الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أكلُّ من أمسكَ بالدفّ هو المغنّي..!

سنان أحمد حقّي

2012 / 10 / 18
دراسات وابحاث قانونية


أكلُّ من أمسكَ بالدفّ هو المغنّي..!
قيل لنا في صبانا أنه توجد عبارة مكتوبة بخط عريض أمام من يقدِم على مصر من الزائرين وهي: يا داخل مصر زيّك ألوف
والمعنى واضح أي كيفما تظن نفسك فهناك أمثالك بالألوف فإن ظننت نفسك عالما فهناك ألوف العلماء وإن كنت فنانا فهناك الألوف وهكذا
ولكن هذه المرّة لا أجد مثلا أوضح من تلك الحكمة النجديّة الساخرة والقديمة والتي تقول : كل من أمسك بالدفّ فهو المغنّي.)كل من لزم الدف غنّى..!)
فآخر الأزمات المصريّة اليوم هو ما صرّحت به المحكمة الإتحاديّة من أنها لا توافق على عدد من النصوص الدستوريّة المقترحة والتي هي قيد التدوين القانوني والكتابة والتحرير وأنها تعتبرها ردّة دستوريّة.
والمعروف أن الهيئة التأسيسيّة المكلفة بكتابة الدستور المصري الجديد قد تم انتخابها بالإقراع الشعبي المباشر وبذلك أصبحت هي السلطة العليا المخوّلة بكتابة دستور جديد للبلاد لغرض عرضه على الشعب بهدف التصويت عليه لاعتماده شرعيّا
والمعروف أيضا أن السلطة القضائيّة ومن ضمنها المحكمة الإتحاديّة وغيرها من السلطات القضائيّة المختلفة لها أن تقضي في أيّة دعوى تـُقام أمامها أو تُحال إليها رسميّا وفق النصوص القانونيّة أو الدستوريّة القائمة فعلا( لا حكم إلاّ بنص.) وليس لها أن توافق أو تمتنع عن الموافقة حول أي نص قانوني أو دستوري ما دام قد إستوفى الشروط التشريعية وأصبح نافذا بمصادقة الجهات المختصّة إذ أن هذه الأمور تقع في إختصاص السلطة التشريعيّة وليست القضائيّة وهذا من جانب ، أمّا الجانب الآخر فإن السلطة التشريعيّة نفسها قد خضعت إلى إرادة الشعب في إنتخاب الهيأة التأسيسيّة لوضع الدستور الجديد وبذلك فقد خرجت وتخلّت إلى الهيأة المذكورة بجميع إختصاصاتها حتّى يقول الشعب كلمته والكرة الآن بين الهيأة التأسيسيّة والشعب لتمرير مسوّدة الدستور وحتّى لو فرضنا جدلا أن الدستور الجديد مثلا سيلغي المحكمة الدستوريّة كلّيّا أو يقترح صيغا جديدة أو أشكالا مبتكرة أخرى، ولن يُعرض الدستور الجديد على المحكمة الدستوريّة لكي يتم إستحصال موافقتها من عدمه وهذا نوع من التغوّل القضائي لا يختلف عن تغوّل العسكر كما كان يجري في بعض المراحل حيث يتمنطق العسكريون بمنطق القوّة والآن يتمنطق أركان القضاء بمنطق القرارات القضائيّة النابعة من قوة المركز الذي تتمتّع به المحاكم والسلطات القضائيّة.
القضاء ينظر فيما يوضع أمامه ( أي يُحال له رسميا) والنظر يكون بموجب النصوص القانونيّة والدستوريّة النافذة فقط .
امّا كيف يكون شكل الدستور فهذه رغبة الشعب وإن السلطات المختلفة يتوجّب عليها الإذعان لرغبة الشعب أيّا ما كانت تلك الرغبة
ولو كان لجهة أو أشخاص ممن ينتمون للسلطة القضائيّة أو غيرها من السلطات أي رأي أو وجهة نظر مهما كانت فما عليهم إلاّ أن يطرحونها من خلال الإعلام بصفاتهم الشخصيّة وكرأي ووجهة نظر أو تظلّم أو تقديم إعتراض إلى الجهة المختصّة بالإعتراضات بعد إتمام المسوّدة شأنهم شأن باقي شرائح المجتمع والمواطنين وليس من خلال موقعهم القضائي الرسمي بصيغة القرار أو إعراب الموافقة من عدمها فالموضوع لن يُطرح على السلطة القضائيّة للموافقة عليه من عدمه كما أسلفنا ولا يمنع ذلك من قيام المحكمة الدستوريّة من تقديم أي إعتراض لديها إذا كان من ضمن إعتراضات المواطنين .
وهذا يعني أنه ليس لكل من تتوفّر له قوّة مادية أو معنويّة أن يستخدمها للتأثير على الشعب وممثله في هذه المرحلة وهي الهيأة التأسيسيّة لوضع الدستور بأي شكل ، شئنا أم أبينا ،
وأن التمتّع بأي موقع رسمي مهما كان رفيعا أو دستوريا فإن موقعه لا يؤهّله ابدا إلى مستوى الموافقة من عدمها أو التمتّع بقوّة وأهليّة لرفض مسوّدة الدستور المقترح جزءا أو كلاّ وأن المعني الوحيد حاليا هي الهيأة المكلفة بكتابة الدستور بهدف طرحه على الشعب ليقول كلمته ولا شك أنه توجد مرحلة للإعتراضات وإبداء الآراء تسبق التصويت عليه ولكن المعترضين غير مناط بهم أن يوافقوا أو يرفضوا أي أن المعترضين مؤسساتٍ وأشخاصا ليسوا مؤهّلين للرفض أو القبول أو التمتّع بأي صفة لها أهلية القرار
هذه هي معاني العمليّة الدستوريّة والعمليّة السياسيّة أيضا فليس سليما أن تتوقف وتنبع جميع المواقف السياسيّة والقانونيّة من موقف الكتل من بعضها سياسيا ( المقصود هو عدم تسييس جميع مناحي الحياة) إذ أن مثل هذه المواقف تؤدّي بالبلاد إلى التناحر والعداء وتُخرجها من المفاهيم الديمقراطيّة التي تدّعيها جميع القوى الوطنيّة فلو كانت القوى المعارضة حاليا هي التي تولّت قيادة السلطة فهل كان يمكن أن تقبل لأحد أن يتدخّل في كتابة الدستور سوى الهيأة التي إنتخبها الشعب؟ طبعا نعيد ونكرر أنه لا بد أن تتاح فرصة للإعتراضات قبل التصويت ولكن الإعتراض ليس له قوّة القراروالموافقة بل يُعتبر وجهة نظر ورأي أو طلب ليس إلاّ، وهو في كل الأحوال غير ملزم للجنة التأسيسيّة
ومن يجد ان المسوّدة غير مناسبة عليه أن ينخرط في الوسط الجماهيري لتثقيف وتوعية الشعب لاتخاذ الموقف الصحيح عند التصويت والعمل مع الإعلام لتغيير وجهات نظر الجمهور نحو الإصطفاف مع وجهة نظره وليس التخندق في ما توفّره المؤسسات الرسميّة من قوة ونفوذ واستغلال ذلك النفوذ.
فما كلّ من أمسك بالدفّ هو المغنّي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس في عهد سعيّد.. من منارة -حرية التعبير- إلى -ساحة استبدا


.. تونس: المرسوم 54.. تهديد لحرية التعبير ومعاقبة الصحافيين بطر




.. الجزائر وليبيا تطالبان المحكمة الجنائية الدولية باعتقال قادة


.. إعلام محلي: اعتقال مسلح أطلق النار على رئيس وزراء سلوفاكيا




.. تحقيق لـ-إندبندنت- البريطانية: بايدن متورط في المجاعة في غزة