الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


واقع الثقافة العراقية ، إلى أين ..؟؟

بشرى البستاني

2012 / 10 / 18
الادب والفن


المتأمل الموضوعي للثقافة العراقية اليوم يدرك دون شك أن هذه الثقافة بالرغم من الارباك الذي يكتنفها وقلة الدعم الذي تحظى به ، إلا أنها بجلِّ أنواعها تثرى وتتنوع وتتباين في إبداعها وأساليبها وطرائق تعبيرها ، ويثابر مبدعوها من أجل تطوير رؤاها ، حتى يمكننا القول أن هذه الثقافة أكبر من المؤسسات التي كان يُفترض أن تحتويها رعاية ومؤازرة وتشجيعا . من هنا لا بد من الإقرار أن ثقافتنا بحاجة إلى معالجات جذرية لحل المعضلات التي تعاني منها ، وطرح فلسفة شاملة ذات هدف موحد يرمي إلى الحفاظ على وحدة العراق أرضا وشعبا وتراثا حضاريا متواصلا مع تاريخه المعرفي العريق من خلال بناء مؤسسات ثقافية حرة رصينة يقودها مبدعون حقيقيون يتسمون بوعي يسعى إلى خدمة العراق وثقافته ومنجز شعبه وترصين رقي مجتمعه ، فلسفة تضع لها ستراتيجية نبيلة تخلصنا من الإرباك وعوامل القطيعة وتضع خطوطها المعرفية موضع التنفيذ جامعةً مثقفي العراق ومبدعيه تحت راية واحدة تسعى إلى بناء مستقبل آمن وحر من أي تبعية كانت ، فالحياة الثقافية مصطلح مكتنز مركب – إن عددناه مصطلحا – تدخل في ميادينه حقول كثيرة ومهمة فهو يشمل الإبداع والإعلام وأنواع المعارف والمستويات الأكاديمية ودور الثقافة واتحاد الأدباء والفنانين والإعلاميين ووسائل النشر دورا ومؤسسات ويشمل النقد والترجمة ومراكز الثقافة والفنون وبيوت الشعر ، كما يشمل مقارعة الجهل والأمية ، فكيف ننظر الى الثقافة اليوم ومعدلات القراءة في الوطن العربي حسب تقرير التنمية الثقافية الذي أصدرته مؤسسة الفكر العربي ( 6 ) دقائق للفرد في السنة بينما يقرأ الفرد الأوربي مثلا ( 200 ) ساعة في السنة .! ونحن نطمح إلى رفع مستوى ذوق الناس ، ورفع كفاءة التلقي ، ومعالجة معضلة ثنائية المبدع / القارئ التي بنت سدا من الإبهام بين الإبداع ومتلقيه مما يشكل خطرا على ثقافة المجتمع برمتها ، كونه يعزل الإبداع عن بيئته ويسمه بالاغتراب ، كما يجعل الكثير من المتعلمين وحتى المثقفين يقفون عاجزين عن الاندماج في الحراك الثقافي والإبداعي لمجتمعهم ، في حين نجدنا وكل الشعوب النامية بحاجة ماسة لوعي يدفعنا إلى الإسهام في التغيير والنقد والبناء والعمل على درء عوامل السلب ، وهذه المسؤولية المهمة إنما تقع في معظمها على عاتق الناقد لأنها الجزء المهم من مسؤوليته ، كونه الجسر الواصل الفاعل بين الطرفين ، وكاشف الحجب عن الإبداع ليقدمه بأرصن السبل للقراء ، كل ذلك يحتاج لمؤسسات نقد نوعية عالية الكفاءة ، راقية الوعي ، واسعة الرؤيا ، واضحة الهدف ، منهمكة بقضية توحيد المجتمع وتنويره وتطويره ، كما يحتاج لخطط منهجية تعمل بشمولية على جعل الثقافة قضية وطنية من الدرجة الأولى ، وتحرص على تعميم التثقيف بوصفه حقا من حقوق الفرد وواجبا عليه.

ولعل هذا السؤال سيظل قائما حتى تستوفي الثقافة حقوقها في الوفاء بمتطلباتها الاساسية مادية ومعنوية ، والجميع يدرك أن الجواب لا ينحصر في كون الثقافة بنية فوقية تفرزها بنى تحتية فاعلة يؤسس لها الاقتصاد وصراعاته الطبقية ، لأنها في الحقيقة البنية التي ترتكز عليها كل البنى المهمة في المجتمع كونها في التيارات المجتمعية الصاعدة والهابطة تعمل على تشكيل البنى الأخرى برمتها من خلال تشكيلها عقليات ورؤى الفرد والجماعة ، وهذه العقليات بما وعت وما توفر لها من قدرة وحركية هي التي ستعمل على بناء المستويات الناهضة بشرائح المجتمع ،ونظرة متأنية لكل ثورة حقيقية تُرينا قادتها - مفكرين وفلاسفة - بمستويات نوعية ورقي ثقافي ووعي وطني سواء في ذهنياتهم ام في تطبيقاتهم العملية النوعية ، فمن يقود الثقافة العراقية الآن ، وما هي الإمكانيات المتوفرة لهذه الثقافة وقياداتها ونحن نعلم أن الثقافة قوة لا تنهض إلا بدعم مادي متواصل. ووعي قادر على دحض عوامل الفرقة وتغليب عوامل الايجاب من أجل بناء الإنسان ومؤسساته الحقوقية والمدنية النوعية معا .

إن العراق اليوم سياسيا واقتصاديا ومجتمعيا يعيش انكسارات هائلة في فقدانه المتطلبات الأساسية للإنسان مقابل هدر ثرواته في مفارقة حادة فضلا عن شيوع أنواع الفساد من البطالة والرشوة والانصراف عن الاهتمام بمعالجة أسباب معاناة المواطنين ورفع مستوياتهم المعيشية والصحية والعلمية والمعرفية ، مع أن مهمة الثقافة الأصيلة هي العمل على إسعاد الإنسان وحل إشكاليات حياته وتخفيف معاناته ، لأنه لا سعادة وسط إشكاليات الحياة الأساسية ، فكيف ستمتلك الثقافة اشتراطاتها. وكيف تتشكل ثقافة مع ضعف في المؤسسة الثقافية وفقر في إمكانياتها المادية وفي نظرياتها المتماسكة وفي توفير قيادات متمكنة من رصد حقوق الثقافة والمبدعين والمثقفين والعمل على الوفاء بها بقدرة على المواجهة والرفض والتصدي ، إن ضعف الدعم الذي ترصده الدولة للثقافة ، وعدم قدرة وسائل النشر على تلبية حاجة طبع النتاج الابداعي والثقافي ونشره للمبدعين ، وعدم كفاية الدوريات الابداعية الثقافية للتواصل الدائم مع الجميع ، أمور تخل بالوضع الثقافي وبمستواه المأمول ، وتجهز على الثروة الوطنية المعرفية ، فضلا عن غياب التخصيصات للاهتمام بالمبدعين وتوفير كل أنواع التأمين لهم صحيا وحياتيا ، ورعاية الموهوبين وغياب جوائز الإبداع المهمة التي تعمل على إبراز الإبداع العراقي عربيا وعالميا ، كما يغيب الاهتمام بإبداع الشباب وبيوت الشعر والمراكز الثقافية ولا نجد سلاسل وكتب دورية توزع بانتظام على مدن العراق كافة وتصل القرى والأرياف ، ولا دعم للورق والمطابع والمؤسسات المعرفية والمؤتمرات المتخصصة ، فكيف سيكون حال الثقافة العراقية في مثل هذا الجو الضبابي الذي يفتقر للدعم والإدامة ، كل ذلك يدعو المختصين لتفعيل الأدوار التي يجب أن تقوم بها وزارة الثقافة واتحاد الأدباء والالتفات لرعاية الإبداع العراقي من خلال توفير دور نشر ناشطة ومثابرة في الطبع والتوزيع وفي ترصين حرفية إنتاج الكتاب العراقي بكل فروع الكتابة والتأليف . ولا بد لي هنا من توجيه تحية صادقة للمبدعين العراقيين الذين أسسوا مواقع ألكترونية ثقافية مختصة ورصينة شكلت تجمعات ثقافية استقطبت أسماء عراقية وعربية ذات قيمة معرفية كموقع مؤسسة المثقف والناقد العراقي والمتوسط أونلاين والحوار المتمدن والروائي والنور ومنظمة أديبات العراق وغيرها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -مندوب الليل-..حياة الليل في الرياض كما لم تظهر من قبل على ش


.. -إيقاعات الحرية-.. احتفال عالمي بموسيقى الجاز




.. موسيقى الجاز.. جسر لنشر السلام وتقريب الثقافات بين الشعوب


.. الدكتور حسام درويش يكيل الاتهامات لأطروحات جورج صليبا الفكري




.. أسيل مسعود تبهر العالم بصوتها وتحمل الموسيقى من سوريا إلى إس