الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أطفال طالبان

عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني

(Abdel Ghani Salameh)

2012 / 10 / 19
الارهاب, الحرب والسلام


بثت قناة العربية فيلما وثائقيا حمل عنوان "أطفال طالبان"، يتحدث الفيلم عن كيفية تجنيد "تنظيم طالبان" للأطفال في وادي سوات، في منطقة القبائل على الحدود بين باكستان وأفغانستان. ويُظهر الفيلم كيف تبدأ الجماعة بتجنيد الأطفال مبكرا وهم في سن الخامسة والسادسة، من خلال دعوتهم للمسجد أولاً، وتحفيظهم آيات من القرآن الكريم، وتلقينهم دروسا دينية منتظمة إلى أن يبلغوا العاشرة؛ لتبدأ بعدها المرحلة الثانية، وهي تهيئتهم لتقبّل فكرة العمليات الانتحارية، من خلال تشريبهم مبادئ الجماعة وأيديولوجيتها المتشددة، ثم تدريبهم فعليا على الأعمال القتالية، إلى أن يتم إرسال من يقع عليه الاختيار إلى أحد الأهداف ليفجّر نفسه هناك.

ومنطقة وادي سوات التي تسيطر عليها "طالبان" تعتبر من بين أكثر المناطق في العالم بؤسا وفقرا، وأقلها أمنا. ومؤخراً وقّعت الحكومة الباكستانية (برئاسة زرداي) اتفاقا مع "طالبان" على تسليمهم المنطقة ليحكموها بشريعتهم وحسب قوانينهم، تحت شعار تطبيق الشريعة الإسلامية، مقابل وقف الحرب بين الطرفين. أي يمكننا القول أن الحكومة الباكستانية باعت الوادي وسكانه لتخلّص نفسها من هذا الصراع الدامي. ومع هذا، لم يؤدي تطبيق الشريعة من قبل الحكومة ولا من قبل الطالبان نفسها إلى وقف نزيف الموت في الإقليم المضطرب. بل على العكس؛ فبسبب الأسلوب الأمني الذي تعامل فيه الجيش الباكستاني مع "المتمردين" والذي اتسم بالبطش والقسوة، لدرجة دك قرى بأكملها وتشريد سكانها، فقد أدى هذا الأسلوب "البدائي" إلى زرع الكراهية والحقد في نفوس السكان، وبشكل خاص الأطفال والمراهقين، حيث وجد الكثير منهم أنفسهم بلا مستقبل وبلا بيت وبلا أهل؛ فكانوا صيدا سهلا لجماعة الطالبان.

ولم يكتفِ "المجاهدون" بمشاهد التخلف والظلم الذي يلف البلاد، ولا بصور الجوع والحرمان الذي أنهك العباد، وأفواج النازحين المشردين الهائمين على وجوههم، الهاربين من جحيم المعارك إلى مخيمات تنعدم فيها شروط الحياة، وليس فيها نظام ولا قانون .. فبدأوا بخطف الأطفال من أُسَرهم، مستغلين فقرهم المدقع وخوف أهاليهم من معارضتهم لهم؛ إذْ لم تجد تلك الأُسر المغلوب على أمرها أمامها خيارا لتجنب العواقب سوى تسليمهم أبناءهم لمعسكرات طالبان، مقابل إطعامهم هم وأسرهم. بعض الأُسَر – كما أشار الفيلم - تتلقى مخصصا شهريا كثمن لابنهم المخطوف رغما عنهم.

وفي الفيلم، يظهر طفلان يلعبان معاً بمرح، وقد بديا صديقين حميمين؛ فتسأل الصحافية الطفل الأول: ماذا ستصبح عندما تكبر وتصبح رجلا ؟ فأجاب على الفور: سأصبح مقاتلا مع الطالبان. ثم تسأل الطفل الثاني نفس السؤال، فيجيب بنفس التلقائية: سأصبح ضابطا في الجيش الباكستاني. فتعود بالسؤال للطفل الأول: ماذا عساك فاعلا إذا قابلت صديقك في الميدان ؟ أجاب بكل ثقة: سأقتله، خاصة إذا ارتكب أي خطأ. ثم توجهت بنفس السؤال للثاني، فأجاب بثقة شبيهة: سأقتله، لأنه متمرد على الجيش.

وفي هذا المشهد السريالي نجد أن طفلين صديقين يحلمان بقتل بعضهما البعض عندما يكبران !! يحلمان بالقتل، ويؤجلان موتهما إلى حين ميسرة .. ولا يريان من صور المستقبل إلا صورة الحرب والقتل !! كيف يمكن أن يحدث مثل هذا ؟!

الإجابة على هذا الموت المؤجل، تبدأ باكرا .. في سن الخامسة، عندما يخطف "الطالبان" طفلا من حضن أمه التي ثكلتها ورملتها وأقعدتها الحرب .. يحفّظونه القرآن الكريم، وهو طبعا لن يفهم منه شيئا - فهو لا يعرف العربية – ولكنه يردده وهو يترنح ويهز رأسه للأمام والخلف، شاعراً أن ما يسمعه هو كلام مقدس، وبالتالي كل ما له علاقة به، وبمن يلقنه إياه سيصبح مقدسا، ويصبح للشيخ الطالباني في هذه الحالة سطوة الساحر على قلب الطفل، وتصبح أوامر قادة الطالبان بمثابة الأوامر الإلهية.

يحفّظونهم القرآن بعد أن يجردوه من كل آيات الرحمة، وينزعون عنه سمات الجمال الروحية.

ثم يقولون له: عليك بمجاهدة الكفار وأعداء الله .. والكفار هم كل من لا يدين لهم بالطاعة والولاء.

ثم يقولون له: هذه الدنيا فانية ولا تستحق أن تُعاش .. زعاماتهم فقط من يستحق العيش.

ثم يقولون له: الموت نعمة، لأنك بمجرد أن تستشهد ستجد نفسك في الجنة... أما هم فيريدون جنة الأرض العاجلة.

سيحدثونه عن الحور العين .. أما هم فلا يتأخرون عن اغتصاب الفتيات النازحات، ثم رجمهن .

سيحدثونه عن الفضيلة .. ثم يتجهون لحصاد مزارع الأفيون.

وبعد غسل الدماغ هذا، لن يجد الفتى صعوبة في ارتداء الحزام الناسف، ونسف حياته وحياة آخرين معه.

في باكستان وحدها يوجد 18 مليون طفل، (عدى عن أفغانستان التي تعيش ظروفا اسوأ)، وإذا ما وسعت "طالبان" دوائر حربها، وأحرزت مزيدا من المكاسب، وبسطت نفوذها هناك، سيكون لديها مخزون من القنابل البشرية ما يكفي لإعادة مدن العالم وحواضره إلى زمن اكتشاف الزراعة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أطفال طاليبان
ناس حدهوم أحمد ( 2012 / 10 / 19 - 18:35 )
على العالم أن يدرك هذه الخطورة التي تحدق به من هؤلاء الوحوش
الكاسرة ويعلن حربا عشواء بواسطة الأمم المتحدة وانقاذ شعب باكستان
وشعر أفغانستان وأطفال البلدين المتخلفين
بأسرع ما يمكن وإلا فإن الأمور سوف تتجه قدما لإنتاج الإرهاب
في العالم


2 - الاستاذ سلامة
هوزان خورمالى ( 2012 / 10 / 20 - 11:21 )
الجهل والحرمان هما العامل الاساسي لترعرع الافكار والايديولوجيات المتطرفة وفقدان العادلة الاجتماعية والوعي الطبقي عزيزي مناخ الشرق لاوسط والبيئة هما الذي تتخذ منها الايديولوجيات ولافكار المتطرفة الهاما لتطور نفسها وتكون كيان سياسي على شكل احزاب وحركات دينية مستغللا الثغر والفراغ السياسي والاقتصادي الذي يولد من الدول والانظمة الحاكمة لتغذي نفسها ليست باكستان وحدها ارض خصبة لتلك الافكار بل الدول العربية والاسلامية التى تعاني من الظلم والاستبداد والحرمان وفقدان العدالة الاجتماعية ارض خصبة لنشوء كيانات سياسية متطرفة دينية وغيرها اذن الحل يكمن هنا على الدول والانظمة الحاكمة ان تحارب الجهل والحرمان وتعمل على نشر الافكار الديمقراطية وتتبع سياسية المساومة الاقتصادية وتنفيذ العادلة الاجتماعية والوعي الطبقي ونشر الحريات الدينية وضرورة التعبير عن الاراء وعدم فرض قيود على المواطنين بحرياتهم وتعزيز روح الحب والاخوة بين طبقات المجتمع المدني والعمل على محاربة الفساد والبطالة حينها يتغير المناخ الذي ينتج الفرد بعقلية طالبانية فاقدا الامل في ارض ويجدة في السماء تقبل تحياتي

اخر الافلام

.. رئيس الوزراء البريطاني الجديد كير ستارمر يلتقي الملك تشارلز


.. خريطة تفاعلية تشرح مراكز الثقل الانتخابي في إيران




.. الدعم السريع يسيطر على منطقة استراتيجية في ولاية سنار جنوب ش


.. عاجل | وزارة الداخلية الإيرانية: فوز مسعود بزشكيان بانتخابات




.. الجيش المكسيكي يوزع طعاماً للمتضررين من إعصار بيريل