الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن التحرش. على المزمار. في أمريكا!!!

عائشة خليل

2012 / 10 / 20
ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة


ساقتني ظروف غريبة ومعقدة أن أجلس في فصل دراسي لطلاب الفرقة المتميزة بإحدى الجامعات الأمريكية، الدكتورة جانت لي بريطانية الأصل متخصصة في علم الاجتماع، وتدرس "الدراسات النسوية" منذ سنوات عديدة، ويدرس طلاب هذا الفصل على يديها مادة عن "النساء والجنسانية حول العالم". الأستاذة لي كما المايسترو لطلابها، فهي تتبع التعليم التفاعلي المبني على نظرية فريري لتعليم المقهورين (أنظر بشأن ذلك مقالة سابقة)، فهي توجه الطلاب وتختار لهم الموضوعات والأساليب ثم تترك لهم حرية التعبير عن تجاربهم من خلال الأطر الممنوحة لهم، وتتوسط في الحديث كلما تطلب الأمر ذلك في تطبيق عملي لشخصية "الجوكر" في مسرح بوال.
يبدأ الفصل كعادته بما أعده الطلاب من تفاعل مع الأحداث العالمية الجارية، حيث يختار أحد الطلاب حدثًا عالميًا معينًا ويتفاعل معه ليبدع منتجًا فنيًا يعرضه على الفصل؛ ومع أن المحاضرة لفتت نظري إلى إبداع الطلاب، إلا أن حديثها ذلك لم يعدني نفسيًا لما حدث بعد ذلك بدقائق معدودات. ألحظ فتاة متشاغلة بآلة الكلارنت، وأستاء أنا المسكونة بالتعليم البنكي والذي يعتبر أي تشاغل في الفصل قلة احترام وتقدير للمعلم صاحب العلم الوفير الذي يغدقه على طلابه! ثم أنتبه لأول العارضين: طالب يتحدث عن دوقة كامبردج وظهورها وهي تغطي شعرها أثناء زيارتها لمسجد في ماليزيا، ملابس الدوقة صممتها دار أزياء تساند الناجيات من الاتجار في البشر؛ وبما أن ملابس الدوقة تحت المجهر دائمًا، فقد استفادت الدار من الدعاية بحصولها على تبرعات إضافية لدعم أعمالها الخيرية. ويعرض الطالب ملصقًا قام بتصميمه يدعو فيه إلى مساندة المنظمات التي تعمل ضد الاتجار في البشر. ثم تتحدث طالبة عن تغيير قوانين الهجرة في الولايات المتحدة وتعرض ملصقًا عن ذلك.
ثم يأتي دور أميلي الفتاة الخجولة ذات العشرين ربيعًا لتتحدث إلى زملائها وزميلاتها عن "التحرش في مصر" !!! قالت إنه صار يشكل ظاهرة تعاني منها النساء بحيث بتن يخشين الخروج من المنزل، وتحدثت عن واقعة معينة حدثت في الإسكندرية حيث تم الاعتداء على سيدة وتكاثر حولها الأشخاص بحيث باتت لا تعرف من يحاول مساعدتها ومن يحاول مهاجمتها، وتناولت أميلي الكلارنت (المزمار) وقالت: "سأعزف مقطوعة من تأليفي عن تلك اللحظة. لحظة تشوش الفتاة وحيرتها بين من يحاول مساعدتها ومن يحاول مهاجمتها"، وأضافت "لقد أسميتها زحمة". وأمتعتنا بمقطوعة قصيرة شجية أودعتها الشك والحيرة وتضارب المشاعر.

ودعتني الأستاذة للتعقيب ... فما عسي أن أقول؟
جالسة أنا على مقعد دراسي على بعد آلاف الأميال عن مصر لأستمع إلى فتاة أمريكية تعبر بشجن عن عذابات فتاة من الإسكندرية، فأية مفارقة تلك؟ فبالرغم من تباعد المسافات واختلاف الإثنيات والعرقيات والديانات شعرت أميلي بمأزق فتاة الإسكندرية .. فبماذا أعقب أنا؟
سيدتي لقد صم المجتمع بأسره لدينا أذنيه عن عذابات فتاتك، والعديدات غيرها. فمن فتيات كشوف العذرية إلى ست البنات إلى ننتاشا سميث إلى غيرهن الكثيرات.
ليس لدي ما أضيفه ..
أكتب وكلي أمل أن تعرف فتاة الإسكندرية - والتي لا أعرف عنها الكثير للأسف - أن فتاة أمريكية تفاعلت مع تجربتها المؤلمة فألفت عنها مقطوعة موسيقية، لعل ذلك يخفف عنها وطأة ما عانته.
أكتب وكلي أمل أن يعرف المسئولون لدينا كيف يتفاعلون مع عذابات مواطنيهم، فيتحركون لتشريع قوانين رادعة ضد المتحرشين.
أكتب وكلي أمل أن يتفكر أولو الألباب في مقولة رفاعة رافع الطهطاوي منذ قرن ونصف، عندما سئل عن تجربة العيش في بلاد الفرنجة: "وجدت هناك إسلامًا بلا مسلمين، ولدينا مسلمين بلا إسلام."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المغتصب ينجو من إعدام بزواج المغتصَبة عزيزتي عائشة
ليندا كبرييل ( 2012 / 10 / 21 - 02:38 )
رائعة مواضيعك المتنوعة عزيزتي الكاتبة المحترمة
كم آلمني أن أقرأ منذ بضع سنوات سماح المفتي في مصر للفتاة المغتصبة بإجراء عملية ترقيع البكارة ( إذا ثبت أن الاغتصاب لم يكن برضاها) ، شيء مقرف حقاً
أي قانون شرّعوه فإنه لن يغيّر من حالنا ولا شعرة واحدة
هناك ما هو أقوى من القانون بكثير ، حاميه وحراميه
نعم : سدنة الدين والقائمون عليه يحمون الرجل ويسرقون القانون بكل جرأة ووقاحة
الأساس فاسد، وأنا ممن لا يأمل بتغير هذا الأساس ، لكني أرجو دوماً أن يأتي الرجل الحازم ليضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه بتجاوز القانون
القانون هو نقطة الانطلاق
ولكن لا نفع منه إن لم يحمِه الرجال والنساء في المجتمع قبل منْ هو في سدة الحكم
هل رأيت مظاهرة في مصر للسيدات كما فعلت سيدات تونس عندما خرجن يطالبن بالمساواة الكاملة مع الرجل ؟
لك أطيب تحية وتقدير على جهودك الكبيرة


2 - ليس هذا إسلاماً
طاهر النجار ( 2012 / 10 / 27 - 11:57 )
الأستاذة الأخت/ عائشة خليل
بعد التحية,
اشكرك على مقالك الذى يعبر عن أغتصاب الرجال لحقوق المرأة بل أغتصاب المجتمع ككل لحقوق المرأة وبقية الضعفاء فى المجتمع بأسم الدين.
أعجبنى مقالك لكن لم تعجبنى الخاتمة عندما ذكرت مقولة رفاعة الطهطاوى أنه وجد فى بلاد الفرنجة إسلاماً بلا مسلمين، لأنه للأسف يعنى ذلك أن أخلاق شعوب بلاد الفرنجة تتطابق مع تعاليم الإسلام وهذا هو قول مضلل يزيف الحقائق التى يفتخر بها كل مسلم معتبراً نفسه من أفضل خلق الله ديناً وخلقاً، وكأن تلك الأخلاق الموجودة فى شعوب بلاد الفرنجة تمثل مثال حقيقى للإسلام ، وهذه أكبر كذبة فى التاريخ وفى الثقافة التى يتم ترديدها دون الوعى بخطورتها على عقول القراء.
معذرة يا أخت عائشة لكنها الحقيقة التى يجب أن ينتبه إليها كل كاتب وقارئ، لأن تلك المقولات تعبر عن الكبرياء والنفاق الذائف للذات الإسلامية ومعتقداتها وكأنها أفضل من باقى معتقدات العالم أو معتقدات شعوب بلاد الفرنجة.
شكراً لك على مقالك.

اخر الافلام

.. سكرتيرة الحريات بنقابة الصحفيين السودانيين إيمان فضل السيد


.. الحسكة في يومهم العالمي على العمالات الانضمام للنقابات وا




.. الصحفية المستقلة حواء رحمة


.. الصحفية السودانية مروة الأمين




.. الصحفية رفقه عبد الله