصر الله سيغير موازين القوى لسنوات في ا




.. بدأت باختراق تردداته.. إسرائيل ترسل رسائل مبطنة باستهداف مطا


.. نتنياهو: تصفية نصر الله هي الشرط الأساسي لعودة مواطنينا إلى




.. موازين | الاحتلال وحق مقاومته