الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأحلام والديمقراطية

جاسم المطير

2012 / 10 / 17
مواضيع وابحاث سياسية



كثير من الكتب والأشعار والقصص وحكايات الحكماء السالفين والعصريين تشير إلى أن المنصب الحكومي ، مهما كان رفيعا، ليس سوى كرسي بثلاثة أرجل يمكن أن يسقط في أية لحظة فيصبح الكرسي ومـَنْ عليه شيئاً باليا كزجاج مكسور .. بعضهم يعتقد أن المنصب الرسمي هو (تاج) لكنه لا يعلم أن التاج الرث لا يصلح إلا بوضعه على رأس لعبة أطفال. بعض الحكماء يعتقدون أن المناصب الحكومية إذا عُدّت من غنائم الحروب والغزوات الأميركية فأنها ليست سوى كراسي ذات ذراعين وخرز ملونة لإبعاد عيون الحاسدين من زملائهم القراصنة واللصوص والحمقى القادمين إلى كراسي الحكم في الحملة الانتخابية القادمة .
يقال أن الإسرائيليين عرضوا على رجل الفيزياء ، أحد مكتشفي مكنونات الكون، ألبرت أينشتاين أن يكون رئيسا للدولة الإسرائيلية بعد تأسيسها لكنه رفض معتذرا بالفيزياء التي تحتاجه ويحتاجها كل الناس . يقال أيضا أن المصريين عرضوا على أستاذ الفلسفة في جامعة القاهرة لطفي السيد أن يكون أول رئيس لجمهورية مصر فرفض معتذرا بالفلسفة التي تحتاجه ويحتاجها كل الناس . أما في العراق صار بلعوم اغلب الحكام الجدد نهماً لا يشبع بينما كانوا قبل عام 2003 يضحون بعشرات الألوف من الدنانير لتعجن نساءهم خبزا يضعن بداخله جبناً وكراثاً ليوزع على الفقراء باسم (خبز العباس) نذراً إلى الله جل جلاله طلبا في الأمن والسلامة من كل مكروه قد يقوم به أو يؤازره صدام حسين. أما اليوم، في زمان الديمقراطية العراقية، فقد صار نفس الأشخاص يضحون بملايين الدنانير قرابين إلى الله والى الأئمة الأطهار طلباً منهم في الترقية إلى منصب أعلى. من كان مديرا فهو يقدم النذور ليتفوق على حليفه أو غريمه إذا ما أصبح مترقيا إلى مدير عام متظاهرا بالكياسة والأمانة وطيب الأخلاق..! ومن كان بمنصب محافظ في تكريت أو البصرة أو النجف أو العمارة فأنه يحلم أو يتمنى أو يجاهد بتقديم النذور عسى أن يرتقي إلى منصب وزير..! ومن كان وزيراً في الوقت الحاضر فأن منصب رئيس الوزراء ينخر قلبه ليلا ونهارا..! ما أكثر الرجال العراقيين ممن يريدون أن يقطفوا ثمار النصر الأمريكي يوم 9 نيسان 2003 ليكونوا قادرين على تقاسم المجد في مجلس رئاسة الجمهورية..!
هكذا تنتعش وتزدهر على الساحل الغربي أو الشرقي من نهر دجلة أو نهر الفرات (أحلام) بعض أعضاء العصبة السياسية – الدينية المستمتعة بحقوق متساوية مع زملائهم الآخرين ممن سبقوهم في الوصول إلى مناصب عليا استقروا فيها بالقــَسم الذي اقسموه أمام الله أو أمام قيادة حزبهم أو أمام البرلمان أو أمام ضريح من أضرحة الأئمة المعصومين ..!
لا أظن أن أحداً سيعاندني إنْ قلت أنّ منصب (وزير) صار (حلماً) يداعب خيال رجال السياسة الجدد بما فيهم رجال معممين يقولون ، في النهار، لأصحابهم المقربين أن الله خلقهم للاستيطان في المساجد والعبادة وتحذير الناس من الفاسقين المتعسفين ومن الفساد والفاسدين السارقين لكنهم سرعان ما يقولون ، في الليل، لزوجاتهم أن الله خلقهم لقيادة الدولة والحكومة والمحافظة والوزارة والبرلمان والأحزاب وكل شيء .. هكذا يمحي كلام الليل كلاما قيل في النهار ..! يقولون أن الله خلقهم لرئاسة (مقام الحاكمية السياسية) التي تدر مالاً يتمرغ على حذائه كل محتاج إلى مال أو منصب في هذا البلد المستباح بأعلى رقم من أرقام الفساد في العالم . مع الأسف صار زماننا الحالي قادرا على جعل بعض (رجال الدين) يبحثون عن (وجاهة سياسية) في المجتمع فيبدون أمامها مقيدين، بيقظتهم وأحلامهم، في زنزانة شيطانية من دون أن يدرون..!
كل أحلام المواطنين عن الكرامة والديمقراطية خلال السنوات التسع الماضية تبخرت فوق وتحت مكاتب الوزراء والمدراء والسفراء والرؤساء لأنهم يقضون وقتهم في مكاتبهم بالتوقيع، ورقة بعد ورقة، تقدمها لهم السكرتيرة أو السكرتير . ينتهي يوم عمل معالي الوزير من دون أن يزاول فيه أي منجز مختلف عن منجزات موظفة الأرشيف في وزارته ..! لا شأن له بسير المشاريع والبحوث والانجازات في البنى التحتية والفوقية ، لا شأن له بالصواب في عمله أو أخطاءه، بل الانتظار إلى نهاية الشهر ليورّق مالا كثيرا يضعه في حسابه المصرفي الأجنبي في جنيف أو في دبي شاكرا ( الله ) و(خبز العباس) على تحقيق أحلامه من فوق مقعده الوثير يحيط به ، كل يوم ، مجموعة من النواب الأصدقاء ومن الأقارب الخبراء ومن أبناء العمومة المستثمرين ومن أبناء العشيرة رجال الأعمال..! كلهم يتقافزون حول الوزير المرموق حسب علاقة طائفته بطائفتهم ، نافخين ، مادحين ، منافقين ، لنيل منفعة استثمارية أو لائحة استيرادية ..!
غالبية المواطنين العراقيين الفقراء في بلادنا ، من زاخو حتى الفاو، لا يعرفون ماذا يفعل السادة القادة والوزراء ، في أيامهم ولياليهم ، لا يعرفون عن أعمالهم أي شيء رغم أن العراقيين يعرفون كل ما صنعه صدام حسين ومن قبله تيمورلنك وهولاكو وجنكيزخان في شرق وغرب المدن العربية والإسلامية، يعرفون تماما أن أحلامهم البسيطة ضائعة في انشغالات معالي الوزير وأصحاب السعادة النواب والمدراء في متابعة قضايا الديمقراطيين والديمقراطيات في التعيينات و التنقلات والترقيات والعقوبات والمناقصات والمزايدات والايفادات ..!
لا بد من تذكير الحالمين بالمناصب : لكي تعرفوا الله في السماء عليكم أولاً أن تعرفوا أشياء كثيرة عن حاجات الناس على الأرض..!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بصرة لاهاي في15 - 10 - 2012








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -لن أسمح بتحطيم الدولة-.. أمير الكويت يعلق بعض مواد الدستور


.. في ظل مسار العمليات العسكرية في رفح .. هل تطبق إسرائيل البدي




.. تقارير إسرائيلية: حزب الله مستعد للحرب مع إسرائيل في أي لحظة


.. فلسطينية حامل تودع زوجها الشهيد جراء قصف إسرائيلي على غزة




.. ما العبء الذي أضافه قرار أنقرة بقطع كل أنواع التجارة مع تل أ