الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جمعة اللامي... حزمة عراقية ممتلئة

عبد جاسم الساعدي

2012 / 10 / 15
سيرة ذاتية


كنا ننسج علاقات تنمو بين الشارع والأكواخ، مأخوذين بوهج طفولي، تشع عليه بهجة الحضور واللقاء والتألق مع ثورة الكبار في تموز العراق العام 1958.
كان يقضي ساعات اليوم بين القراءة وشوارع بغداد في باب الشيخ والباب الشرقي، كانت تستهويه مساءات ابي نؤاس ولكادرينيا وبلقيس وقع خاص في روحه.
تقع داره الطينية على ربوة صغيرة، تنفتح على ابواب كأنها خان السهروردي تبتسم الدار مثلما تبتسم الأم، الحالمة بابنها وبغداد في بناء عالم اخر، لعائلة هجرت موقعا الأول.
غمرته فرحة لا مثيل لها يوم استلم عضوية الانتماء، سبقنا اليها، قرأ لنا عبارات التكريم الرقيقة والوصايا الخمس...
خمسون سنة مضت على الأيام الأولى لتشكيل حلقة الشباب. ينغمر جمعة اللامي في قراءاته الثقيلة، يجمع بين الصوفية واخوان الصفا بين دوستوفسكي وحاملة الراية معنا المرأة الشعبية "محناية".
يجد الشاب المتمرد "صباح حسين خصاف" نفسه في قراءات حرة مثيرة للسؤال والجدل في الفلك والفيزياء وبناء "الصواريخ" المحلية كانت داره تقع على جانب مستنقعات "شطيط" خلف السدة الشرقية!
اطلقها في المرة الأولى فمنحه الحاكم العسكري العام "احمد صالح العبدي" خمسة دنانير، "هذه للكتب لا لإطلاق الصواريخ"
كان يحمل في داخله نزعة المعرفة الحادة واطلاق الصواريخ، اندهش استاذ الرياضيات "سليم زويلف" في المتوسطة النظامية لذكائه ومقدرته على حل المعادلات الرياضية بأقصر الطرق.
اطلق الثاني، فحكموا عليه، وكنا نزوره في سجن ابي غريب في عهد النظام السابق.
غادرنا صباح مثلما غادرنا العشرات من اصدقائنا والمتمردين الباحثين عن الحرية، بالدهس والخطف وكاتم الأصوات... التحق اللامي مثلما التحق صباح حسين في المؤسسة العسكرية، وكأنهما يحققان حلم الثورة والتغيير والزحف على بغداد...
لكن الانقلاب الأسود في الثامن من شباط العام 1963، كانت له حسابات اخرى، سبقت احلامنا فصادف ان يكون جمعة اللامي تحت قبضة الجلادين، ثم اعتقال صباح حسين في معسكر الرشيد بعد ليلة ساخنة في المواجهة ومقاومة زمر البعثيين خلف السدة الشرقية.
وقفت سيارة عسكرية، امام معتقل "الخيالة" في بغداد الذي سيرد وصفه في رواية "الوشم" لعبد الرحمن الربيعي، نادوا عليه وحده في الصباح، كنا واقفين، نرقب المشهد بصمت وكأن الواحد منا ينتظر دوره الآتي الى المجهول كبلوه في قيد ورموه فيها، بحركة همجية لامثيل لها.
كنا ننتظر التفاتة منه، نودعه الا ان الداخل فيه كان اكبر من معاني النظر الينا... حملوا النائب ضابط الشاب معهم الى حشود المعتقلين من العسكريين والمدنيين فصار زائرا بين سجن الحلة والسجن الصحراوي في "نقرة السلمان".
حضرت مرة لأودعه عند القطار النازل الى السماوة ولما يزل القيد الذي شاهدته في معتقل "الخيالة" ملفوفا على معصميه!
كنت ازوره في سجن "الحلة" مثلما ازور المناضل الشهيد "معين النهر"... والشاعر مظفر النواب، الذي عرفني عليه اللامي في احدى زياراتي الى السجن، ومن هناك كان اللامي العلامة الأولى التي اخذتني الى النواب لترتيب مستلزمات الهرب بحفر النفق الكبير!
جمعة اللامي، حزمة عراقية ممتلئة بصخب العراق وتناقضاته والأحلام الآتية لجيل نشأ في خضم الثورة.
لكن "الخلية" ان جاز التعبير التي ضمت اللامي وصباح صاروخ وعبد جاسم وحسين عيال وفياض موزان وخضير عباس اللامي، بقيت متوهجة بالعراق والحلم والتمرد والكتابة...
ولعل اللامي، اختزل التجربة الطويلة فأخذنا الى عالم السرد والحكاية والخيال والإبداع، فوجدنا انفسنا، كائنات انسانية، نحلم ونخفق من دون انكسار وهزيمة في اعماله القصصية والروائية في مجموعته القصصية من قتل حكمة الشامي و "اليشن" ورواية المقامة اللامية و "زينب".
انه لم يغادرنا، ما دام يكتب عن بيئتنا في العراق وعن غربتنا الطويلة!
حظي اللامي عند زيارته الأخيرة لبغداد بحفاوة تليق بالكاتب والمبدع الذي يحمل الق العراق ويتفاعل مع نبضات ووجدان الناس فيه، فاحتضنت قاعة فؤاد التكرلي في جمعية الثقافة للجميع التجربة الطويلة وريادة الكتابة في السرد القصصي المختلف والمتجدد...
ولعله يشد الرحال هذه المرة عائدا الى وطنه بعد تكريم يليق به في دولة الإمارات العربية، قضى شطرا من حياته فيها، بالكتابة والاستقرار والإبداع...
فتحية لكل الذين آزروا جمعة اللامي ووفروا له شروط التواصل ودفء العلاقات الإنسانية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما هي الأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بالتوحد؟ • فرانس 24


.. مدير مكتب الجزيرة في غزة وائل الدحدوح: هناك تعمد باستهدافي و




.. الشرطة الفرنسية تدخل جامعة -سيانس بو- بباريس لفض اعتصام مؤيد


.. موت أسيرين فلسطينيين اثنين في سجون إسرائيل أحدهما طبيب بارز




.. رغم نفي إسرائيل.. خبير أسلحة يبت رأيه بنوع الذخيرة المستخدمة