الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أداء الممثل علي الشجيري في مسرحية احلام الفناجس

سرمد السرمدي

2012 / 10 / 15
الادب والفن


اتخذ الممثل طريقه من بين سطور هذا النص المسرحي ليمتد احساسه الى عمق تلك الكلمات المدونة من قبل مؤلف عراقي يستشعر بالهم التاريخي لهذا الأرض باحثا في الوقت نفسه عن امل في باب سجن تتهادى في فتوحاتها متقبلا الحلم تلو الحلم بديلا عن كابوس الواقع, ربما يكون النص الذي قام بتأليفه بيات محمد مرعي, تحت عنوان أحلام الفناجس, أقرب لكلمة على لسان الراوي منه الى نص مسرحي مونودرامي, الا ان التزام المخرج علي عدنان التويجري, بحرفية المسرح التقليدية رفعت مستوى النهج الواقعي في عرض مسرحي يدين لا انسانية قصة يقوم بدور بطولتها مجبرا وعلى حين غفلة متهم هو منذ الولادة, كل من تلطخ قلبه بالأنسانية في العراق, فأحسن اختيار الممثل علي الشجيري, إنسانا وممثلا.

ان المونودراما ليست بالمهمة المزحة, فقد تلقى الضربة تلو الأخرى من قبل علي الشجيري الكثير من الممثلين على يدها, وعلى سبيل الحصر مثال الممثل سامي عبد الحميد في اخر عرض مونودرامي له في كلية الفنون الجميلة التابعة لجامعة بابل, كذلك نقف عند محاولة الممثل سامي الحسناوي في مونودراما على ذات خشبة المسرح اعلاه, ورغم ان سامي الحسناوي لم يجد في المحيط التقني كما توافر لسامي عبد الحميد من حفاوة تقنية بامتياز, الا انه حاول قدر امكان خبرته وعبقريته التواصلية مع جمهوره المحلي ان يمهد للتصفيق في اثناء وبعد العمل متجاوزا تلك العقبة التقنية المتمثلة في انقطاع الكهرباء, ومن هنا نقف عند مقارنة متواضعة بين الممثل علي الشجيري وسامي الحسناوي متجاوزين مثال الممثل سامي عبد الحميد الذي لا يمكن للكهرباء ان تتجاوز قامته الفنية وتتجرأ على الأنقطاع, وبما ان مادة فن التمثيل لم تتخذ في تفكيرها مستقبلية وجود مثل هذه المشكلة عند الممثل المسرحي, فكان ارتجال الحل لا يخلو من ابداع عند الممثل علي الشجيري, فقد اكتفى بأن تجمد في مكانه في وضع الستوب كادر, ولم يرمش على اقل تقدير الى ان عاد التيار الكهربائي ليبث الحياة في اجهزة الصوت والإضاءة المسرحية, وعدنا من حيث توقفنا لمتابعة هذا العرض كجمهور يحبس الأنفاس ويتلقف الأخطاء لأجل معرفة ترفع من مستوانا الفني في التلقي حينما ندرك من هو الممثل ومن هو الذي يعرض لنا كونه ممثل الا في خارج أوقات التيار الكهربائي الرسمي, وبغير قصد تعالت صرخات سامي الحسناوي عند حدوث ذات الموقف معه, وندد واستنكر وجرى بينه وبين الجمهور حوار عن أزمة الكهرباء, وذلك اثناء انقطاع التيار الكهربائي عن المسرحية, ولم يدرج يوما ان الممثل يمكن ان ينقطع عن الشخصية في عمل مسرحي الا في مسرح بريخت الذي لم تكن تنتمي له مسرحية سامي الحسناوي, ولا مسرحية علي الشجيري, وهذا يعني ان لدينا ممثل شاب جدا في دراسته اللا اكاديمية وفي خبرته اللا سبعينية قد وجد حلا لانقطاع التيار الكهربائي في اثناء عرض مسرحي عراقي, علينا ان ندرجه كمثال عملي حينما يتم تدريس مادة نظريات فن التمثيل المسرحي في العراق, لأن مقارنته بعمالقة الممثلين وأساتذة التمثيل لا تعتمد على العمر والمستوى الأكاديمي, بل على شهادة الجمهور, نوعا ما.

ان تعامل الممثل علي الشجيري مع هذا النص لم يكن على مقربة من أي من التيارات اللامسرحية المحبطة لجمهور المسرح في العراق, والتي من شأنها ان تحمل كل الأستنكار والنفور الناجم بين خشبة مسرح تعرض الأنسان بكونها ترقص على جراحه تارة في ملهى عائم على الخشبة تحت عنوان المسرح الشعبي واخرى على شكل مرقص للباليه لا يمكن لكراسي الصالة ان تستوعب اكثر من اصابع اليد كما من جمهور عرف بالنخبة جزافا ونوعا, هذا الحال الذي يمثل واقع مسرح العراق استنفر بالممثل علي الشجيري تلك الوقفة على مبدأ وجد له المسرح منذ القدم, ذاك الأخلاص لهذه العلاقة بين الممثل والجمهور, ذاك العهد المبرم دون شهود الا تاريخ النقد الرصين, فأتخذ الممثل علي الشجيري من هذا طريقا لنجاح لا يستجدي تصفيق جمهور, او يبغي بغاء شباك التذاكر المستند على الكبت الأجتماعي لميول الشباب المراهق ان يرى تلك العارية ترقص وهذا الطبال يطبل, ذاك بعيد عن رؤية الممثل علي الشجيري لمسرح أريد له ان يقاس بسعر صرف الدولار, فبعد مسرحية سماء حالكة الضياء المونودرامية , وبعد مسرحية العصر الجليدي الخامس, لم يكن للممثل علي الشجيري الا ان يكمل طريقه ليرتقي بنا الى مونودراما احلام الفناجس, لنواجه كابوسنا.

خارطة المسرح التي استنتج المخرج مفرداتها من المساحة الروائية المبالغة في شرح دواخل الشخصية الممثلة من قبل الممثل علي الشجيري, تمتد من اقصى اليمين لأقصى يسار خشبة المسرح, فالمكان في ابسط وصف هو عبارة عن سجن اقرب للأنفرادي, يتخذ منه المسجون عالما بديلا, يتضح ذلك من خلال الوجوه المرسومة من قبله على الجدار بحيث تتخذ مكانة اناس يحادثهم لكي لا ينسى انه ينتمي اليهم ولأن هذا هو الغرض الوحيد من وجوده في السجن كما يبين من خلال معنى المونولوج المفترض حول المكان, أي ان ينسى, ثم ينتقل ليمهد تعامله مع مفردات الديكور المتناثرة على شكل مانيكان اعتاد المسرح العراقي ان يتمسك بها بديلا عن أي فعل تمثيلي آخر, ذاك اثر تراكم من خلال الجوائز المفرطة في العبث لبعض المسرحيات التي استثمرت المانيكان, وكحال أي مهنة يسير فيها ممتهنوها على طريق الناجح تحت توقيع النقاد, فلا ضيران كان هذا اثر مهرجان تلو بهرجان فاشل, الا ان الجمهور لا يعرف الفرق بين استثمار المانيكان واستغلاله, وهنا لم يكن لخطة اخراج المسرحية ان تبتعد عن الأستغلال, لأنها باجتزاء الرمز واقتصار الدلالة المستقاة من نصف مانيكان لم تعوض الاعن ما كان يمكن ان يتوافر للممثل علي الشجيري من مساحة تمثيل تتحدى فيه الخيال ليشغلها, كما الصحراء تحدت الانسان ليزرعها, وفي ستراتيجية المخرج ان يتماهى الممثل بين علامات الخطة الأخراجية للدرجة التي نرى فيها بصمة مبدعة للمخرج في كل حركة, مما يثير استغراب كون هكذا طاقة لم تصقل الا من خلال التلقين المدعم بالتقليد لكيفية رؤية الأداء التمثيلي من قبل المخرج والتي بدورها حالت دون خروج الممثل من نمطية اعمال سابقة اخرها قد نال من خلاله جائزة افضل ممثل مسرحي في مهرجان ينابيع الشهادة الذي اقيم في بابل, لكونه رسم شخصية رئيسية يبحث عنها المخرج المسرحي في بابل حينما يتصدى لنص مسرحي, لكن هذه الشخصية المعلبة الجاهزة لتكون في أي عرض مسرحي لن تتقدم بالممثل علي الشجيري اكثر مما تقدم اعمالا للمخرجين تصطف في قائمة قد تقرأ في يوم ما كما لا نوعا, رغم ان الممثل علي الشجيري حاول بكل وضوح ترتيب اولوياته كممثل يتصدى لعمل مونودرامي, ورغم كون هذا العمل انهال عليه بالصدمة تلو الأخرى من ضيق افق الأبداع الذي يتلوه النص محددا لسان حال الشخصية بذكريات لم يكن من الصعب توقعها لدى المتلقي, الا ان تعامل الممثل مع مفردات الخشبة لم يخرج بالجديد, فكان العمل تفسيريا على مستوى الآخراج, مما جعل بالأمكان ان يجلس الممثل ويقرأ لنا النص وهو يشير بيده لكل المفردات التي حوله, كما الحكواتي.

على مستوى الأداء الصوتي للممثل كانت المرونة التي اتخذت لها سبيلا بين مونولوج النص تجتاز مراحل صعبة في اغلب مراحل انتقال المسرحية من حدث لحدث اخر لا يفرق بينهم ذاك التفريق الواضح من التعرف المقدم للمتلقي, فهنا ابتلعت هذه الحوادث المتشابهة التي لم يكن بينها الا جامع واحد يستطيع من خلاله الممثلان يتعكز باداءه عليه, وهو الحزن والظلم الممكن تناوله عرضا بتلوين معين في الصوت عند نطق الكلمات خصوصا في العرض الأول التي سبق العرض قيد النقاش والذي اقيم خلال مهرجان فني لمؤسسة ميزو, واكتفي بهذا القدر من عنوان المؤسسة كاختصار عهدناه في سياق اللغة البحثية حينما يكون اسم العلم معروف للدرجة التي نال هذا السياق من المخرج الروسي قسطنطين ستانسلافيسكي واصبح في بعض المصادر يكنى ب ستان فقط, في هذا العرض بالذات والذي يعتبر ذروة تجربة تمرين وعرض سابق, لم يكن لأداء الممثل علي الشجيري على مستوى سلامة اللغة من عيب, بل انه كان واضحا جليا نتاج ذاك المران المتماسك من التشديد على أهمية التمارين المسرحية, وارتفع مستوى أداءه صوتيا في اغلب تفاصيل الدور الدرامية ليضرب عمق المعنى الذي أضافه الممثل على مفردات النص والإخراج القاصرة دونما دراية عن استخراج ما يمكن قوله في الظرف المتاح على حد رأي أرسطو, الا ان هذا التحدي لم يجعل من الممثل الا اكثر إشراقا وإصرارا على استكمال طريقه بين دقائق هذه المسرحية ليخترق قلب الجمهور, بامتياز.

جرى كل ذلك تزامنا مع آلية توصيل تضمن وضوح المعنى, تخلل ذلك انهيار تام لمستوى الأداء الحركي, لأن التركيز على وضوح الصوت كان احد أعمدة مسرح العلبة ولم يزل كذلك, الا ان أداء الممثل الحركي تقيد بشكل شبه تام بهذا التقليد, فكانت اغلب التعبيرات المتوقعة من الممثل عند مواقف معينة كمعرفته بأن حارس السجن قد كذب عليه وقال ان هنالك فتاة جميلة مسجونة بالزنزانة التي قرب زنزانته لكي يخدعه او يمازحه او حتى لكي يزيد الطين بله عليه طوال سنوات السجن وهو الجالس يحلم بهذه الفتاة ويوم تخرجهم سوية من دنيا الظلام الى شمس ما بعدها شمس من الحب الناجم عن مشاركة الحزن, لم يكن هذا واضحا في النص ولا مبررا بالشكل المنطقي الذي يجعل فعلة الحارس تتجسد كفعل تمثيلي من خلال الممثل الذي أضاع وضاع بين تعبيراته معنى هذه النهاية لسجنه الطويل على خشبة المسرح, فتتلاطم بموج رياح التغيير في الأداء الحركي للدرجة التي نالت من كل جهده, أملا في التنوع, كسرا لروتين خط النص المستند على الرواية ابتداء, وقد تمالك الممثل عضلاته ليحيل كل هذه الصور المتناثرة الى لوحة في وحدة موضوع كان يجسد مركزه, فتمادى مشكورا في اجتناب عبثية الحركة التي يمكن ان تصادف أي ممثل دون وعي بكونه استدرك أي علي الشجيري ان هذه المسرحية قائمة على التركيز الممتد من قبل المتلقي على جسد الممثل وتقلباته حول تضاريس هذه الخشبة, بكونها مونودراما. وفن للمسرح, لن يعوض فيه عن تواصل الممثل المباشر مع الجمهور أي من التقنيات النائبة عن خطة المخرج في الكشف عن رؤيته, لذا وكان واضحا كم الإدراك المتحصل لدى الممثل بهذا الخصوص, تعمد ان يكون هو الحدث رغم ان النص يفرض عليه شخصية مؤلف يتحدث والمخرج يفرض عليه شخصية مخرج يفسر ما يقوله المؤلف, كان الممثل علي الشجيري من بين كل هذه الصراعات الإبداعية للمؤلف والمخرج على الخشبة وسيادتها , هو الذي ساد أخيرا, بجدارة.

إصرار علي الشجيري لا بد ان يستمر, لا بد ان يكون مثلا يحتذى به من قبل مئات الحاصلين على شهادة اكاديمية في الفنون المسرحية بلا قيد او شرط ومنهم من لم يعرف لخشبة المسرح طريقا, ان ما نتأمله في علي الشجيري كممثل وحيد اوحد في مدينة الحلة للوقت الراهن, ان يتمهل في التصدي النمطي للشخصية الرئيسية املا في المزيد من التركيز على البطولة والتي لم يطلبها الا ان مواصفات الممثل هنا تفرض عليه هذه الأدوار, فكم ممثل يجيد حفظ النص وأداءه بلغة عربية فصيحة لفظا ومعنى, دون ان يتلعثم او يمسح عرق جبينه او يخجل في مدينة الحلة وبعمر علي الشجيري بالذات, الا ان هذه المواصفات المميزة له لن تكون العون الكافي ان لم يدرك أهمية الأدوار الثانوية والمجاميع المسرحية بل ودوره من وراء الكواليس أيضا, فعملية الفهم المسرحي تمتد من كونه متفرجا لكونه بطلا لمسرحية, ولم يكن الكثير من الممثلين العراقيين بهذا القدر من الحظ والوعي ليدركوا هذا السر الذي يجعل من المسرح الروسي مدرسة للتمثيل مقارنة بالمسرح الأمريكي الذي يقترب من صناعة الممثل, وبين هذا وذاك من الفهم المختلف حول التمثيل كمهنة اجتماعية ونجومية فردية, يقف المسرح العراقي ليقدم لنا راقصة بلباس ممثلة, ثم طبال بكونه المضحك الأوحد, فكم منهم استحق ان يعتلي الخشبة فعلا, وكم من الجمهور استحق ان يقف مع نفسه وقفة حداد لموت ضميره وهو يدفع لتذكرة دخول ليتلقى هذه الأمانة باسم الثقافة والفن والمسرح, أليس الجمهور هو الحكم أولا وأخيرا ! .

الكاتب
سرمد السرمدي
أكاديمي - مدرس مساعد - ماجستير- فنون مسرحية - كلية الفنون الجميلة - جامعة بابل - جمهورية العراق








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل