الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة واقعية: اعتقال ابتهال

عبد الرحيم التوراني
صحفي وكاتب

(Abderrahim Tourani)

2012 / 10 / 20
الادب والفن



كان طالبا يساريا. الزمن السبعينيات الملتهبة بالثورة وبالأمل. ماي 1968، فلسطين، الشيلي، ماركس ولينين، الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم. ناس الغيوان وأغنية "ما هموني غير الرجال إلى ضاعوا" . سعيد المغربي. مجلة أنفاس، نشرة "إلى الأمام". المناشير السرية. الكتابة على الجدران، المظاهرات الطلابية. الإضرابات العمالية. انتفاضات الفلاحين الفقراء...
نظام الدكتاتور الحسن الثاني على وشك الانهيار والسقوط. يمسح النظام البلد بالاعتقالات والاختطافات. شراسة القمع تزداد وتحتد. يرصع الملك خريطة المغرب بالسجون السرية؛ درب مولاي الشريف. الكوربيس. إكدز. الكاب وان. السويسي. تاكونيت. دار المقري. قلعة مكونة... أما عساكر الانقلاب فقد تفتق خياله الدموي عن بناء وتشييد مقبرة الأحياء تازمامرت.

الطالب اليساري كان من مراكش. وساقته ظروفه إلى الانتماء إلى الحركة الماركسية اللينينية المغربية. عند انشطارها إلى "أ" و"ب"، ظل ملتزما بحرف ألف، أي ما عرف ب"إلى الأمام" رغم أن جل رفاقه انضموا إلى حرف باء، أي ما عرف ب "23 مارس". أو "23 مراكش" كما كان يطلق عليها من لدن الرفاق في "أ". إذ القيادة كلها تقريبا مراكشية.

سيعتقل صاحبنا ضمن أفواج المعتقلين السياسيين الذين سيملؤون سجون الملك. تحقيق وتعذيب ومحاكمات صورية.. وتوزيع قرون من السنوات على شباب غض حلم بالثورة في زمن الحلم. والطالب اليساري ترك وراءه والدا مريضا . سيموت وابنه في المعتقل. ووالدة منكهة برعاية إخوة صغار. وزوجة شابة، لم يعش معها إلا بضعة أشهر. تركها حاملا في شهرها الأول.

وهو في السجن المركزي بالقنيطرة ستزوره والدته وتبشره أن زوجته قد وضعت أنثى. وأنهم سيسمونها خديجة. تيمنا بأم المؤمنين. قالت الوالدة إنه اسم جميل وشريف، اسم زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم. رفض الطالب اقتراح التسمية. خطر له أن يسجل ذكرى سجنه وتضحيته من أجل الجماهير والطبقات الشعبية. كتب على ورقة الاسم الذي اختاره للمولودة التي لم يرها ولم يحضر لحظة ميلادها. لما عادت الأم بالورقة وفتحوها، قرأوا الاسم الذي اختاره الوالد المغيب في السجن. واحتراما له رضخوا للأمر. وذهبوا إلى مقر المقاطعة الإدارية لتسجيل اسم البنت في دفتر الحالة المدنية. كان أخوه الأصغر يشك في قبول ضابط الحالة المدنية تسجيل هذا الاسم غير المألوف. لكن الأمور مرت بسلام. تم تسجيل الاسم واحتفلت العائلة بالعضو الجديد. وكان الاسم هو "اعتقال".

مرت السنوات تتلوها السنوات، والوالد اليساري محكوم عليه بمدة طويلة. كلما صدر عفو ملكي عن السجناء السياسيين تنتظر العائلة أن يطرق ابنها الباب. لكن خيبتها ستتكرر أكثر من مرة. لم يغادر صاحبنا زنزانة السجن إلا بعد أزيد من عقد.
كبرت الطفلة وأصبحت تدرس في المرحلة الإعدادية.
لم يستطع السجين السابق أن ينسجم بسهولة مع العالم الذي وجده تغير من ورائه بشكل كبير.
لم يتفاهم مع زوجته التي أحبها وأحبته فوق مدرج الجامعة.
وجدها امرأة أخرى. ووجدته رجلا آخرا.
وسرعان ما تم الطلاق بينهما.

***
في عطلة الربيع الأخير حكى لي صديق أنه التقى باعتقال. شابة رائعة في مقتبل العمر ولا أجمل. سألته عن مسارها الدراسي والعملي فسكت. قبل أن يهمس لي أنها تقدم خدمات خاصة للسياح والخليجيين منهم على الأخص. مساهمة في تنمية وازدهار السياحة الوطنية.
غيرت البنت اسمها بين صويحباتها وزبنائها. اختارت أن ينادونها باسم: ابتهال. لكن بطاقتها الوطنية تحمل الاسم الذي اختاره لها الأب المعتقل.

***
والأب وهو في المعتقل كان فكر في الأول في اسم "ثورة"، لكنه تراجع عنه لصعوبة قبوله من السلطات.

***
تذكرت مظفر النواب وقصيدته الشهيرة "وتريات ليلية"... "الثورة يزنى فيها".
الدار البيضاء (المعاريف)
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي