الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وزارة البيئة العراقية والكوادر العلمية

كاظم المقدادي
(Al-muqdadi Kadhim)

2005 / 3 / 5
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


وزارة البيئة العراقية والكوادر العلمية
وكيل الوزارة السابق - نموذجاً
المهمات التي تواجهها وزارة البيئة العراقية الفتية، التي استحدثت لأول مرة في العراق، في اب 2003، إستجابة للحاجة الماسة، وكضرورة اَنية ملحة، أملاها التدهور البيئي الراهن، هي مهمات كثيرة ومتنوعة، صعبة ومعقدة، لا أقلها التلوث البيئي الخطير بأنواع الملوثات البيئية، الذي يفترض ان تكون مهمة تحديد مستوياته وتقديم الإسعافات الجادة والعاجلة في مقدمة الأولويات، لإنتشال الواقع البيئي القائم مما هو فيه من كارثة مزمنة. من نافلة القول ان تتطلب هذه المهمات، من بين ما تتطلب، توفر الكوادر العلمية والفنية المختصة في المجالات البيئية المتنوعة. بينما نجد لليوم ان الوزارة ودوائرها تفتقر الى العدد اللازم من هذه الكوادر. ليس هذا فحسب، بل ولم تبد الوزارة ووزيرتها الإهتمام المطلوب بالكوادر العلمية والفنية الحالية..

في ظل شحة الكادر العلمي والفني المتخصص،أليس خسارة، وخسارة كبيرة، أن " يطفش" الدكتور علي حنوش من العمل، وهو خبير بيئي كبير، معروف على الصعيد الدولي، ووزارة البيئة بأمس الحاجة إليه ؟

لمن لا يعرفه، الأستاذ الدكتور على حنوش متخصص في ميدان بيئة الموارد الطبيعية، وهو حاصل على شهادة الدكتوراه في العلوم الزراعية،وقد عمل باحثا في جامعة كنكستن-لندن- في ميدان البيئة. وسبق له العمل في مؤسسة البحث العلمي في السبعينات، وغادر العراق بسبب القمع والتمييز السياسي.وعمل باحثاً علمياً اقدم Senior researcher في جامعة البستنة والصناعات الغذائية- بودابست – هنغاريا، واستاذاً جامعياً في الجامعات الليبية. وعمل في الجامعة الاسلامية العالمية ومشرفا على الدراسات العليا في علم البيئة. وقد اصدر ثلاثة كتب عن البيئة العراقية، وله كتاب سيصدر قريبا.ونشر اكثر من 200 بحث ودراسة ومقالة علمية عن قضايا البيئة، نشرت في الدوريات المتخصصة، ووسائل الاعلام الاخرى، وبعدد من اللغات..
بعد سقوط النظام البعثي الفاشي كان من أول العائدين للعراق للمساهمة في إعادة إعماره وبناء مؤسسات المرحلة الجديدة، وعمل مستشاراً في وزارة البيئة، ومن ثم وكيل وزير للبيئة.وقد ساهم أبان فترة تكليف المهندس عبد الرحمن صديق كريم-أول وزير للبيئة العراقية، على نحو فاعل وكبير، في وضع برامج أستراتيجية لوزارة البيئة للمرحلة الانتقالية(1-2 سنة) وللمرحلة متوسطة المدى(3-5 سنوات).
ويذكر ان البرنامج الأستراتيجي للمرحلة الانتقالية ركز على اولويات تشمل:
1-التركيز على بناء القدرات، وتشمل التدريب والتاهيل على نطاق واسع لكادر الوزارة، وتحديث البنية التحتية - من مختبرات وتجهيزات ومباني وغيرها.
2-اجراء مسح سريع لحالة البيئة العراقية، وتحديد المواقع الاكثر تلوثا، ومعالجة المناطق الساخنة.
3-الاهتمام العاجل بدراسة واقع محيط اهوار جنوب العراق، والسعي للتعاون مع المنظمات الدولية لاحياء النظام البيئي لاهوار الجنوب.
4- مراجعة الاتفاقيات الدولية والاقليمية في البيئة، والسعي للانفتاح على المجتمع الدولي،عبر المشاركة في الاتفاقيات التي امتنع النظام السابق من المشاركة فيها، مثل اتفاقيات الاوزون، حماية التنوع الاحيائي، حماية التراث، حماية بيئة الخليج العربي، وغيرها.
أما برنامج المرحلة متوسطة المدى، فقد إشتمل وتم ضمنه اعداد مجموعة مشاريع عرضت جميعها على الهيئة الاستراتيجية العليا، وقد أقرت كجزء من المشاريع التي قدمت ضمن قائمة المشاريع الى الدول المانحة.
بيد ان التغيير الوزاري، الذي رافق انتقال السلطة من الادارة المدنية المؤقتة للإحتلال الى العراقيين، وفر ظروف ادارة جديدة اتسمت بالفوضى والارتباك في صياغة الأولويات ومستوى جدية متابعتها.وهو ما إضطر الدكتور حنوش الى الإستقالة من الوزارة. وقد أرجع أسباب إستقالته الى ما يلي:
1- منهجية عمل الادارة، التي اعتمدت على القرار الفردي، وحرمانه من المشاركة في صياغة القرار وتنفيده. كما اتسم اسلوب العمل بانعدام الشفافية وضعف تنمية الشعور بالمسؤولية. بعبارة أخرى برزت مشكلة جدية اسمها الافتقار للعمل المؤسسي في صياغة واعداد برامج العمل والمشاركة في التنفيد من جانب اخر.
2- ممارسة العنف الاداري، والميل لاستبدال مجموعات من الفنيين من كادر الوزارة، بمجوعات اخرى من وزارات اخرى كالتعليم العالي وغيرها. وهو نهج إعتبره يتسم بقصر النظر، و يتعارض مع مبدا التنمية المستدامة لكادر الوزارة حديثة التأسيس.
3- استغلال الموقع الوزاري لاجراء تحويرات وتغيرات لا تنسجم مع مهمة الوزير لكون مهمته تنحصر بتصريف الاعمال وليس اجراء عمليات جراحية يومية لهيكل الوزارة بطرق غالبيتها تعتمد على الرؤيا الذاتية الممتزجة بضعف التجربة.
4- سوء الادارة والتصرف بالمال العام. فقد كانت الخطوة الاولى للوزيرة مشكاة المؤمن استبعادها للمفتش العام، وبقيت الوزارة بدون رقابة لفترة تقارب الاربعة شهور، مما افضى الى التصرف بالمال العام بطرق عشوائية ومضرة.
5- محاولة حرف طبيعة عمل الوزارة من وزارة رقابية الى وزارة تقديم خدمات. فقد شرعت الوزارة بالتعاقد مع القطاع الخاص بتزويد بعض المناطق المنكوبة(النجف ومدينة الصدر) بقناني مياه الشرب، ومواد غدائية، واخيرا قامت بتوزيع نسخ من القران الكريم، كلفت ميزانية الوزارة مبالغ طائلة. وتلك المظاهر تبدو ذات طبيعة انسانية، غير انها تتعارض مع واجبات الوزارة الرقابية. فوزارة البيئة ليست مؤسسة اغاثة او وزارة اوقاف. ويبدو ان الهدف التصرف بالمال العام بطريقة عشوائية، على حساب اولويات عمل الوزارة وتنميتها.
6- عدم فهم خصائص عمل الوزارة واولوياتها، والتصرف بطريقة غير منهجية. فالعمل البيئي بعيد المدى، وبحاجة لجهود مضنية عبر تعزيز مكانة الوزارة المعنوية. فقوتها الفعلية تكمن في مدى قدرتها العلمية والسريعة على تشخيص مظاهر التلوث البيئي والتحذير من اخطارها على الصحة العامة والتنمية المستدامة. وعلى مدى قدرتها على فرض الاجراءات والعقوبات على المؤسسات والشركات الملوثة للبيئة. وليس اخيرا خلق قوة ضغط فاعلة قوامها الاثبات العلمي المتزاوج مع قناعة ومشاركة الراي العام ومنظمات المجتمع المدني.

وارتباطا بالعوامل الانفة الذكر، وبالرغم من تقديم الدكتور حنوش لمذكرات وملاحظات شفهية، الا انها لم تجد اذنا صاغية او حتى الاحترام، بل ان انها ادت الى عزله وسحب المهمات الواحد بعد الاخرى منه، حتى اصبح يحمل اسم وكيل وزير، دون اية صلاحية ولا اية مسؤولية محددة. فضلا عن انعدام توفير الحد الادنى من شروط تامين الحماية الخاصة له، على الرغم من التهديدات التي كان يواجهها، اضافة الى اجواء الشك والريبة والرصد التي كانت تسود اجواء العمل اليومي.

إن من يعرف الدكتور علي حنوش جيداً، يعرفه كخبير بيئي بارز، قدم الكثير للتعريف بالكارثة البيئية وأسبابها في العراق في ظل النظام البعثي الفاشي المقبور. وهو أكاديمي جاد وصاحب مبدأ، كافح وناضل بتفان ونكران ذات ضد الدكتاتورية والإستبداد، وفي سبيل حرية وسعادة شعبه. ويمتلك، الى جانب الطاقة والحيوية، كفاءة ومؤهلات علمية مشهودة له دولياً يمكن توظيفها للمساهمة في إنتشال البيئة العراقية من واقعها الراهن المزري.وإنطلاقاً من ذلك نأسف شديد الأسف لإستقالته من وزارة البيئة، ونعتبرها خسارة كبيرة لعالم وخبير أكاديمي يحتاجه العراق، بل وبأمس الحاجة لأمثاله، في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها البيئة العراقية. ومثله لا يمكن أن " يطفش " من العمل بسهولة، إلا إذا كانت الإسباب والعوامل كبيرة وخطيرة!..
نأمل أن يسعى الوزير الجديد لوزارة البيئة في الحكومة الإنتقالية المنتخبة الى إقناع الدكتور على حنوش بالعودة الى الوزارة، والإعتماد على كفاءته ومؤهلاته في تطوير أداء الوزارة ودوائرها وتنفيذ مهماتها لمعالجة المشاكل البيئية خدمة لصحة وحياة العراقيين !
---------
* د.كاظم المقدادي - باحث عراقي مقيم في السويد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الإسرائيلي يواصل عملياته في جباليا ورفح بينما ينسحب من


.. نتنياهو: القضاء على حماس ضروري لصعود حكم فلسطيني بديل




.. الفلسطينيون يحيون ذكرى النكبة بمسيرات حاشدة في المدن الفلسطي


.. شبكات | بالفيديو.. تكتيكات القسام الجديدة في العمليات المركب




.. شبكات | جزائري يحتجز جاره لـ 28 عاما في زريبة أغنام ويثير صد