الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل الإسلام دين شمولي؟ نظرة لحد الردّة

أحمد فيصل البكل

2012 / 10 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


" الأيديولوجيا " تظهر في فترة تاريخية ما إستناداً إلى إشكاليات يطرحها عصر ما محاولةً تقديم إجابات وحلول ، في حين ينطوي الدين على جانباً وشقّاً عقائدياً يتميز بالثبات على مدى السيرورة التاريخية ، فلا تقربه رياح التغيير من قريب او من بعيد . أما الشق الآخر فهو الشق الفقهي الذي ما من بد له أن ينظر بعين العصر في مراعاة منه للحراك الزماني والمكاني ، فالسلفي الراديكالي الذي يخلط فيما بين العقيدة والفقه وفيما بين العقيدة والشريعة دون مراعاة وإنتباه وإدراك للصيرورة التاريخية لن يحظى بدور أكثر أهمية مقارنة بدور الدين اليوم على مستوى العالم ، ولن يعثر في ذاته على شعوراً حقّاً بالإمتلاء . لن يعثر في واقع الأمر إلا على بقايا كائن بشري لا يرى في غيره عدوّاً بقدر ما يرى في التاريخ المعاصر . إنساناً لا يدرك للخفة من معنى ، لا يعرف سوى الثقل ، ولا يضنيه شيئاً بقدر ما يضنيه سريان عقارب الساعة اللا متناهي . أقصى ما يمكنه الإحساس به إنما هو إحساساً يكتنفه الزيف بالإكتفاء بماض يدعو للتفاخر و إرث يمثّل مدعاة لكل إنتشاء . وهو في هذا لا يتمايز كثيراً عن العربي المسلم المعاصر الذي لا ينفك يسير في ركب المادية الغربية مبرراً بأنها الحضارة الأحق بالإتباع . وما هو في حقيقة الأمر إلّا بمنسحق .. ولا يجدر بنا إلا أن ننعته بإنسان " اللا هوية " .
بين عقيدة راسخة - فيما يبدو ظاهراً - ، وفقه فقد ما له من قدرة على المواكبة والتجديد ، تكمن أزمة الإسلام ، بل قل ورطته إن شئت .

يحق للقاريء أن يتسائل لماذا الحديث عن حد الردّه بالذات ؟ وأجيب أنا قائلاً : لأن حد الردّه في الشريعة الإسلامية يعبّر عن إشكالية فلسفية قديمة قدم الإنسان ذاته ، تتمثّل في العلاقة فيما بين الفرد والمجتمع وأيهما أسبق وأيهما ينبغي أن تقصده شتى الممارسات الإجتماعية . وهي الإشكالية التي تشغل بال الفكر الفلسفي من الفلسفة الإغريقية وحتى عصر " ما بعد الحداثة " .

- الإسلام ديناً وسطياً في تشريعه للعلاقة بين الفرد والمجتمع دون غلو ومحاباة لطرف على حساب الآخر . إنطلاقاً من الفرضية تلك ، وفي معرض حديثنا عن الردّه نتسائل : هل هذا صحيحاً ؟
يقول الدكتور تيسير خميس العمر في كتابه ( حرية الإعتقاد في ظل الإسلام ) : ( إن الهدف من مبدأ ( لا إكراه في الدين ) يتمثل حقيقة في أرقى أنواع ممارسة الحرية وأفضل إكرام للإنسان ، فهو يحذر من أراد الدخول في الإسلام عن الدخول فيه إلا إذا كان على تمام القناعة والرضا ، لأنه إذا دخل عن طواعية وقناعة تامتين ومعرفة راسخة فإنه عندها لا يستطيع الخروج منه ... ومن هنا نرى أن عقوبة الردّه جاءت لتقطع على أهل الأهواء هدفهم وتبطل مسعاهم بعيدة عن زيغ المبطلين وأصحاب النفوس الضعيفة التي تحب أن تلهو وتبتعد عن جادة الصواب فالإسلام لا يسوغ لذوي الأهواء أن يعبثوا بالأديان ، فيدخل في الإسلام لغاية ثم يخرج منه لغاية ، بل إعتبر ذلك لعباً بالدين وتضليلاً للمتدينين ) .
ويتابع قائلاً : ( تهدف عقوبة الردّه إلى الحفاظ على المجتمع وصيانة أركانه وإقامة هيبة للدين وسلطانه على النفوس حتى لا يتطاول أصحاب العقول السقيمة والنفوس المريضة على الدين ، وتنال من قدسيته وهيبته في النفوس ) .
يمكننا هنا بسهولة إدراك " الوصاية الفكرية " المطالَب بها ، كما يمكننا تلمّس الأحكام المطلقة فارغة المضمون ، فكل من يعلن رفضه للإسلام هو بالضرورة صاحب عقل سقيم ونفس مريضة وبالتأكيد لا يهدف سوى لتقويض أركان المجتمع .

يقول الدكتور خميس العمر في فقرة آخرى : ( المرتدون أخطر من الأعداء على الإسلام وأهله ، ويزداد هذا الأمر جلاء ووضوحاً لمّا نعلم أن المرتد سيشوه صورة الإسلام ويدس على الدين ، وهذا ما لا يقدر عليه غير المسلمين ، وعندئذ سيخدع الكثير ممن لا معرفة له بالإسلام ) .

ويقول الدكتور حسن الشاذلي في ذات السياق في كتاب ( أثر تطبيق الحدود في المجتمع ) : ( الفرق كبير بين مسلم يرتد ثم يهاجم الإسلام ، وبين غير مسلم يهاجم الإسلام ، إذ الأول يدس سمومه تحت شعار علمه بحقيقة الدين ، وينفّث أحقاده تحت ظلال خبرته المدعاة بتعاليم الدين وأحكامه ، مما يجعل مستمعه أقرب إلى تصديقه من شخص غير مسلم ، ولما كانت خطورة المرتد بهذه المثابة كانت عقوبة المرتد بقدر جنايته ) .
لماذا كان الفرض هنا بأن من يعبّر عن وجهة نظره في الإسلام بعد الإرتداد عنه لابد وأنه ينفّث عن حقده مدعياً علمه بحقيقة الدين ؟ ألا يكسبه إيمانه بالدين في باديء الأمر ومعايشته للبيئة الدينية أرضية أصلب تمكنه من الحُكم على نقيض الآخر الذي يهاجم ديناً لم تتسنّى له معرفة خباياه ولم تتاح له معايشته ؟ ثم ما معنى أن يدس المسلم المرتد سمومه تحت ظلال علمه بحقيقة الدين ؟ أيفترض هنا أننا نتحدث عن مجتمعاً إنغلاقياً لم يستشرف العولمة بعد ويخشى أن تتكشّف حقيقته أمام الآخر ؟ وما معنى التفرقة في الأساس بين مسلم أعلن عدم قناعته بالإسلام وغير مسلم ؟ يبدو الأمر كما لو أن المسلم يُراد له - أو ينبغي عليه - أن ينصهر بداخل أجندة جماعية لا معنى ولا قيمة فيها لفرديته ، ولا تعني فردانيته إلا مداداً - ربما عددياً فقط - لأجندة المجموع . إن إدراك الأمر على هذا النحو يقودنا حتماً لفهم مدى خطورة خروج الفرد على مخطط الجماعة ، فلا يعني خروجه هنا سوى تهافت النسيج الداخلي للمجموع . بكلمة آخرى : الفرد داخل جماعة الإسلام ليس ملكاً لنفسه ، وليس مقرراً لمصيره . إنه مجنّداً لصالح مخطط ضخم يتعدّاه ويتجاوزه . لم يكن لي أن أفسر تلك الفقرة إلّا على هذا النحو .
كان الرسول قد ذكر أن المسلم لا يُحلّ دمه إلا بثلاث ومنهم " التارك لدينه المفارق للجماعة " . فماذا كان القَصد بالمفارق للجماعة ؟ ألا يعني التأكيد على ما تم إيضاحه ؟

يقول دكتور يوسف القرضاوي في إحدى مقالاته : " إن عالمنا اليوم يقوم فيه صراع ضخم بين المذهب الفردي ، والمذهب الجماعي . فالرأسمالية تقوم على تقديس الفردية ، وإعتبار الفرد هو المحور الأساسي ، فهي تدللـه بإعطاء الحقوق الكثيرة ، التي تكاد تكون مطلقة ، فله حرية التملك ، حرية القول ، وحرية التصرف ، وحرية التمتع ، ولو أدت هذه الحريات إلى إضرار نفسه ، وإضرار غيره ، مادام يستعمل حقه في " الحرية الشخصية " ، فهو يتملّك المال بالإحتكار والحيل والربا ، وينفقه في اللهو والخمر والفجور ، ويمسكه عن الفقراء والمساكين والمعوزين ، ولا سلطان لأحد عليه ، لأنه " هو حر " . والمذاهب الإشتراكية - وبخاصة المتطرفة منها كالماركسية - تقوم على الحط من قيمة الفرد والتقليل من حقوقه ، والإكثار من واجباته ، وإعتبار المجتمع هو الغاية ، وهو الأصل . وما الأفراد إلا أفراد أو تروس صغيرة في تلك " الآلة " الجبارة ، التي هي المجتمع ، والمجتمع الحقيقي هو الدولة ، والدولة في الحقيقة هي الحزب الحاكم ، وإن شئت قلت : هي اللجنة العليا للحزب ، و ربما كانت زعيم الحسب فحسب ، هي الدكتاتور !!
إن الفرد ليس له حق التملك إلا في بعض الأمتعة ، والمنقولات ، وليس له حق المعارضة ، ولا حق التوجيه لسياسة بلده وأمته ، وإذا حدثته نفسه بالنقد العلني أو الخفي ، فإن السجون والمنافي وحبال المشانق له بالمرصاد !
ذلك هو شأن فلسفات البشر ومذاهب البشر ، والديانات التي حرفها البشر ، وموقفها من الفردية والجماعية ، فماذا كان موقف الإسلام ؟ لقد كان موقفه فريداً حقاً ، لم يمل مع هؤلاء ولا هؤلاء ، ولم يتطرف إلى اليمين ولا إلى اليسار .
أينبغي لنا أن نسلّم بهذا في سياق حديثنا عن حد الردّه ؟

إن الدين - كل دين - لابد له من أيديولوجية معاصرة تقدّم مشروعاً معاصراً ، معبراً عنه ، ولكن ينبغي له قبل ذلك أن يستند إلى فقه متسق مع ذاته ، فلا يدّعي الوسطية في حين إرتداءه ثياب الشمولية التي تذكّرنا بالأحزاب البعثية وشعارات - الإشتراكية العلمية - الجوفاء . ينبغي على الفقهاء والمجتهدون الجدد أن يسائلوا أنفسهم ويسائلوا النصوص ما إذا كان الإسلام ديناً شمولياً أم لا ، ومن حيث تكون الإجابة ينبغي لهم أن يعملوا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الحريه فى الاسلام
كامل حرب ( 2012 / 10 / 19 - 14:33 )
مقاله اسلاميه ارهابيه دمويه ومتحجره كما يبدو ان كاتب هذا المقال ارهابى اسلامى ,قبل كل شئ يجب ان نقر ان الاسلام قائم على ثوابت العدل والمساواه والمنطق والحريه ,انا لااجد ان الاسلام قائم على هذه الثوابت ,الاسلام منذ بدايته السوداء قائم على القتل والارهاب والسرقه واغتصاب النساء وامتلاك العبيد واستخدام السيف فى نشر دعوته الارهابيه الهمجيه والغزوات الدمويه للبلاد الامنه واجبار الناس فى الدخول فى الاسلام او الذبح او دفع الجذيه واحتلال بلادهم وسرقه مواردهم واستعباد اهل البلد الحقيقيين ,بالطبع هذه بلطجه ووحشيه ودمويه ,بالنسبه للرده يا فصيح ,المسلم الذى ولد مسلم بالميلاد هل هو كان حر فى اعتناق هذا الدين ,اذن يجب ان يكون له حريه التفكير والبحث والاختيار ,فاذا راى ان الاسلام لايصلح له فانه حر ان يتركه ويعتنق دين اخر ,لانه فى الاساس لم يملك حريه اختيار ديانته الارهابيه الهمجيه ,يبدو انك مرعوب من كشف حقيقه الاسلام الدمويه الوحشيه ,تاكد ان الاسلام اصبح تحت الاضواء الكاشفه لفضح زيفه واجرامه وكذبه


2 - حد ألردة
د. ليث عبد ألصمد نعمان ( 2012 / 10 / 19 - 23:40 )
لا يوجد في إلأسلام حد ردة ففي سورة ألمائدة ألتي هي آخر صرة نزلت ألآية :- يَـٰٓأَيها ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَن يَرۡتَدَّ مِنكُمۡ عَن دِينِهِۦ فَسَوۡفَ يَأۡتِى ٱللَّهُ بِقَوۡمٍ۬ يُحِبُّهمۡ وَيُحِبُّونَهُ ۥۤ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلمُؤۡمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلكَـٰفِرِينَ يُجَـٰهِدُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوۡمَةَ لآئمٍ۬‌ۚ ذَٲلِكَ فَضلُ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُ‌ۚ وَٱللَّهُ وَٲسِعٌ عَلِيمٌ (٥٤). وقصة عبدألله بن أبي سرح ألذي مسلماً يكتب ألوحي في مكه قبل أن يرتد ويسخر من ألنبي كونه لا يعرف ألقراءة فلا يدري ماذا كان يكتب, قصة معروفة. قبض على أبن أبي سرح بعد فتح مكه و جيئ به ألى ألنبي فلم يقتله و ألرواية ألرسمية تقول أن عثمان بن عفان توسط له وهذه إهانة للنبي فإن كان له أن يعفو عن ألسخرية فليس له أن يخالف ألحدود. ألم قل لأسامه بن زيد:-وألذي نفس محمد بيده لو أن فاطمه بنت محمد سرقت لقطعت يدها-
وحروب ألخلافة ألتي تسمى خطأً حروب ألردة بدأت بألمسلمين ألذين لم يعتفوا بخلافة أبي بكر


3 - من يسيئ الى الأسلام ؟
شاكر شكور ( 2012 / 10 / 20 - 01:39 )
تقول يا سيد أحمد (ولما كانت خطورة المرتد بهذه المثابة كانت عقوبة المرتد بقدر جنايته ) هذا بالضبط ما تفكر به المافيات عندما يخرج اي فرد عن طوعهم فالعلاج عندهم هو القتل حتى لا يفضح اسرارهم . اتعجب من اله لا يستطيع حماية دينه ويخاف من خروج شخص من القطيع ويوكل القصاص للأنسان قبل مجيئ يوم الحساب ، ولكن من يدافع عن هكذا شريعة في هذا الزمان يصبح اضحوكة بنظر العالم لأن الدول الأسلامية وقّعت على لوائح حقوق الأنسان وهناك متابعة لمن يخرق هذه القوانين ، السيد أحمد فيصل لم يبقى لأفكارك مكان في هذا العالم فعليك شد الرحال الى كهوف تورا بورا لأنك انت من تسيئ الى الأسلام وليس المرتدين ، تحياتي

اخر الافلام

.. صحن طائر أو بالون عادي.. ما هي حقيقة الجسم الغريب فوق نيويور


.. دولة الإمارات تنقل الدفعة الـ 17 من مصابي الحرب في غزة للعلا




.. مستشار الأمن القومي: هناك جهود قطرية مصرية جارية لمحاولة الت


.. كيف استطاع طبيب مغربي الدخول إلى غزة؟ وهل وجد أسلحة في المست




.. جامعة كولومبيا الأمريكية تؤجل فض الاعتصام الطلابي المؤيد لفل