الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثالوث الفرات الاوسط

رؤى جعفر

2012 / 10 / 18
الادب والفن


1. ثالوث وصفه الكثيرون بالسهل الممتنع ,نعم هوسهل ممتنع فلمجرد الحديث عنه أحتاج لمساحة أكبر من مساحة الأوراق. إذ تضيق حدودي وحدود لغتي البسيطة مع حدود أوراقي عن استيعاب عظمة هذا الثالوث , الذي قلما نجد نظيرا له في هذه الأيام .جمع أعمدة هذا الثالوث بين الثقافة والأدب والبحث الأكاديمي وعرفوا بموسوعيتهم ,فمن غير الممكن تصنيفهم على تخصص بعينه فهم أساتذة أجلاء ونقاد كبار وشعراء مجيدون ملكوا ناصية اللغة العربية حتى تخالهم الخليل بن أحمد الفراهيدي .وان تكلموا الانكليزية لتشك بأنهم عرب , أما مايحملونه من تواضع وحسن خلق فهو تواضع العلماء الكرماء والصالحين الأتقياء, فهم ممن يعنيهم القول المأثور(أفضل العلماء أكثرهم تواضعا) يشهد بتعاملهم الإنساني ورقة طبعهم ولياقة فعلهم كل من عرفهم .على رأس هذا الهرم الشامخ العلامة الدكتور علي جواد الطاهر (رحمه الله) الذي جادت به الحلة الفيحاء إذ ولد فيها وأتم دراسته الابتدائية والثانوية في مدارسها ,ليكمل دراسته الجامعية بعدها ويحصل على الدكتوراه من جامعة السوربون في باريس .درس الدكتور الطاهر في الكثير من الكليات العراقية وتلمذ له الكثير من أساتذة الوقت الحالي وكان رائدا من رواد كلية الآداب قسم اللغة العربية في جامعة بغداد ,له عشرات الأبحاث والدراسات والمؤلفات الأدبية والنقدية و(تميز علي جواد الطاهر بدراساته الأدبية على المستوى الأكاديمي وهي دراسات تتصف بالحرص الشديد على الأناة في الحكم والدقة في النظر إلى الجزئيات من أجل بناء كلي متكامل ,والجمع المتنوع بين دراسات تهتم بالتراث وأخرى تهتم بالاتجاهات الأدبية المعاصرة مثل كتابه "مقدمة في النقد الأدبي " و"دراسته عن الشعرالحروالتراث" )1 .أما عمود المثلث الثاني العلامة الدكتور عناد غزوان(رحمه الله) وهو من مدينة الكرم والضيافة الديوانية ولد في رحابها ودرس في مدارسها,حصل على شهادة الدكتوراه من المملكة المتحدة بريطانيا.وعاد بعدها للعراق ليتقلد الكثير من المناصب منها عمادة كلية أصول الدين ورئاسة قسم اللغة العربية في كلية الآداب جامعة بغداد فضلا عن ترأس اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين في الأيام الأخيرة من حياته إلى غيره من المناصب الأخرى لايقل الدكتور عناد غزوان أهمية عن الدكتور الطاهر فهو قمة من قمم الأدب والنقد وتدين له العربية بالفضل الكثير .عرف بثقافته الواسعة وعلميته العالية (لم يكن أستاذا مخصصا , ولا ناقدا أو مترجما,ولا أديبا أو لغويا وفقيها فحسب بل كان موسوعة علمية )2 . جمع بين التراث والحداثة كان (يضع قدما راسخة في التراث وقدما أخرى في المعاصرة يجمع الخطى بينهما في بوتقة واحدة فهو حين يكتب أطروحته في الدكتوراه في القصيدة العربية التراثية يترجم كتاب ت.س اليوت )3 . أما مايكمل ثالوث فراتنا الأوسط العلامة الدكتور محمد حسين الأعرجي (رحمه الله)ولد العلامة الأعرجي في مسقط رأس الكون* مدينة العلم والعلماء ومحط رحال الأنبياء مدينة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) النجف الأشرف . ودرس في مدارسها ونهل من منابعها الثرة حتى أكمل دراسته الثانوية فيها . وتوجه إلى بغداد ليكمل دراسته الجامعية في كلية الآداب جامعة بغداد قسم اللغة العربية ,وحصل منها على شهادة الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها عن أطروحته الموسومة الصراع بين القديم والجديد ,التي أشرف عليها الدكتور الطاهر وكان الدكتور عناد غزوان أحد أعضاء لجنة المناقشة. تلك الأطروحة الأنموذج والتي لاتضاهيها أطروحة أخرى لا في الدراسات الأدبية القديمة ولا الحديثة منها .إذ دلت على ذكاء الدكتور الأعرجي وسعة أفقه بما خرج به من استنتاجات واستنباطات خاصة به وحده فلم يكتب ليتعلم بل كان يكتب ليعلم , وهذا ماشعربه الدكتور الطاهر منذ الوهلة الأولى التي درس فيها الأعرجي على يديه . فأطروحة الدكتور الأعرجي كانت وما تزال منهلا عذبا للدراسات الأدبية القديمة والحديثة , ومن يطلع عليها يجدها حاوية على أربع دراسات في وقت واحد جمعها بذكائه واجتهاده وإخلاصه في دراسة واحدة قل أن نجد لها مشاكل من الدراسات الأخرى . وبسبب المضايقات السياسية التي تعرض لها العلامة الأعرجي هاجر العراق مكرها في نهاية سبعينيات القرن الماضي ليعود إلى العراق بعد زوال الحكم البائد حاملا معه أضعاف ما خرج به من مؤلفات أدبية ونقدية مختلفة العصور .فكانت أمه كلية الآداب قبلته الأولى فعمل تدريسيا فيها وأعاد لقسم اللغة العربية بريقه ورونقه بعد ما غشيته الظلمة لعهود طوال . وأنا ممن حباهم الله بشرف التلمذة على يديه لتبهرني ثقافته الموسوعية وسعة أفقه واطلاعه فلم تكن محاضرة الأدب العباسي مقتصرة على معلومات تخص العصر العباسي فحسب بل كان يخرج المحاضرة من تحجرها وتقوقعها لتكون محاضرة أدبية علمية شاملة فيحلق بنا بعيدا في الأدب والدين والتاريخ وشتى العلوم والمعارف. وكان(رحمه الله) لايرضى بتسليمنا وقناعتنا بأفكاره وآراءه , إذ كان يسألنا دائما عن سبب قناعتنا بأفكاره ويطلب منا مناقشته وطرح أفكارنا ليبني فينا صفات الباحث الجيد وينمي قدراتنا العقلية وأكثرما تعلمته من شيخي وأستاذي الأعرجي الوفاء لجميع الناس لاسيما أساتذتي ,إذ لم يمر يوم دون أن يذكر الطاهر وفضله عليه أو الدكتور غزوان .وكان يتحدث عنهما حتى خلتني رأيتهما من قبل وتلمذت لهما فكان يصورهما أبدع تصوير واصفا علميتهما وموضوعيتهما في البحث فضلا عن وصفه تواضعهما وإنسانيتهما الراقية . وأذكر ذات يوم أقام قسم اللغة العربية في كليتنا حفلا تأبينيا بمناسبة ذكرى وفاتهما التي تصادف في الشهر نفسه وكان الأساتذة الأجلاء يقدموا شهاداتهم بالفقيدين .فوقعت عيناي على أستاذي الأعرجي ورأيت الدموع تنهمر من عينيه كمن فقد أباه لتوه . شكل الأعرجي ثالوثا متميز مع أستاذيه الطاهر وعناد غزوان, فحمل الثلاثة الثقافة نفسها , والموسوعية نفسها, والدقة في نقل الحقيقة بلا رتوش . كما حمل الجميع حسن الخلق ورجاحة العقل ورهافة الحس والذوق وكان التواضع يتوجهم فكانوا بناة لصروح علمية وأدبية حقه ,وصناع طلبة أكفاء .تركوا لنا إرثا لايقدربثمن .إلى جانب ذلك كان الثلاثة من منطقة الفرات الأوسط والثلاثة يجيدون الانكليزية فضلا عن تدريسهم في دول أخرى غير العراق ,وشاءت الصدفة أن يتوفى د.عناد غزوان في الشهر نفسه الذي توفي فيه د.الطاهر .وفي مفارقة أخرى كان د.الأعرجي يحمل ملامح د.عناد غزوان الشكلية وصفات د.الطاهر الخلقية فجمع الله فيه أستاذيه( رحمهم الله جميعا وأسكنهم فسيح جناته)فان كان في نشر العلم زكاته فهم خير من نشره. نحمد الله الذي خلقهم ونشكر الفرات الأوسط الذي أنجبهم وطابت أرض العراق التي حوتهم. الهوامش 1مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية 2 حكمت علاوي: الدكتور عناد غزوان رجل موسوعي ,جريدة الصباح ,بغداد 14 /9/2005 3محمد حسين الأعرجي :التراث والمعاصرة ,جريدة البينة ,بغداد 15 /6 /2006 *جملة يعرف بها الشاعر حسين القاصد مدينة النجف الاشرف








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي