الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


برسم الانتلجنسيا العربية

سامي العباس

2005 / 3 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


إحدى معجزات الايديولوجية النضالية استقامتها..فهي عندما تنظر الى الأمور لاترى منها إلا مقدماتها..ولقد تفاقمت هذه الاستقامة بعد أن تولىّ زمام أمورها العسكر ,فأزاحوا الجيل المؤسس من معلمي المدارس الابتدائية,وأدخلوا الى هذه الأيديولوجية الضبط والربط (على حد تعبير العسكر المصريين )فأصبحت لاتستطيع أن ترفّ بعينها يمنة او يسرة , لترى ان وراء الحلقة حلقات تمسك بعضها ببعض الى ما شاء الله ..مثال ذلك :
ان المسكين صدام حسين قد افتئت عليه في مسألة أسلحة التدمير الشامل..لقد احتل الأمريكيون العراق وفتشوه شبرا شبرا,فعثروا على صدام في جحر,لكنهم لم يجدوا حتى في جحره شيئا من أسلحة التدمير الشامل !!
وهكذا فإن عدم عثور الأمريكان على صدام متلبسا وأسلحة التدمير الشامل في جيوبه, قد غطى على ما تبقى من حلقات السلسلة: حربه الأخوية مع إيران..احتلاله الإنساني للكويت..سعة صدره حيال مواطنيه الأكراد, إذ قّوم اعوجاجهم بأضعف الإيمان (الكيماوي)..إما المقابر الجماعية فهي شهادة على ورعه وتقواه...أليست أدياننا المختلفة حتى على لون السماء مجمعة على ان إكرام الموتى دفنهم؟!!
وهو-عند هذه لم يقّصر جزاه الله كل خير –إذ استورد من بلاد الكفار بلدوزرات لكي ينفّذ ما اجمع عليه لاهوت المنطقة..فإذا حصلت بعض الاستثناءات وأبقيت الجثث معلقة في الشوارع لبضعة شهور , فلتعليم العراقيين تقدبد اللحم البشري..
إذا كان حكامنا من أمثال صدام – وكلهم مثله في شهوة التسلط على البلاد والعباد- يحتاجون الى ضرب على أقفيتهم حتى تحمّر خجلا مما فعلوه بشعوبهم , فإن الأيديولوجية النضالية المسيطرة على عقول الكثرة الكاثرة من قادة الفكر والرأي وصناع الرأي العام في المرئي والمكتوب ,تحتاج الى ضرب مبّرح كما تضرب سجادة لتنظيفها في نهاية كل شتاء..ولا أظن شتاء أطول من الشتاء الذي دخلته المنطقة منذ نصف قرن ,بوثوب العسكر على السلطة وإزاحة البرلمانات والدساتير والسياسة,وحق التظاهر والإضراب وإظهار الإختلاف في الرأي وفي المصالح وفي طريقة حك القفا..
وثوب الكولونيلات: من عبد الناصر وحتى حسن البشير بنواياهم الطيبة او الشريرة , أعطى نفس النتائج..إذ أن المؤسسة العسكرية كالدين إذا اقتحمت السياسة فسدت وأفسدت ..ذلك لأنها تقحم أنفها في غير اختصاصها وفيما لا تفهم فيه..
مهمة الجيش الدفاع عن حدود الوطن..ومهمة الدين إدارة الأسئلة التي يطرحها القلق الوجودي على الفرد والجماعة..وإدخال أي منهما الى حقل السياسة يشبه في نتائجه إدخال فيل الى دكان خزاف.
يتوهم الناصريون –مثلا- ان الانحراف عن خط عبد الناصر بعد غيابه قاد الى المخنق الراهن ..رغم ان الإنسدادات الراهنة في السياسة والاقتصاد والإيديولوجية , تعو د بجذورها الى المرحلة الناصرية..
ان الجذور العقلية للإرهاب الأصولي تغوص في تربة التعليم الذي أرساه عبد الناصر , وعمّمه لاحقا بالجنرالات الذين حذوا حذوه في بلدانهم , وبالبعثات التعليمية المصرية التي عممت تعليما قشرته حديثة , ومحتواه ثقافة أهل الكهف ..ولا نبالغ إذا قلنا ان مكانة جنرالات العالم العربي –الاسلامي في الثقافة التقليدية كمكانة الكلب في أسطورة أهل الكهف القرآنية الجميلة,بطابعها الرمزي المفتوح على المعاني,لا باعتبارها واقعة تاريخية يتحدث بها على الفضائيات علماء دين غارقون في البلاهة حتى ذقونهم ..
كما ان المافيات التي تموضعت كعلق على مؤسسات القطاع العام في دول التقدم والاشتراكية , وتقف الآن كشريحة( اجتماعية-سياسية) في حلق التحولات الى الدولة الديمقراطية, قد ولدت في رحم المرحلة الناصرية ونسخها المكررة في العالم العربي , من جزائر بومدين الى عراق صدام حسين..
وكذلك فإن الشيخوخة البائسة للأيديولوجية القومية –الاشتراكية - بعواجيزها الذين يملؤون الفضائيات ثرثرة بالقضايا الكبرى هربا من الصغرى - قد يفعت وراهقت في المرحلة الناصرية ..
آن للعالم العربي – الاسلامي ان يخرج من هذا النفق المظلم الذي ادخله اليه العسكر ,ويريد الإسلاميون التمديد لنا فيه الى ما شاء الله ..
آن لهذا الوعي المكهرب (سوفييتيا/إسلاميا) الهارب من مسؤولية الحرية الى جحور الماضي ,والحاضن لبيض الإرهاب كما تحضن أفعى بيضها لتفقس معكرونة الأفاعي..
آن لهذا الوعي ان ينتفض كما ينتفض النائم من أضغاث أحلامه ليرى العالم كما هو, لا كما خّيل اليه في نومه..
آن لبذرة الشك من يبذرها في عقل اقفل على نفسه ورمى المفتاح في بحر اليقين..
هل نفعل ؟؟

سامي العباس








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انتخابات تشريعية في فرنسا: اكتمال لوائح المرشّحين وانطلاق ال


.. المستوطنون الإسرائيليون يسيطرون على مزيد من الينابيع في الضف




.. بعد نتائج الانتخابات الأوروبية: قادة الاتحاد الأوروبي يناقشو


.. ماذا تفعل إذا تعرضت لهجوم سمكة قرش؟




.. هوكشتاين في إسرائيل لتجنب زيادة التصعيد على الجبهة الشمالية