الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ابو حنيفة والعرعور*

سعدون محسن ضمد

2012 / 10 / 18
كتابات ساخرة


سحبني صاحب مكتبة في شارع المتنبي بلطف إلى داخل مكتبته، وطلب مني منحه دقائق يحدثني عن موضوع وصفه بالمهم ويتعلق بمستقبل الكتاب في العراق، لكنه أطنب بشرح تفاصيل كثيرة أدخلتني بمتاهة معقدة لم أفهم منها أي شيء. ولما طلبت منه الدخول مباشرة إلى موضوعه، اخبرني أنه يطالب بلائحة تصدرها الدولة وتحدد فيها عناوين الكتب الممنوعة من التداول.
اعتقدت أول وهلة أنه أخطأ في التعبير، وأنه يريد مني، كإعلامي، الوقوف بوجه إصدار مثل هذه اللائحة، لكن تبين أنه لم يخطئ وهو يطالب فعلاً بلائحة تُسَمّي الكتب الممنوعة!! سألته كيف تسعى وأنت تاجر كتب إلى تقييد تجارتك؟! لكن ليتني لم أفعل، فقد دخل من جديد وأدخلني معه في متاهة لم افهم منها شيئاً سوى أنه اضطر لتحويل مكتبته إلى محل بيع مصاحف شريفة وبعض كتب الأدعية والأحراز وعطور ولوازم دينية، كالمسواك والمسبحة وما إلى ذلك.
عند هذا الحد وعدته خيراً وخرجت من مكتبته مباشرة إلى مكتبة صديق لي، وطلبت منه، منزعجاً، أن يخرجني من متاهة جاره، فضحك وهو يقول ليست هناك متاهة يا سعدون الموضوع ببساطة يتعلق بعناوين الكتب التي يُعْتَقد بأنها تساعد على انتشار الفكر المتشدد، فالرجل معروف ببيع (الكتب السنيَّة) منذ زمن صدام، ولذلك كلما جاءت قوات مسلحة بغرض تفتيش شارع المتنبي، داهموا مكتبته ونثروا عناوينها وهم يشككون بكل ما يقع تحت أيديهم، فرجال الأمن والشرطة ليسوا ذوي اختصاص ويعنفونه بسبب أي عنوان يعتقدون أن له علاقة من قريب أو بعيد بالسلفية أو الوهابية، حتى أن الرجل تخلى عن بيع جميع الكتب الدينية وأخذت مكتبته تتحول شيئاً فشيئاً إلى محل بيع عطور ومصاحف كما ترى، وإلى الآن هو خائف من مزيد من المداهمات، ولو أنه يستطيع ترك مهنته لفعل، لكنه يبيع الكتب منذ أكثر من ثلاثين سنة.
إذن هذا هو سر المتاهة، فالرجل لم يستطع أن يقول ببساطة؛ أنه سني مختص بتجارة الكتب الدينية السنية، وكل ما يطالب به هو أن تزوده الدولة بقائمة تتضمن العناوين الممنوعة ليتجنبها، وأن يتولى تفتيش مكتبته من يعرف الفرق بين أبو حنيفة وبين العرعور، وبين أئمة المذاهب الأربعة وبين أمراء الحرب في تنظيم القاعدة.
لكن يا سادتي الأفاضل، أقصد من يرسلون فرق التفتيش عن المفخخات بين الكتب، هل تعرفون بأننا نعيش عصراً تقفز فيه تكنولوجيا تبادل المعلومات قفزات مفزعة؟ وأن أهم أسواق بيع الكتب، ومنتديات تداولها، موجود على النت وفي عالمها الافتراضي العصي على المداهمات؟ وأن التنظيمات المتشددة لا تدير عملياتها وتنشر أفكارها من خلال الكتب الورقية، لأنها أكثر استثماراً للتكنولوجيا الحديثة منكم؟.
وأخيراً، هل تعرفون بأنكم لا تعرفون الفرق بين ترويع المواطنين وبين تطبيق القانون والحفاظ على أمن البلد؟.

ــــــــــــــــــــــ
* المدى، (2625) 17-10-2012








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نفذ ثم ناقش
علي احمد محمود ( 2012 / 10 / 19 - 13:08 )
شكرا سيدي للمقالة
انا متاكد ان اكثر رجال المداهمات لايعرفون القراءة او الكتابة وهم امييون وان من ارسلهم ايضا
جاهل ويوجز لحد الان ماعنده شبكة نت في بيته ,,..واصلا هو مايحتاجها لان عندة اجندة تملي عليه الاوامر كلاميا شفهيا او هاتفيا لاسلكيا ..وهو يطبقها فرضه وشعيرة .. وركض وامغمض
ونفس الفلم الهندي القديم الطويل الي عنوانه نفذ ثم ناقش
علمن خلص الفلم ملكينا واحد بقى حي يرزق يناقش؟





اخر الافلام

.. الجنازات في بيرو كأنها عرس... رقص وموسيقى وأجواء مليئة بالفر


.. إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا




.. شكلت لوحات فنية.. عرض مُبهر بالطائرات من دون طيار في كوريا ا


.. إعلان نشره رئيس شركة أبل يثير غضب فنانين وكتاب والشركة: آسفو




.. متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا